التطرف ليس في التدين فقط
11 ديسمبر، 2025
منبر الدعاة

بقلم الدكتور : محمد أنور الأزهري الشافعي
إمام وخطيب ومدرس بالأوقاف
يظنُّ بعض الناس أنَّ التطرف حكرٌ على المتدينين، أو أنه لا يولد إلا في بيئة التدين، وهذا تصورٌ قاصر، يخالف الواقع، ويصادمه التاريخ، ويجافيه العقل؛ فالتطرف سلوكٌ إنسانيٌّ منحرف، قد يظهر في أي فكر، وأي اتجاه، وأي سلوك، دينيًّا كان أو دنيويًّا.
فكما يوجد تطرف باسم الدين، يوجد تطرف باسم الحرية، وتطرف باسم الوطنية، وتطرف باسم التقدُّم، بل وتطرف باسم الإنسانية نفسها؛ فالفكرة حين تخرج عن ميزان الاعتدال، وتتحول من حقٍّ يُطلب، إلى سيفٍ يُشهر، تصبح تطرفًا، ولو لبست ألف ثوب.
وليس المتطرف هو من يتمسك برأيه فحسب، بل من يلغي غيره، ويكفّره أو يخوّنه أو يسحقه، ويرى نفسه وحده على صواب مطلق، وغيره على باطل مطلق، وهنا تكمن بذرة الفتنة، وبداية الخراب.
أما التدين الحق، فبعيد كل البعد عن التطرف، لأنه قائم على الرحمة، والحكمة، وحسن الخلق، وضبط النفس، وتعظيم حرمة الإنسان،
قال تعالى:
﴿وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين﴾، فكيف يكون منسوبًا للرحمة منبعًا للعنف؟
إن أخطر أنواع التطرف هو التطرف الفكري؛ لأنه يسبق السلاح، ويمهّد للدم، ويصنع المبررات قبل الجرائم، فإذا استوطن العقول، هانت الأرواح، وسقطت الأوطان.
ومن هنا فإن مواجهة التطرف لا تكون بالأمن وحده، ولا بالقانون فحسب، بل بالوعي، وبالتربية، وبإحياء قيمة الاختلاف، وتعليم الناس أن التنوع سنة كونية، وأن الخلاف لا يعني العداء، وأن القوة الحقيقية في الاتزان لا في الاندفاع.
وخلاصة القول:
أنَّ التطرف ليس في التدين فقط، بل في كل فكر خرج عن حدّ الاعتدال، وكل نفس ألغت غيرها، وكل عقل رفض أن يرى إلا نفسه.