
خُطْبَةُ بِعُنْوَانِ: (التَّطَرُّفُ لَيْسَ فِي التَّدِينِ فَقَطْ)
إعداد الشيخ أحمد أبو اسلام
إمام وخطيب بوزارة الأوقاف المصرية
عناصر الخطبة
١) التعصب يؤدي دائما إلى الفرقة
٢) التعصب يولد صاحبه احتقار من ليس معه
٣) التعصب ناتج عن أوهام التميز المغشوش
٤) أَقْوَى اعْتِذَارٍ فِي التَّارِيخِ
٥) التعصب الكروي أو الرياضي
المقدمة
=====
الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْأَعْلَى، خَلَقَ فَسَوَّى، وَقَدَّرَ فَهَدَى، وَأَخْرَجَ الْمَرْعَى فَجَعَلَهُ عَثَاءً أَحْوَى، وَأَشْهَدُ أَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَخِيرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ، سَيِّدُ وُلْدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، بَلَّغَ الرِّسَالَةَ، وَأَدَّى الْأَمَانَةَ، وَتَرَكَنَا عَلَى الْمِحْجَّةِ الْبَيضَاءِ، لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا، لَا يَزِيغُ عَنْهَا إِلَّا هَالِكٌ، فَصَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ، وَعَلَى أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَعَلَى أَصْحَابِهِ الْغُرِّ الْمَيَامِينِ، وَعَلَى مَنْ تَبِعَهُمْ وَسَارَ عَلَى طَرِيقِهِمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ:
التعصب يؤدي دائما إلى الفرقة
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: خِصْلَةٌ ذَمِيمَةٌ نَهَى عَنْهَا الشَّرْعُ المُطَهَّرُ، وَخُلُقٌ سَيِّئٌ حَارَبَهُ الإِسْلَامُ، هَذَا الخُلُقُ مَوْجُودٌ اليَوْمَ فِي أَوْسَاطِ المُسْلِمِينَ؛ بَلْ فِي أَوْسَاطٍ خَاصَّةٍ النَّاسِ – طُلَّابِ العِلْمِ وَالدُّعَاةِ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ تَعَالَى – إِنَّهُ خُلُقُ التَّعَصُّبِ المُذْمُومِ.
وَلَقَدْ حَذَّرَ مِنْهُ المُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشَدَّ التَّحْذِيرِ، فَعَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ البُجَلِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قُتِلَ تَحْتَ رَايَةٍ عَمِيَّةٍ (نِسْبَةً إِلَى العَمَى الَّذِي لَا يَسْتَبِينُ فِيهِ وَجْهُ الحَقِّ مِنَ البَاطِلِ) يَدْعُو إِلَى عُصْبِيَّةٍ أَوْ يُنْصِرُ عُصْبِيَّةً فَقَتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ». (رَوَاهُ مُسْلِمٌ)
وَلَقَدْ تَبَرَّأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ المُتَعَصِّبِ، فَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ دَعَا إِلَى عُصْبِيَّةٍ، وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ قَاتَلَ عَلَى عُصْبِيَّةٍ، وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ مَاتَ عَلَى عُصْبِيَّةٍ». (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ)
إِنَّ الإِسْلَامَ قَدْ جَعَلَ التَّعَصُّبَ لَا عَلَى اللَّوْنِ وَلَا عَلَى القَبِيلَةِ وَلَا عَلَى الجِنْسِ، بَلْ يَكُونُ عَلَى العَقِيدَةِ وَالدِّينِ، قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «مِثْلُ المُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مِثْلُ الجَسَدِ الْوَاحِدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى». (رَوَاهُ مُسْلِمٌ)
وَلَا يَنْتَمِي إِلَى العُصْبِيَّةِ أَنْ يُحِبَّ الإِنسَانُ قَوْمَهُ، فَعَنْ فُسَيْلَةَ قَالَتْ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَمِنَ العُصْبِيَّةِ أَنْ يُحِبَّ الرَّجُلُ قَوْمَهُ؟ قَالَ: «لَا، وَلَكِنْ مِنَ العُصْبِيَّةِ أَنْ يُعِينَ الرَّجُلُ قَوْمَهُ عَلَى الظُّلْمِ». (رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهَ)
عِبَادَ اللهِ:
إِنَّ التَّعَصُّبَ يُؤَدِّي دَائِمًا إِلَى الفُرْقَةِ وَالشَّتَاتِ، وَقَدْ حَدَثَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْقِفًا وَنَمُوذَجًا لِلْعَصَبِيَّةِ الَّتِي تُؤَدِّي إِلَى التَّنَاحُرِ وَالفُرْقَةِ، فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ وَعَدَّهُ مِنْ أُمُورِ الجَاهِلِيَّةِ.
فَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: (كُنَّا فِي غَزَاةٍ فَكَسَعَ رَجُلٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ الأَنْصَارِيُّ: يَا لَلأَنْصَارِ، وَقَالَ المُهَاجِرِيُّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ، فَسَمِعَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقَالُوا: كَسَعَ رَجُلٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ الأَنْصَارِيُّ: يَا لَلأَنْصَارِ، وَقَالَ المُهَاجِرِيُّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ»)(رَوَاهُ البُخَارِيُّ).
عِبَادَ اللهِ:
إِذَا كَانَ مَا نُوَاجِهُهُ مِنْ فُرْقَةٍ مِحْنَةً حَقِيقِيَّةً، وَكُنَّا نَتَطَلَّعُ إِلَى الوَحْدَةِ وَالائْتِلَافِ، فَإِنَّ هَذَا يَقْتَضِي مِنَّا أَنْ نَخْلَعَ أَنْفُسَنَا مِنْ عَصَبِيَّاتِنَا، وَأَنْ نَتَعَامَلَ مَعَ إِخْوَانِنَا بِعَدْلٍ وَإِنْصَافٍ، وَبِتَجَرُّدٍ عَنِ الأَهْوَاءِ وَالأَغْرَاضِ.
التعصب يولد صاحبه احتقار من ليس معه
إِنَّ التَّعَصُّبَ – يَا رَعَاكُمُ اللهُ – يُوَلِّدُ فِي نَفْسِ صَاحِبِهِ احْتِقَارَ مَنْ لَيْسَ فِي فَلَكِهِ، وَلَا هُوَ مِنْ لَوْنِهِ وَنَسَبِهِ، وَكَفَى بِذَلِكَ إِثْمًا مُبِينًا، وَشَرًّا مُسْتَطِيرًا، كَيْفَ لَا، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ المُسْلِمَ» (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ).
الِاحْتِقَارُ مِنْ مَظَاهِرِ التّعَصُّب الغُرُورِ أَنْ تَجِدَ الإِنسَانَ مُحْتَقِرًا لِلآخَرِينَ، لَا يَسْمَعُ لِآرَائِهِمْ، وَلَا يَلْتَفِتُ إِلَى كَلَامِهِمْ. هَذَا غُرُورٌ عَمِيقٌ جِدًّا فِي النَّفْسِ قَدْ لَا يَشْعُرُ بِهِ، وَإِلَّا لَوْ أَعْطَى مُحَدِّثَهُ وَزْنَهُ وَقَدْرَهُ، وَأَعْطَى نَفْسَهُ وَزْنَهَا وَقَدْرَهَا، لَمَا اغْتَرَّ بِنَفْسِهِ لِهَذِهِ الدَّرَجَةِ مِنَ الغُرُورِ الَّتِي جَعَلَتْهُ يَنْصَرِفُ عَنْ سَمَاعِ كَلَامِهِ وَعَنْ رَأْيِهِ.
وَأَذْكُرُ قِصَّةً: قَالُوا: إِنَّ رَجُلًا صُعْلُوكًا فَقِيرًا وَقَفَ لِمَلِكٍ مِنَ المُلُوكِ، فَكَانَ ذَلِكَ المَلِكُ فِي مَوْكِبٍ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَقِفَ بِهِ أَمَامَ هَذَا الصُّلْعُوكِ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ ذَلِكَ الرَّجُلُ الفَقِيرُ وَقَالَ: اسْمَعْ! لَقَدْ وَقَفَ الهُدْهُدُ يُكَلِّمُ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَاسْتَمَعَ سُلَيْمَانُ لِلْهُدْهُدِ، فَمَنْ أَنْتَ حَتَّى لَا تَسْمَعَ لِي؟ فَعَجِبَ المَلِكُ مِنْ بَلَاغَةِ بَيَانِهِ وَخِطَابِهِ، وَتَوَقَّفَ وَسَمِعَ كَلَامَهُ حَتَّى انْتَهَى.
