خطبة بعنوان : التطرف ليس فى التدين فقط ” للشيخ : أَحْمَدَ إِسْمَاعِيلَ الْفَشَنِيِّ

خُطْبَةُ الْجُمُعَةِ الْقَادِمَةِ تَحْتَ عٌنْوَانْ :”التَّطَرُّفُ لَيْسَ فِي التَّدَيُّنِ فَقَطْ(خُطُورَةُ التَّعَصُّبِ الْأَعْمَى.. الرِّيَاضِيُّ أُنْمُوذَجًا)
وَمَعَهَاالْمُنَافَسَةُ لَا تَعْنِي الْعَدَاوَةَ (ضِمْنَ مُبَادَرَةِ “صَحِّحْ مَفَاهِيمَكَ“)

 لفضيلة الشيخ / أَحْمَدَ إِسْمَاعِيلَ الْفَشَنِيِّ

بِتَارِيخِ: ٢١ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ ١٤٤٧هـ، الْمُوَافِقُ ١٢
مِنْ دِيسَمْبَرَ ٢٠٢٥م  

 

لتحميل الخطبة pdf اضغط أدناه

altasob alaama

  عَنَاصِرُ الْخُطْبَةِ

أَوَّلًا: دِينُ الْوَسَطِيَّةِ وَذَمُّ الْغُلُوِّ فِي كُلِّ شَيْءٍ (حَتَّى فِي الْحُبِّ وَالْبُغْضِ).

ثَانِيًا: “دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ” (التَّعَصُّبُ لِلْقَبِيلَةِ أَوْ لِلْفَرِيقِ جَاهِلِيَّةٌ جَهْلَاءُ)

ثَالِثًا: أَخْلَاقُ النَّبِيِّ فِي الْمُنَافَسَاتِ (قِصَّةُ نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ وَالْأَعْرَابِيِّ)

 (الْمَوْضُـــــــــــوعُ)

الْخُطْبَةُ الْأُولَى : إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ. وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، جَعَلَ هَذِهِ الْأُمَّةَ أُمَّةً وَسَطًا، لِتَكُونَ شَاهِدَةً عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ فِي كِتَابِهِ الْمُبِينِ: ﴿وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، إِمَامُ الْمُعْتَدِلِينَ، وَسَيِّدُ الْمُنْصِفِينَ، الَّذِي حَارَبَ الْعَصَبِيَّةَ بِكُلِّ صُوَرِهَا، وَنَهَى عَنِ الْغُلُوِّ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ وَسَلَّمَ يَا سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَعَلَى آلِكَ وَأَصْحَابِكَ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ، وَعَلَى مَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ... أَيُّهَا السَّادَةُ الْمُؤْمِنُونَ، يَا أُمَّةَ الْوَسَطِيَّةِ وَالِاعْتِدَالِ، إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَادَ لِهَذَا الدِّينِ أَنْ يَكُونَ مِيزَانًا لِحَيَاةِ الْبَشَرِ، فَلَا إِفْرَاطَ وَلَا تَفْرِيطَ، وَلَا غُلُوَّ وَلَا تَقْصِيرَ. وَحِينَ نَتَحَدَّثُ عَنِ “التَّطَرُّفِ”، يَتَبَادَرُ إِلَى الْأَذْهَانِ فَقَطْ التَّطَرُّفُ الدِّينِيُّ أَوِ الْفِكْرِيُّ، وَلَكِنَّ الْحَقِيقَةَ أَنَّ التَّطَرُّفَ دَاءٌ قَدْ يُصِيبُ الْإِنْسَانَ فِي كُلِّ شُؤُونِ حَيَاتِهِ ، فَمَا هُوَ التَّطَرُّفُ؟ هُوَ “مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ”. أَنْ تُحِبَّ لِدَرَجَةِ التَّقْدِيسِ، أَوْ تَكْرَهَ لِدَرَجَةِ التَّدْمِيرِ.

