الطرق التدريسية الحديثة في ضوء السنة النبوية 4

بقلم : أ . د : السيد أحمد أحمد سحلول
أستاذ الحديث الشريف وعلومه في كلية أصول الدين والدعوة في المنصورة
وعضو لجنة المحكمين لترقية الأساتذة والأساتذة المساعدين

17ـ تعليم العلم على أي هيئة :

كان صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه على أي هيئة يكون عليها ، فكان يعلمهم وهو يسير على قدميه ، وكان يعلمهم وهو راكب ناقته .

فعن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ـ رضي الله عنهما ـ  قال :وَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى رَاحِلَتِهِ فَطَفِقَ نَاسٌ يَسْأَلُونَهُ فَيَقُولُ الْقَائِلُ مِنْهُمْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَمْ أَكُنْ أَشْعُرُ أَنَّ الرَّمْيَ قَبْلَ النَّحْرِ فَنَحَرْتُ قَبْلَ الرَّمْيِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ” فَارْمِ ، وَلَا حَرَجَ ” قَالَ : وَطَفِقَ آخَرُ يَقُولُ : إِنِّي لَمْ أَشْعُرْ أَنَّ النَّحْرَ قَبْلَ الْحَلْقِ فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَنْحَرَ فَيَقُولُ : ” انْحَرْ ، وَلَا حَرَجَ ” قَالَ : فَمَا سَمِعْتُهُ يُسْأَلُ يَوْمَئِذٍ عَنْ أَمْرٍ مِمَّا يَنْسَى الْمَرْءُ وَيَجْهَلُ مِنْ تَقْدِيمِ بَعْضِ الْأُمُورِ قَبْلَ بَعْضٍ وَأَشْبَاهِهَا إِلَّا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : “افْعَلُوا ذَلِكَ  ، وَلَا حَرَجَ ”   ([1])

وفي رواية عند مسلم أَنَّه صلى الله عليه وسلم كان يَخْطُبُ يَوْمَ النَّحْر .

وفي رواية أخرى عند مسلم أَنَّه صلى الله عليه وسلم كان وَاقَفًا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِمِنًى لِلنَّاسِ يَسْأَلُونَهُ .

18 ـ الوصية بتبليغ السنة لمن غاب عن مجلس العلم :

كان صلى الله عليه وسلم يوصي أصحابه الذين حضروا مجلس العلم أن يبلغوا إخوانهم الذين غابوا ، وفي هذا توجيه منهصلى الله عليه وسلم إلى طلاب العلم في كل عَصْرٍ ومِصْرٍ أن يبلغوا العلم لمن غاب من إخوانهم . فعَنْ أَبِي بَكْرَةَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ قَالَ :خَطَبَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ النَّحْرِ قَالَ : ” أَتَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا ؟ ” قُلْنَا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ قَالَ : ” أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ ؟ ” قُلْنَا : بَلَى . قَالَ : ” أَيُّ شَهْرٍ هَذَا ؟ ” قُلْنَا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ . فَقَالَ :”أَلَيْسَ ذُو الْحَجَّةِ ؟ ” قُلْنَا : بَلَى . قَالَ :” أَيُّ بَلَدٍ هَذَا ؟ ” قُلْنَا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ

اسْمِهِ قَالَ : ” أَلَيْسَتْ بِالْبَلْدَةِ الْحَرَامِ ؟ ” قُلْنَا : بَلَى  . قَالَ : ” فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا إِلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ ” قَالُوا : نَعَمْ . قَالَ : “اللَّهُمَّ اشْهَدْ فَلْيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ فَلَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ ” ([2])   .

19ـ إرسال الصحابةـyإلى البلاد لتعليم أهلها :

فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ـ رضي الله عنه ـ قَالَ : جَاءَ نَاسٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا : أَنْ ابْعَثْ مَعَنَا رِجَالًا يُعَلِّمُونَا الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ سَبْعِينَ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُمْ الْقُرَّاءُ فِيهِمْ خَالِي حَرَامٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ وَيَتَدَارَسُونَ بِاللَّيْلِ يَتَعَلَّمُونَ وَكَانُوا بِالنَّهَارِ يَجِيئُونَ بِالْمَاءِ فَيَضَعُونَهُ فِي الْمَسْجِدِ وَيَحْتَطِبُونَ فَيَبِيعُونَهُ وَيَشْتَرُونَ بِهِ الطَّعَامَ لِأَهْلِ الصُّفَّةِ وَلِلْفُقَرَاءِ فَبَعَثَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ فَعَرَضُوا لَهُمْ فَقَتَلُوهُمْ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغُوا الْمَكَانَ فَقَالُوا : اللَّهُمَّ بَلِّغْ عَنَّا نَبِيَّنَا أَنَّا قَدْ لَقِينَاكَ فَرَضِينَا عَنْكَ وَرَضِيتَ عَنَّا قَالَ : وَأَتَى رَجُلٌ حَرَامًا خَالَ أَنَسٍ مِنْ خَلْفِهِ فَطَعَنَهُ بِرُمْحٍ حَتَّى أَنْفَذَهُ فَقَالَ حَرَامٌ : فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِأَصْحَابِهِ : ” إِنَّ إِخْوَانَكُمْ قَدْ قُتِلُوا وَإِنَّهُمْ قَالُوا : اللَّهُمَّ بَلِّغْ عَنَّا نَبِيَّنَا أَنَّا قَدْ لَقِينَاكَ فَرَضِينَا عَنْكَ وَرَضِيتَ عَنَّا ”  ([3])   .