التَّعَصُّبُ – أَيُّهَا المُسْلِمُونَ – يَفْتِكُ بِصَاحِبِهِ فِتْكًا حَتَّى يَجْعَلَ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرِجًا، لَا يَرَى مَعَهُ إِلَّا نَفْسَهُ، وَمَنْ كَانَ فِي دَائِرَةِ عَصَبِيَّتِهِ. بِخِلَافِ السَّمَاحَةِ الَّتِي تَجْعَلُ صَدْرَ صَاحِبِهَا دَوْحَةً وَاسِعَةَ الظِّلِّ، يَنَعَمُ بِظِلِّهَا كُلُّ أَخٍ لَهُ فِي الدِّينِ، مَهْمَا كَانَ بَيْنَهُمَا مِنْ فُرُوقٍ اجْتِمَاعِيَّةٍ، أَوِ اخْتِلَافِ تَنَوُّعٍ لَا تَضَادَّ فِيهِ، وَلَا يَبْتُرُ الأُصُولَ الجَامِعَةَ بَيْنَهُمَا تَحْتَ رَايَةِ الدِّينِ العَادِلَةِ.
حَصَلَ أَنَّ هِشَامَ بْنَ عَبْدِ المَلِكِ كَانَ يَطُوفُ بِالبَيْتِ، وَرَأَى زَيْنَ العَابِدِينَ بْنَ الحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، وَقَدْ كَانَ مِنَ العُبَّادِ الزُّهَّادِ الأَئِمَّةِ الأَعْلَامِ الفُقَهَاءِ وَمِنْ آلِ البَيْتِ. وَكَانَ الفَرَزْدَقُ فِي نَفْسِ ذَلِكَ المَقَامِ، فَكَانُوا يَطُوفُونَ حَوْلَ البَيْتِ، فَقَالَ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ المَلِكِ: مَنْ هَذَا؟ وَهِشَامٌ يَعْرِفُ أَنَّهُ زَيْنُ العَابِدِينَ بْنُ الحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ إِلَى آخِرِ شَيْءٍ، فَالْتَفَتَ الفَرَزْدَقُ قَائِلًا:
وَلَيْسَ قَوْلُكَ مَنْ هَذَا بِضَائِرِهِ
العُرْبُ تَعْرِفُ مَنْ أَنْكَرْتَ وَالعَجَمُ
هَذَا ابْنُ خَيْرِ عِبَادِ اللهِ قَاطِبَةً
هَذَا التَّقِيُّ النَّقِيُّ الطَّاهِرُ العَلَمُ
مَا قَالَ «لَا» قَطُّ إِلَّا فِي تَشَهُّدِهِ
لَوْلَا التَّشَهُّدُ كَانَتْ لَاؤُهُ «نَعَمُ»
يُغْضِي حَيَاءً فَيُغْضَى مِنْ مَهَابَتِهِ
فَلَا يُكَلَّمُ إِلَّا حِينَ يَبْتَسِمُ
فَتَمَنَّى هِشَامُ بْنُ عَبْدِ المَلِكِ أَنَّهُ مَا ازْدَرَاهُ وَلَا الْتَفَتَ إِلَيْهِ، لِأَنَّ زَيْنَ العَابِدِينَ نَالَ بِهَذَا السُّؤَالِ مَدْحًا وَمَكَانَةً وَمَنْزِلَةً.
