التشاؤم… سجنٌ يصنعه العقل ويهدمه الإيمان


بقلم الدكتورة : حنان محمد

( واعظة بوزارة الأوقاف المصرية )

يولد الإنسان وهو يحمل في داخله بذرة أمل تدفعه للسعي وتحمّله مشاقّ الحياة، لكن بعض القلوب تعصف بها التجارب أو تتراكم عليها الهموم حتى تميل إلى التشاؤم، فترى في كل باب ظلمة، وفي كل حدث نذيرًا بالسوء، وكأن الدنيا لا تحمل إلا ما يؤذي.

ومع أن هذا الشعور قد يبدو عاديًا في لحظات الضعف، إلا أن الشرع الحنيف والنفس السوية يرفضان أن يعيش الإنسان أسيرًا له
نظر الإسلام للتشاؤم على أنه عقبة في طريق الإيمان، لأنه يتضمن سوء ظن بالله، ويُضعف العمل، ويُبعد القلب عن السكينة. ولذا جاءت نصوص القرآن والسنة واضحة وحاسمة في رفضه

القرآن يطرد اليأس من جذوره، ويغرس في النفس طمأنينة تُذيب التشاؤم ذوبانًا:

• قال تعالى: ﴿ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ﴾.
نداء رباني يمنع الاستسلام لليأس مهما اشتدت الظروف.

• وقال سبحانه: ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾.
أي يكفيه، ويطمئنه، ويقوده للخير مهما تعثرت الأسباب.

• وفي قوله تعالى: ﴿ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ﴾
طمأنة لكل قلب يرتجف خوفًا من الغد

كان النبي ﷺ محاربًا للتشاؤم بكل صورة، ناشرًا لروح الفأل والطمأنينة.

• قال ﷺ: «لا طِيَرَةَ»؛ أي لا تشاؤم ولا اعتقاد بأن علامة ما تجلب الشر.

• وقال ﷺ: «وَيُعْجِبُنِي الفَأْلُ»، قيل: وما الفأل؟

قال: «الكلمة الطيبة».
وكأن الرسول يخبرنا أن الكلمة الإيجابية قد تُغيّر مجرى اليوم كله.

• وفي الحديث القدسي: «أنا عند ظن عبدي بي»،
تأكيد أن الظن الحسن يجلب الخير، والظن السيئ يعذب صاحبه قبل أن يعذّبه القدر.

ومن هذا يتبين أن التشاؤم ليس مجرد شعور، بل خطأ في نظرة الإنسان لربه
علم النفس يؤكد أن التشاؤم ليس مجرد حالة مزاجية، بل نمط تفكير قد يتحول إلى عادة تُثقِل الروح

آثار التشاؤم على الإنسان :

• يزيد القلق ويضاعف التوتر.
• يضعف القدرة على اتخاذ القرار.
• يقلل الدافعية والإنجاز.
• يجعل صاحبه يرى العالم دائمًا من منظور سلبي.
• يمهّد للاكتئاب والعزلة والانسحاب من الحياة

لماذا يتشائم البعض؟

قد يتكون التشاؤم نتيجة:
• تجارب مؤلمة تركت أثرها في الذاكرة.
• بيئة محبطة أو كلمات سلبية متكررة.
• ضعف الثقة بالنفس والخوف من الفشل.
• مرور الشخص بفترات من الضغط النفسي الشديد

كيف يمكن تجاوز التشاؤم؟

يجمع الخبراء على أن علاجه يبدأ من إعادة تدريب العقل:
• تغيير لغة الحديث الداخلي من السلبية إلى الواقعية الإيجابية.
• التعود على الامتنان وتدوين النعم اليومية.
• إعادة تفسير المواقف بدلًا من تضخيمها.
• ملازمة أشخاص متفائلين لأن المشاعر مُعدية.
• تعزيز العلاقة بالله، فالإيمان يولد طمأنينة تطرد كل خوف.
فحين يجتمع الإيمان القوي مع التفكير السليم، يصبح الإنسان قادرًا على مواجهة الحياة بقلب مطمئن، يرى في كل محنة منحة، وفي كل ضيق بابًا للاتساع