كيف نبني شخصية مستقيمة لأبنائنا؟


بقلم أ : عاطف بخيت
مدرب محترف معتمد من المعهد الأمني للتنمية البشرية

الاستقامة ليست مجرد أوامر، بل هي قصة تُروى كل يوم في أركان البيت، بطلها الوالدين

إن بناء الاستقامة في نفوس الأبناء مهمة عظيمة، ولكنها ليست معقدة. إنها لا تُزرع بالصراخ أو كثرة الأوامر، بل تُبنى في جوٍّ دافئ ومليء بالثقة، الحب، والقدوة الحسنة. عندما يرى الطفل أن الدين والخُلق الطيب هما جزء من حياة الوالدين اليومية، وليس مجرد كلام يُقال، فإنه ينجذب إليه ويتعلَّقه بشكل طبيعي، ومن دون أي ضغط.

لنجعل منزلنا مصنعًا للخير ومدرسةً للفضيلة، إليك الأسس التي نتبعها بقلبٍ رحيم وعقلٍ حكيم، وهي أسرار بناء الشخصية المستقيمة:

1. القدوة الحسنة (قبل الكلمات، السلوك هو الرسالة)

الأب والأم هما أول كتاب يقرأه الطفل في حياته. إذا أردت أن يكون ابنك مستقيمًا وصادقًا، عِش أنت الاستقامة والصدق أمامه.

الخُلق العملي: يرى الأبناء دينًا يُعاش في سلوك الوالدين قبل كلامهم. هل تبتسم في وجه الآخرين؟ هل تُحافظ على وعودك؟ هل تُعامل عامل التوصيل باحترام؟ هذه التفاصيل هي درسهم الأهم في الأخلاق.

الكلمة الطيبة والعدل: اجعل لسانك طيبًا؛ تجنَّب السباب أو الشكوى المستمرة أمامهم. واحرص على العدل المطلق بينهم، فالتمييز بين الأبناء يزرع الغيرة ويُفسد القلوب.

أداء العبادات بهدوء: حين يرونك تستقبل الصلاة بلهفة وهدوء، أو تتلو القرآن بخشوع، يدركون أن هذه العبادات هي مصدر سلامك وسعادتك، فيرغبون في تقليدك.

2. الحوار والثقة (ازرعوا لغة النقاش لا لغة الإملاء)

الثقة هي التربة التي تنمو فيها الشخصية المستقيمة. يجب أن يشعر الابن أن بيته هو الملاذ الآمن حيث يمكنه أن يطرح أي سؤال دون خوف من السخرية أو العقاب.

الاستماع الصادق: امنحوا أبناءكم وقتًا صادقًا، لا مجرد وقت. استمعوا لمخاوفهم وتساؤلاتهم وشكواهم دون الانشغال بالهاتف أو مقاطعتهم.

المناقشة بحكمة: عندما يُخطئ الابن أو يسأل عن أمر، ناقشوه بحكمة لا بتوبيخ. اشرحوا له سبب الأمر أو النهي، وساعدوه على فهم العواقب بمنطق هادئ.

بناء الثقة: اسمحوا لهم باتخاذ قرارات بسيطة ومحاسبتهم على نتائجها. امدحوا صدقهم حتى لو جاء الاعتراف بالخطأ. قل له: “أنا فخور بأنك قلت الحقيقة”؛ هذا يرسخ قيمة الصدق أكثر من أي عقاب.

3. الرحمة (تصحيح الخطأ بالحب وتهذيب القلب)

البيت الصالح ليس مكانًا بلا أخطاء، بل مكانٌ يُصلَح فيه الخطأ بحب. كل طفل سيُخطئ، وهذا جزء من النمو. الفارق بين البيوت هو طريقة التعامل مع هذا الخطأ.

فلسفة الإصلاح بالرفق: عندما يقع الخطأ، لا تُلغوا شخصية الطفل، بل انتقدوا السلوك. بدلًا من قول: “أنت ولد كاذب”، قُل: “ما فعلته للتو كان كذبًا، وهذا لا يُرضينا، تعال لنتحدث عن أهمية الصدق”.

التربية بالتعويض لا بالإذلال: علموا الابن كيف يُصحح خطأه بنفسه. إذا كسر شيئًا، فليشارك في تنظيفه أو تعويضه. هذا يُعلّمه تحمل المسؤولية وتصحيح العيوب.

تغذية الروح: اجعلوا في البيت لحظات ذكر وصلاة جماعية أو قراءة قصص الأنبياء. هذه اللحظات تُنعش الروح وتُثبّت القلب، وتُذكّر الجميع بهدفهم الأسمى.

الخلاصة: الفطرة المستقيمة تنمو في بيئة آمنة

إن هدفنا هو أن نحافظ على فطرة الأبناء سليمة ونقية، وأن نُنمّيها لتكون مستقيمة وقوية.

التربية على الاستقامة هي رحلة يومية من الصبر والتسامح والحب غير المشروط. عندما يشعر الابن أنه محبوب ومُقدَّر، وأن خطاياه لا تعني نهاية علاقته بوالديه، وأن بيته هو مرفأ الأمان الذي يُهذَّب فيه القلب برفق، وتُصان فيه الفطرة، عندها فقط، ستنمو استقامته بشكل طبيعي وثابت كالشجرة الطيبة.

فالبيت هو حيث يتم صناعة الإنسان… فاجعلوه مكانًا صالحًا.