التعصب ناتج عن أوهام التميز المغشوش
التَّعَصُّبُ – عِبَادَ اللهِ – طَاقَةٌ مُهْدَرَةٌ، وَجُهْدٌ مُضَاعَفٌ، تَمَّ بَذْلُهُ فِي غَايَةٍ غَيْرِ حَمِيدَةٍ، وَهُوَ لَوْثَةٌ عَقْلِيَّةٌ تَنْسُجُ خُيُوطًا مِنْ أَوْهَامِ التَّمَيُّزِ المَغْشُوشِ، النَّاجِمِ عَنْ شُعُورٍ بِاخْتِصَاصٍ لَا يُدَانَى، وَعَظَمَةٍ لَا تُجَارَى، وَانْتِفَاخَةِ هِرٍّ يُحَاكِي بِهَا المُتَعَصِّبُ صَوْلَةَ الأَسَدِ الهَصُورِ، وَتِلْكَ – لَعَمْرُ اللهِ – خُيُوطٌ رَقِيقَةٌ يَتَمَسَّكُ بِهَا المُتَعَصِّبُ كَمِثْلِ خُيُوطِ العَنْكَبُوتِ الَّتِي اتَّخَذَتْ مِنْهَا بَيْتًا،
( وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ )[العَنْكَبُوتِ: 41].
إِذَا اسْتَحْضَرْنَا ذَلِكُمْ كُلَّهُ فَلْنَعْلَمْ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ التَّعَصُّبُ بِلَفْظِهِ وَمَعْنَاهُ فِي الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ إِلَّا عَلَى وَجْهِ الذَّمِّ، وَأَنَّهُ ضَرْبٌ مِنَ الطَّبَائِعِ الجَاهِلِيَّةِ الَّتِي لَا تَسْتَوِي وَمَكَارِمَ الإِسْلَامِ وَمَصَالِحَهُ. فَقَدْ قَالَ اللهُ – جَلَّ شَأْنُهُ –:( إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الجَاهِلِيَّةِ )[الفَتْحِ: 26].
وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ – عَزَّ وَجَلَّ – قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الجَاهِلِيَّةِ وَفَخْرَهَا بِالْآبَاءِ، مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ، وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ، أَنْتُمْ بَنُو آدَمَ، وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ، لَيَدَعَنَّ رِجَالٌ فَخْرَهُمْ بِأَقْوَامٍ إِنَّمَا هُمْ فَحْمٌ مِنْ فَحْمِ جَهَنَّمَ، أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللهِ مِنَ الجُعْلَانِ الَّتِي تَدْفَعُ بِأَنْفِهَا النَّتْنَ» (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ).
عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ جَعَلَ اللهُ لِأُمَّةِ الإِسْلَامِ فِي كِتَابِهِ العَزِيزِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – مَا تَشْتَبِكُ بِهِ صِلَاتُ أَهْلِ الإِسْلَامِ، وَتَسْتَوْثِقُ عُرَاهُمْ، فَلَا يَفْخَرُ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، وَلَا يُفَضِّلُ أَبْيَضُ أَسْوَدَ، وَلَا عَرَبِيٌّ عَجَمِيًّا إِلَّا بِمِقْدَارِ مَا يَحْمِلُهُ فِي نَفْسِهِ مِنْ تَقْوَى اللهِ، الَّتِي جَعَلَهَا مِعْيَارَ الفَضْلِ وَالكَرَامَةِ. وَأَنَّ أَنْسَابَهُمْ وَأَلْوَانَهُمْ وَلُغَاتِهِمْ مُنْطَلَقُ تَعَارُفٍ، كَمَا قَالَ – جَلَّ شَأْنُهُ –:
( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ )[الحُجُرَاتِ: 13].
قَالَ المُفَسِّرُونَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَجَعَلْنَـاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ [الحُجُرَات: 13]، جَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَتَعَارَفُوا لَا لِتَتَفَاخَرُوا، فَقَدْ حَسَمَتْ هَذِهِ الآيَةُ مَوْضُوعَ التَّفَاخُرِ بِتَأْصِيلِ ثَلَاثِ رُكَائِزَ.
الأُولَى: أَنْ أَصْلَ خَلْقِ النَّاسِ جَمِيعًا وَاحِدٌ.
الثَّانِيَة: أَنَّ مَا يَحْتَجُّ بِهِ النَّاسُ بِانْتِسَابِهِمْ إِلَى قَبِيلَةٍ كَذَا أَوْ عَائِلَةِ كَذَا مِمَّا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ لأَجْلِ التَّفَاخُرِ، وَإِنَّمَا أَذِنَ بِهِ لأَجْلِ التَّعَارُفِ فَحَسْبٌ، لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ حُقُوقٍ وَوَاجِبَاتٍ.