وَمِنْ أَخْطَرِ أَنْوَاعِ التَّطَرُّفِ الَّذِي نَرَاهُ الْيَوْمَ فِي وَاقِعِنَا، وَيُهَدِّدُ السِّلْمَ الْمُجْتَمَعِيَّ، وَيُقَطِّعُ الْأَرْحَامَ: “التَّعَصُّبُ الرِّيَاضِيُّ”.

سَنَقِفُ الْيَوْمَ وَقْفَةَ مُصَارَحَةٍ مَعَ هَذَا الْوَبَاءِ الَّذِي حَوَّلَ “اللَّعِبَ” إِلَى “حَرْبٍ”، وَحَوَّلَ “الْمُنَافَسَةَ” إِلَى “عَدَاوَةٍ”، وَذَلِكَ عَبْرَ الْعَنَاصِرِ التَّالِيَةِ:

الْعُنْصُرُ الْأَوَّلُ: دِينُ الْوَسَطِيَّةِ وَذَمُّ الْغُلُوِّ فِي كُلِّ شَيْءٍ.

يَا عِبَادَ اللَّهِ، لَقَدْ عَلَّمَنَا الْإِسْلَامُ الِاتِّزَانَ فِي الْمَشَاعِرِ. لَا يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَكُونَ مُتَطَرِّفًا حَتَّى فِي مَشَاعِرِ قَلْبِهِ ، اسْمَعُوا إِلَى هَذِهِ الْحِكْمَةِ الْبَلِيغَةِ، عَنْ سَيِّدِنَا عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: “أَحْبِبْ حَبِيبَكَ هَوْنًا مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ بَغِيضَكَ يَوْمًا مَا، وَأَبْغِضْ بَغِيضَكَ هَوْنًا مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ حَبِيبَكَ يَوْمًا مَا”. [رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ] “هَوْنًا مَا”.. أَيْ بِرِفْقٍ وَاعْتِدَالٍ. فَلَا تُعْطِ قَلْبَكَ كُلَّهُ لِشَيْءٍ، وَلَا تُعْلِنِ الْعَدَاوَةَ الْفَاجِرَةَ عَلَى شَيْءٍ ، لِمَاذَا؟ لِأَنَّ التَّطَرُّفَ فِي الْحُبِّ يُعْمِي الْعَيْنَ عَنِ الْعُيُوبِ، وَالتَّطَرُّفَ فِي الْكُرْهِ يُعْمِي الْعَيْنَ عَنِ الْحَقِّ ، وَفِي وَاقِعِنَا الْيَوْمَ، نَرَى شَبَابًا – وَلِلْأَسَفِ بَعْضَ الْكِبَارِ – يَصِلُ بِهِمُ التَّعَصُّبُ لِنَادٍ رِيَاضِيٍّ أَوْ فَرِيقٍ مُعَيَّنٍ إِلَى دَرَجَةِ “الْوَلَاءِ وَالْبَرَاءِ”! يُحِبُّكَ لِأَنَّكَ تُشَجِّعُ فَرِيقَهُ، وَيُعَادِيكَ وَيَسُبُّكَ وَرُبَّمَا يُقَاطِعُكَ لِأَنَّكَ تُشَجِّعُ الْمُنَافِسَ! هَلْ هَذَا هُوَ الْعَقْلُ الَّذِي كَرَّمَهُ اللَّهُ؟ هَلْ هَذَا هُوَ الدِّينُ الَّذِي جَمَعَنَا عَلَى كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ لِتُفَرِّقَنَا “كُرَةٌ” مِنْ جِلْدٍ مَنْفُوخٍ؟!

إِنَّ هَذَا التَّعَصُّبَ نَوْعٌ مِنَ “الْغُلُوِّ” الَّذِي نَهَى عَنْهُ اللَّهُ، فَقَدْ جَعَلُوا الرِّيَاضَةَ – الَّتِي هِيَ وَسِيلَةٌ لِلْمُتْعَةِ وَتَقْوِيَةِ الْبَدَنِ – غَايَةً تُبْذَلُ فِيهَا الْأَعْمَارُ، وَتُقَطَّعُ فِيهَا الْأَرْحَامُ، وَتُهْتَكُ فِيهَا الْأَعْرَاضُ.