وعن عاصم بن عمر بن قتادة : أن ناسا من عضل و القارة و هما حيان من جديلة أتوا النبي صلى الله عليه وسلم بعد أحد فقالوا : إن بأرضنا إسلامًا فابعث معنا نفرا من أصحابك يقرئوننا القرآن و يفقهوننا في الإسلام فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم ستة نفر منهم مَرْثَد بْن أَبِي مَرْثَد حليف حمزة بن عبد المطلب و هو أميرهم ، وخالد بن البكير الليثي حليف بني عدي و عبد الله بن طارق الظفري ، و وَزَيْد بْن الدَّثِنَّة ، و خُبَيْبِ بْن عَدِيّ ، وعاصم بن ثابت بن أبي الأفلح فخرجوا ، وأميرهم مرثد بن أبي مرثد حتى إذا كانوا بالرجيع أتتهم هذيل فلم يرع القوم في رحالهم إلا الرجال في أيديهم السيوف قد غشوهم بها فأخذ القوم أسيافهم ليقاتلوا فقالوا : اللهم ما نريد قتلكم و لكنا نريد أن نصيب من أهل مكة فلكم عهد الله و ميثاقه ، فأما عاصم  ومرثد وخالد فقاتلوا حتى قتلوا و قالوا : و الله ما نقبل من مشرك عهدا و لا عقدا أبدا ([4])  .

([1])أخرجه البخاري في الصحيح كتاب العلم باب الفتيا وهو واقف على الدابة وغيرها 1 / 66 ح(83) // وفي كتاب الحج باب الفتيا على الدابة عند الجمرة 1 / 451 ح(1736 : 1738)، وأخرجه مسلم في الصحيح كِتَاب الْحَجِّ بَاب مَنْ حَلَقَ قَبْلَ النَّحْرِ أَوْ نَحَرَ قَبْلَ الرَّمْيِ 9 / 427 : 429 ح(1306){327 : 333} واللفظ له.
([2])أخرجه البخاري في الصحيح كِتَاب الْعِلْمِ بَاب لِيُبَلِّغْ الْعِلْمَ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ  1 / 72 ح(105)  //  وفي كِتَاب الْحَجِّ بَاب الْخُطْبَةِ أَيَّامَ مِنًى 1/ 452 ح(1741) // وفي كتاب الأضاحي باب من قال : الأضحى يوم النحر 3 / 459 ح(5550) // وفي كتاب الفتن باب قول النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : ” لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ ” 4 / 339 ح(7078) // وفي كتاب التوحيد باب قوله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23))  4 / 434 ح(7447)  ، وأخرجه مسلم في الصحيح كتاب القسامة بَاب تَغْلِيظِ تَحْرِيمِ الدِّمَاءِ وَالْأَعْرَاضِ وَالْأَمْوَالِ 11 / 319 : 322 ح(1679) {29 : 31} واللفظ له
([3])أخرجه البخاري في الصحيح كتاب الوتر باب القنوت قبل الركوع وبعده 1 / 275 ح(1001)  // وفي كتاب الجهاد والسير باب من ينكب في سبيل الله 2 / 212 ح(2801) // وباب فضل قول الله تعالى (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ  فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ  ) 2 / 215 ، 216 ح (2814) // وباب العون بالمدد 2 / 275 ح(3004) // وفي كتاب المغازي باب غزوة الرجيع 3 / 39 : 42 ح(4087 ، 4090 : 4092 ، 4096) ، وأخرجه مسلم في الصحيح كتاب الإمارة باب ثبوت الجنة للشهيد 13 / 42 ح(677) {147} واللفظ له .
([4])أخرجه الحاكم في المستدرك كتاب معرفة الصحابة باب ذكر مناقب مرثد بن أبي مرثد الغنوي قتل مع عاصم بن عدي و كانوا ستة نفر ـ رضي الله عنهم ـ 3 / 245 ح(4979) حذفه الذهبي من التلخيص لضعفه .