الثَّالِثَة: أَنَّ التَّفَاخُرَ وَالتَّفَاضُلَ وَالتَّقَدُّمَ إِنَّمَا هُوَ لِأَهْلِ التَّقْوَى، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ ٱللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحُجُرَات: 13].
تَذَكَّرْ أَخِي الكَرِيمُ أَنَّ كُلَّ الرَّوَابِطِ سِوَى الدِّينِ يُمْكِنُ أَنْ تُوجَدَ ثُمَّ تَنْقَطِعَ، فَهَذَا نَبِيُّ اللهِ نُوحٌ –عَلَيْهِ السَّلَامُ– تَنْقَطِعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَلَدِهِ الرَّوَابِطُ لأَنَّهُ كَافِرٌ، تَأَمَّلْ قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الحَاكِمِينَ، قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمِلَ غَيْرَ صَالِحٍ} [هُود: 45-46].
وَامْرَأَةُ فِرْعَوْنَ تَنْفَصِلُ عَنِ مُجْتَمَعِهَا كُلِّهِ، وَتَنْتَصِرُ عَلَى ضَغْطِ المُجْتَمَعِ وَالقَصْرِ وَالمَلِكِ وَالحَاشِيَةِ وَتَرْفَعُ رَأْسَهَا إِلَى السَّمَاءِ، إِنَّهُ التَّجَرُّدُ الكَامِلُ مِنْ كُلِّ هَذِهِ المُؤَثِّرَاتِ وَالأَوَاصِرِ وَالرَّوَابِطِ، ((إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الجَنَّةِ …)).
إِنَّهُ الإِدْرَاكُ الحَقِيقِيُّ أَنَّ كُلَّ هَذِهِ الرَّوَابِطِ لَا تَسْمُنُ وَلَا تُغْنِي مِنْ جُوعٍ إِنْ هِيَ حَالَتْ بَيْنَ الإِنسَانِ وَبَيْنَ دِينِهِ.
وَقَدْ وَرَدَ فِي الحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ البَيْهَقِيُّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا لِأَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ، إِلَّا بِالتَّقْوَى، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ».
يَا مَنْ تَطْعَنُ فِي الأَنْسَابِ وَتَفْتَخِرُ بِالأَحْسَابِ، يَا مَنْ حَقَّرَتِ النَّاسَ وَتُنْقِصُهُمْ، أَلَا تَعْلَمُ حَقِيقَتَكَ؟! أَلَا تَعْلَمُ أَنَّ أَوَّلَكَ نُطْفَةٌ مُذَرَّةٌ وَآخِرَكَ جَيْفَةٌ قَذِرَةٌ وَتَحْمِلُ فِي جَوْفِكَ العَذْرَةَ؟! أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ [الْمُرْسَلَاتِ: 20]. فَعَلَّامَ الكِبْرِيَاء وَعَلَّامَ التَّعَالِي.
إِنَّ احْتِقَارَ الآخَرِينَ وَالحَمِيَّةَ لِغَيْرِ الدِّينِ تُوقِعُ الْمَرءَ فِي ظُلْمِ العِبَادِ وَرَدِّ الحَقِّ وَمَنْعِ الحُقُوقِ وَالانْتِصَارِ لِلْبَاطِلِ وَأَهْلِهِ .
عِبَادَ اللهِ، احْذَرُوا وَسَاوِسَ الشَّيْطَانِ، فَإِنَّهُ إِيَّاكُمْ يُكِيدُ، وَلِتَفْرِيقِ شَمْلِكُمْ يُرِيدُ، فَقَدْ صَحَّ بِذَلِكَ الْوَعِيدُ وَالتَّهْدِيدُ، أَخْبَرَ بِهِ أَنْصَحُ الْخَلْقِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَقَالَ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيْسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصْلُونَ فِي جَزِيرَةِ العَرَبِ، وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ». (أَخْرَجَهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ)
نَعَمْ، وَاللهِ إِنَّكَ لَتَجِدُ الرَّجُلَ يُقِيمُ شَعَائِرَ الدِّينِ وَيَبْكِي مِنْ خَشْيَةِ اللهِ، وَفِيهِ خَيْرٌ كَثِيرٌ، ثُمَّ تَجِدُهُ بَعْدَ ذَلِكَ قَدْ مَلَأَ قَلْبَهُ بِالعُصْبِيَّةِ، فَلِأَجْلِهَا يُحِبُّ وَمِنْ أَجْلِهَا يُعَادِي، أَلَا يَعْلَمُ قَوْلَ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الحُبُّ فِي اللهِ وَالبُغْضُ فِي اللهِ مِنْ أَوْثَقِ عُرَى الإِيمَانِ».