الْعُنْصُرُ الثَّانِي: “دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ” (خُطُورَةُ الْعَصَبِيَّةِ) ، يَا أُمَّةَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ ﷺ، لَقَدْ حَارَبَ سَيِّدِنَا النَّبِيُّ ﷺ هَذَا النَّوْعَ مِنَ التَّعَصُّبِ مُنْذُ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ. سَمَّاهُ “عَصَبِيَّةً جَاهِلِيَّةً”.

تَأَمَّلُوا هَذِهِ الْقِصَّةَ الْخَطِيرَةَ: فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، تَكَسَّعَ (تَضَارَبَ) رَجُلَانِ؛ وَاحِدٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَآخَرُ مِنَ الْأَنْصَارِ. مَوْقِفٌ بَسِيطٌ تَحَوَّلَ إِلَى فِتْنَةٍ كُبْرَى.

صَرَخَ الْمُهَاجِرِيُّ بِشِعَارِ فَرِيقِهِ: “يَا لَلْمُهَاجِرِينَ!” وَصَرَخَ الْأَنْصَارِيُّ بِشِعَارِ فَرِيقِهِ: “يَا لَلْأَنْصَارِ!” تَجَمَّعَ النَّاسُ، وَكَادَتِ السُّيُوفُ أَنْ تَخْرُجَ بَيْنَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِسَبَبِ “الْعَصَبِيَّةِ لِلِانْتِمَاءِ”، فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَخَرَجَ غَاضِبًا وَقَالَ: “مَا بَالُ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ؟!”. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ. فَقَالَ ﷺ كَلِمَتَهُ الْفَاصِلَةَ: “دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ”، وَصَفَ التَّعَصُّبَ وَالتَّحَزُّبَ بِأَنَّهُ “جِيفَةٌ مُنْتِنَةٌ”. فَمَا بَالُنَا الْيَوْمَ نُحْيِي هَذِهِ الْجِيفَةَ؟

“يَا لَلْأَهْلِيِّ”.. “يَا لَلزَّمَالِكِ”.. “يَا لِفُلَانٍ”.. وَتَشْتَعِلُ مَوَاقِعُ التَّوَاصُلِ بِالسَّبِّ وَالْقَذْفِ وَالتَّنَمُّرِ وَالسُّخْرِيَةِ، وَكُلُّ ذَلِكَ فِي مِيزَانِ السَّيِّئَاتِ. يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لَنْ يَنْفَعَكَ النَّادِي، وَلَنْ يَشْفَعَ لَكَ اللَّاعِبُ، بَلْ سَتَقِفُ وَحْدَكَ تُحَاسَبُ عَلَى كُلِّ كَلِمَةٍ كَتَبْتَهَا أَوْ قُلْتَهَا فِي عِرْضِ أَخِيكَ الْمُسْلِمِ بِسَبَبِ مُبَارَاةٍ!

قَالَ الشَّاعِرُ مُحَذِّرًا مِنَ التَّفَرُّقِ:

تَأْبَى الرِّمَاحُ إِذَا اجْتَمَعْنَ تَكَسُّرًا   وَإِذَا افْتَرَقْنَ تَكَسَّرَتْ آحَادَا

فَكَيْفَ نَتَفَرَّقُ وَنَتَعَادَى لِأَجْلِ لَهْوٍ وَلَعِبٍ، وَالْعَدُوُّ يَتَرَبَّصُ بِنَا؟!

الْعُنْصُرُ الثَّالِثُ: أَخْلَاقُ النَّبِيِّ ﷺ فِي الْمُنَافَسَاتِ.

لَمْ يُحَرِّمِ الْإِسْلَامُ الرِّيَاضَةَ، بَلْ شَجَّعَ عَلَى الْقُوَّةِ، وَكَانَ الصَّحَابَةُ يَتَسَابَقُونَ، وَكَانَتْ لَهُمْ إِبِلٌ تَتَسَابَقُ. لَكِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ “الرِّيَاضَةِ” وَ “التَّعَصُّبِ” هُوَ الْأَخْلَاقُ.