وَالْحُبُّ مِنَ العِبَادَاتِ، فَيَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ لَا نُحِبَّ إِلَّا مَا يُحِبُّهُ اللهُ وَأَنْ لَا نَبْغَضَ إِلَّا مَا يَبْغَضُهُ، وَاللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَبْغَضُ العُصْبِيَّةَ وَالحَمِيَّةَ لِغَيْرِ دِينِهِ.
أَقْوَى اعْتِذَارٍ فِي التَّارِيخِ
حِينَ قَالَ أَبُو ذَرٍّ لِبِلَالٍ: «حَتَّى أَنْتَ يَا ابْنَ السَّوْدَاءِ تُخَطِّئُنِي؟!» قَامَ بِلَالٌ مَدْهُوشًا، غَاضِبًا، مُتَأَلِّمًا، وَقَالَ: «وَاللهِ لَأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ».
فَلَمَّا عَلِمَ النَّبِيُّ ﷺ بِذَلِكَ تَغَيَّرَ وَجْهُهُ وَقَالَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ، أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ؟! إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ!».
فَبَكَى أَبُو ذَرٍّ وَقَالَ: «يَا رَسُولَ اللهِ، اسْتَغْفِرْ لِي». ثُمَّ خَرَجَ مِنَ المَسْجِدِ بَاكِيًا، وَأَتَى إِلَى بِلَالٍ وَاضِعًا خَدَّهُ عَلَى التُّرَابِ وَقَالَ:
«وَاللهِ يَا بِلَالُ لَا أَرْفَعُ خَدِّي عَنِ التُّرَابِ حَتَّى تَطَأَهُ بِرِجْلِكَ. أَنْتَ الكَرِيمُ وَأَنَا المُهَانُ!».
وَلَكِنْ بِلَالٌ، الَّذِي مَلَكَ قَلْبًا عَامِرًا بِالإِيمَانِ، بَكَى وَاقْتَرَبَ مِنْ أَبِي ذَرٍّ وَقَبَّلَ خَدَّهُ وَقَالَ:
«وَاللهِ لَا أَطَأُ وَجْهًا سَجَدَ للهِ سَجْدَةً وَاحِدَةً».
ثُمَّ تَعَانَقَا وَتَبَاكَيَا.
وَاليَوْمَ، نَجِدُ بَعْضَنَا يُسِيءُ إِلَى الآخَرِ عَشَرَاتِ المَرَّاتِ وَلَا يَقُولُ: «عَفْوًا، أَخِي» أَوْ «عَفْوًا، أُخْتِي».
بَعْضُنَا يَجْرَحُ الآخَرَ فِي عَقِيدَتِهِ، مَبَادِئِهِ، أَوْ فِي أَغْلَى مَا يَمْلِكُ فِي حَيَاتِهِ، وَمَعَ ذَلِكَ يَسْتَكْبِرُ عَنْ كَلِمَةِ «آسِف» أَوْ «سَامِحْنِي».
الِاعْتِذَارُ ثَقَافَةٌ رَاقِيَةٌ وَأَخْلَاقٌ عَظِيمَةٌ، لَكِنَّهَا – لِلأَسَفِ – تُعَدُّ عِنْدَ بَعْضِ النَّاسِ إِهَانَةً لِلنَّفْسِ، وَهِيَ فِي الحَقِيقَةِ عَلامَةٌ عَلَى قُوَّةِ الرُّوحِ وَنُبْلِ الأَخْلَاقِ.
التعصب الكروي أو الرياضي
إِنَّ مِمَّا سَقَطَتْ فِيهِ كَثِيرٌ مِنَ الدُّوَلِ بِلَا اسْتِثْنَاءٍ، وَهُوَ مِنَ التَّعَصُّبِ الْمَقِيتِ، وَحَالِ الرِّيَاضَةِ، الَّذِي أُشْغِلَ النَّاسُ بِهِ؛ فَأَصْبَحَ حَدِيثَ مَجَالِسِهِمْ، وَفِيهِ تُنْفَقُ أَمْوَالُهُمْ، وَفِيهَا يُعَادُونَ وَيُوَالُونَ، حَتَّى ظَهَرَ عِنْدَنَا مَا يُسَمَّى بِالتَّعَصُّبِ الرِّيَاضِيِّ، فَتَجِدُ الْمَرْءَ يَجْعَلُ نَادِيَهُ الَّذِي يُشَجِّعُهُ خَطًّا فَاصِلًا بَيْنَ أَصْدِقَائِهِ وَأَعْدَائِهِ، بِغَضِّ النَّظَرِ عَنْ مِلَّتِهِ وَمَذْهَبِهِ، وَلَرُبَّمَا وَقَعَ صِدَامٌ وَقِتَالٌ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ، وَكَمْ أُنْفِقَتْ فِيهِ مِنْ أَمْوَالٍ؟!؛ فَيَا عَجَبِي كَيْفَ جُعِلَتِ الْوَسِيلَةُ غَايَةً يُقْتَتَلُ عَلَيْهَا وَمِنْ دُونِهَا، تَجِدُ الرَّجُلَ فَتَهَابُهُ مِنْ شَكْلِهِ وَهَنْدَامِهِ، وَمَا إِنْ يَتَكَلَّمْ فِي الرِّيَاضَةِ إِلَّا وَتَسْقُطُ قِيمَتُهُ مِنْ عَيْنِكَ.
عِبَادَ اللهِ: إِنَّ الرِّيَاضَةَ وَسِيلَةٌ لِلنَّشَاطِ وَإِزَالَةِ السِّمْنَةِ وَالتَّرْوِيحِ عَنِ النَّفْسِ، وَقَدْ أَجَازَهَا الإِسْلَامُ؛ فَقَدْ سَابَقَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ الصَّحَابَةِ بِالأَرْجُلِ وَبِالْخُيُولِ وَالْجِمَالِ وَبِالرَّمْيِ، وَحَثَّ عَلَى كُلِّ مَا فِيهِ إِعَانَةٌ عَلَى الْجِهَادِ، وَلَكِنْ كَانَتِ الرِّيَاضَةُ وَسِيلَةً لِذَلِكَ، وَلَمْ تَكُنْ يَوْمًا مِنَ الأَيَّامِ هَدَفًا لَهُمْ يَسْعَوْنَ لِتَحْقِيقِ الانْتِصَارَاتِ وَإِهَانَةِ الآخَرِينَ، وَلَمْ يَكُونُوا يُوَالُونَ فِيهَا وَيُعَادُونَ فِيهَا؛ بَلْ كَانَتْ مُجَرَّدَ وَسِيلَةٍ؛ فَلَمْ تَكُنْ تَجُرُّهُمْ لِلسَّبِّ وَالشَّتْمِ أَوِ الْغِشِّ وَالْحَسَدِ أَوِ التَّهَاجُرِ وَالتَّقَاطُعِ.
أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ –رَضِيَ اللهُ عَنْهُ– قَالَ: كَانَتْ نَاقَةُ رَسُولِ اللهِ –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ– العَضْبَاءُ لا تُسْبَقُ، أَوْ لا تَكَادُ تُسْبَقُ، فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ عَلَى قَعُودٍ لَهُ، فَسَبَقَهَا، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، حَتَّى عَرَفَهُ النَّبِيُّ –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ–، فَقَالَ: «حَقٌّ عَلَى اللهِ أَنْ لا يَرْتَفِعَ شَيْءٌ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا وَضَعَهُ».
فَهَذِهِ قَاعِدَةٌ مِنَ النَّبِيِّ –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ– لِلنَّاسِ حَتَّى لَا تَتَعَلَّقَ نُفُوسُهُمْ بِأُمُورِ الدُّنْيَا، أَمَّا أُمُورُ الآخِرَةِ فَمَا رَفَعَهُ اللهُ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يَضَعَهُ أَبَدًا، وَعَلَى العَبْدِ أَنْ يَسْعَى فِي رَفْعَةِ أُمُورِ الآخِرَةِ.
مجلة روح الاسلام فيض المعارف