اسْمَعُوا إِلَى هَذِهِ الْقِصَّةِ الَّتِي تُرَسِّخُ مَفْهُومَ “الرُّوحِ الرِّيَاضِيَّةِ” فِي أَبْهَى صُوَرِهَا:

كَانَ لِلنَّبِيِّ ﷺ نَاقَةٌ تُسَمَّى “الْعَضْبَاءَ”، وَكَانَتْ لَا تُسْبَقُ (دَائِمًا تَفُوزُ فِي السِّبَاقِ). فَافْتَخَرَ الْمُسْلِمُونَ بِهَا وَفَرِحُوا ، فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ (رَجُلٌ بَسِيطٌ مِنْ الْبَادِيَةِ) عَلَى قَعُودٍ لَهُ (جَمَلٍ صَغِيرٍ)، فَسَابَقَ النَّبِيَّ ﷺ.. فَسَبَقَ الْأَعْرَابِيُّ! (الْجَمَلُ الصَّغِيرُ هَزَمَ نَاقَةَ النَّبِيِّ) ، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَحَزِنُوا، وَقَالُوا: “سُبِقَتِ الْعَضْبَاءُ!”. (كَيْفَ يَنْهَزِمُ فَرِيقُنَا؟ كَيْفَ تُهْزَمُ نَاقَةُ رَسُولِ اللَّهِ؟) ، هَلْ غَضِبَ النَّبِيُّ ﷺ؟ هَلْ قَالَ لِلْأَعْرَابِيِّ: “أَنْتَ غَشَّاشٌ”؟ هَلْ شَكَّكَ فِي النَّتِيجَةِ: لَا وَاللَّهِ.. بَلْ قَالَ كَلِمَاتٍ مِنْ نُورٍ، تُعَلِّمُنَا التَّوَاضُعَ وَقَبُولَ الْهَزِيمَةِ، قَالَ ﷺ: “إِنَّ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يَرْفَعَ شَيْئًا مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا وَضَعَهُ”. [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ].

بِكُلِّ بَسَاطَةٍ! هَذِهِ هِيَ الدُّنْيَا، يَوْمٌ لَكَ وَيَوْمٌ عَلَيْكَ. الدَّوَامُ لِلَّهِ وَحْدَهُ. عَلَّمَهُمْ أَنَّ الْهَزِيمَةَ لَيْسَتْ عَارًا، وَأَنَّ الْفَوْزَ لَيْسَ خُلُودًا ، هَذَا هُوَ الْهَدْيُ النَّبَوِيُّ: مُنَافَسَةٌ شَرِيفَةٌ، تَنْتَهِي بِابْتِسَامَةٍ وَمَوْعِظَةٍ، لَا بِشِجَارٍ وَقَطِيعَةٍ.

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهَدْيِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ…

فَيَا أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُؤْمِنُونَ، نَصِلُ إِلَى الْعُنْصُرِ الرَّابِعِ، ضِمْنَ مُبَادَرَةِ “صَحِّحْ مَفَاهِيمَكَ”، وَهُوَ: “كُرَةٌ تَجْمَعُنَا لَا تُفَرِّقُنَا (تَصْحِيحُ مَفْهُومِ التَّشْجِيعِ)” ، يَعْتَقِدُ الْبَعْضُ أَنَّ “الْوَلَاءَ” لِلْفَرِيقِ يَعْنِي كُرْهَ الْمُنَافِسِ وَتَمَنِّي الشَّرِّ لَهُ. وَهَذَا مَفْهُومٌ مَغْلُوطٌ وَمُدَمِّرٌ.

صَحِّحْ مَفَاهِيمَكَ:

أَوَّلًا: الرِّيَاضَةُ وَسِيلَةٌ لِلتَّعَارُفِ وَالتَّأْلِيفِ، لَا لِلتَّنَاحُرِ. إِنَّهَا لُعْبَةٌ، مُجَرَّدُ لُعْبَةٍ، وَقْتُهَا 90 دَقِيقَةً. هَلْ يَسْتَحِقُّ أَمْرٌ يَنْتَهِي فِي سَاعَةٍ وَنِصْفٍ أَنْ تَخْسَرَ فِيهِ أَخَاكَ أَوْ صَدِيقَكَ أَوْ جَارَكَ لِلْأَبَدِ؟

ثَانِيًا: السُّخْرِيَةُ وَ “التَّحْفِيلُ” الْمُبَالَغُ فِيهِ الَّذِي يَصِلُ إِلَى التَّجْرِيحِ وَالْإِهَانَةِ هُوَ مِنَ “السُّخْرِيَةِ” الَّتِي حَرَّمَهَا اللَّهُ. قَالَ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ﴾ [الْحُجُرَات: 11]. كَمْ مِنْ حَسَنَاتٍ ضَاعَتْ بِسَبَبِ “تَعْلِيقٍ” عَلَى فَيْسُبُوكْ؟!

ثَالِثًا: الْمُنَافَسَةُ لَا تَعْنِي الْعَدَاوَةَ. كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُسَابِقُ السَّيِّدَةَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا. سَابَقَهَا مَرَّةً فَسَبَقَتْهُ (فَرِحَتْ)، ثُمَّ سَابَقَهَا بَعْدَ سَنَوَاتٍ وَقَدْ حَمَلَتِ اللَّحْمَ (زَادَ وَزْنُهَا) فَسَبَقَهَا. فَهَلْ شَمِتَ فِيهَا؟ هَلْ سَخِرَ مِنْهَا؟ لَا.. بَلْ ضَحِكَ ﷺ وَقَالَ بِمُنْتَهَى اللُّطْفِ: “هَذِهِ بِتِلْكَ”.

أَيْ: وَاحِدَةٌ بِوَاحِدَةٍ. هَذِهِ هِيَ الرُّوحُ الَّتِي نُرِيدُهَا. رُوحُ “هَذِهِ بِتِلْكَ”، الْيَوْمَ غَلَبْتُ وَغَدًا أُغْلَبُ، وَتَبْقَى الْمَوَدَّةُ مَوْصُولَةً.

فَيَا شَبَابَ الْإِسْلَامِ، ارْتَقُوا بِعُقُولِكُمْ. لَا تَجْعَلُوا قِطْعَةَ جِلْدٍ تَتَحَكَّمُ فِي أَعْصَابِكُمْ، وَتُفَرِّقُ جَمْعَكُمْ، وَتُسَوِّدُ صَحَائِفَكُمْ. شَجِّعْ بِأَدَبٍ، وَافْرَحْ دُونَ تَجْرِيحٍ، وَاعْلَمْ أَنَّ الرَّابِحَ الْحَقِيقِيَّ هُوَ مَنْ حَفِظَ لِسَانَهُ وَقَلْبَهُ وَأُخُوَّتَهُ.

الدُّعَاءُ… اللَّهُمَّ أَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا، وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا، وَاهْدِنَا سُبُلَ السَّلَامِ ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الْفِتَنَ وَالتَّعَصُّبَ وَالْغُلُوَّ، مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ، اللَّهُمَّ طَهِّرْ أَلْسِنَتَنَا مِنَ السَّبِّ وَالشَّتْمِ وَالسُّخْرِيَةِ، وَطَهِّرْ قُلُوبَنَا مِنَ الْغِلِّ وَالشَّحْنَاءِ ، اللَّهُمَّ احْفَظْ شَبَابَنَا وَاشْغَلْهُمْ بِمَا يَنْفَعُهُمْ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ ، اللَّهُمَّ احْفَظْ بِلَادَنَا مِصْرَ مِنْ كُلِّ سُوءٍ، وَاجْعَلْهَا وَاحَةً لِلْأَمْنِ وَالْأَمَانِ وَالْمَحَبَّةِ ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

عِبَادَ اللَّهِ:إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. فَاذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

وَأَقِمِ الصَّلَاةَ…