الصوفية والجهاد في العصر الحديث


بقلم الدكتور : طه عبد الحافظ أحمد الوزيري
دكتوراة فى الدعوة والثقافة الإسلامية – جامعة الأزهر الشريف

حين يتحدث البعض عن الجهاد عند الصوفية ويستدل بمواقف عظيمة للأوائل يقول البعض: كان ذلك في الماضي، أما في العصر الحديث فكلهم خونة وعملاء.

كان يكفي في الرد عليهم واقع اليوم، فالكل رأى وشاهد من الخائن الذي صمت على جرائم اليهود في غزة، بل وتطاول على المجاهدين في فلسطين.

لكن لو القينا لمحة موجزة على القرن التاسع عشر وما فيه من مخاز غسل عرها عن الأمة الصوفيةُ لرأينا:

في القرن التاسع عشر ظن الغربيون ذهاب قوة المسلمين، وأن الفرصة سانحة لإخضاع كل الشعوب الإسلامية، فحشدوا الجيوش اليقظة القوية في غفلة وضعف من المسلمين.

وكانت أحوال المسلمين في هذا القرن لا تبشر بخير أبدا، ولا يوجد جيش للمسلمين يقف في وجه فرنسا أو بريطانيا أو إيطاليا..

إن واقع المسلمين يُصدّق ظن الكفار الصليبيين.

ولكن هذه الأمة لا تموت أبدا، وكان موقظوها في كل أنحاء العالم الإسلامي هم الصوفية لا غير، ولا يستطيع صادق منصف مطّلع على التاريخ أن ينكر كلمة واحدة من هذه الكلمات.

إن أسماء المجاهدين في ربوع الأرض الإسلامية هي الفيصل في ذلك:

عز الدين القسام في الشام: صوفي، جاهد ضد البريطانيين واليهود.

فرحان السعدي: صوفي، جاهد ضد البريطانيين واليهود.

السنوسيون في ليبيا وعلى رأسهم (عمر المختار): صوفية، جاهدوا ضد الإيطاليين.
عبد القادر الجزائري: صوفي.

عبد الكريم الخطابي: صوفي، جاهد ضد الإسبان والفرنسيين.

الشيخ المجاهد المربي/ ماء العينين: صوفي، جاهد ضد الفرنسيين والإسبان.

أحمد الهيبة بن مصطفى ماء العينين: صوفي، جاهد ضد الفرنسيين.

الشيخ محمد بن عبد الله بن حسن في الصومال: صوفي، جاهد ضد البريطانيين والإيطاليين.

الشيخ المهدي في السودان: صوفي، جاهد ضد الإيطاليين.

الإمام منصور وشامل وغيرهم من أبناء الطريقة النقشبندية وشيوخها في الشيشان وداغستان: صوفية، جاهدوا ضد الروس.

كل هؤلاء في المغرب وموريتانيا والشام والصومال.. كلهم صوفية، وأكثرهم كانوا يحفظون القرآن ويدربون مريديهم على القتال ويقاتلون بهم.

وهؤلاء جميعا تستطيع البحث عنهم بكل سهولة عن طريق شبكة المعلومات الدولية (الانترنت).

وكلهم أسماء بارزة، مع الأخذ في الاعتبار أن هؤلاء حين كانوا يجاهدون ضد الكفار الصليبين كان خصوم التصوف وقتها يقاتلون المسلمين ويكفرونهم في الناحية الثانية.

إن هذه الأسماء السابقة ما هي إلا مثال لجهاد الصوفية في العصر الحديث، وكان وقت جهادهم لا يوجد قائد من غيرهم جاهد جهادهم.

قد يكون المجاهد العالم/ ماء العينين والشيخ محمد الصومالي غير مشهورين لذلك في لمحة موجزة نعرف بهم:
إن الشيخ (ماء العينين) كان كتيبة علمية جهادية كاملة تجسدت في شخصه الكريم، عمل على توحيد قبائل صحراء المغرب، وتوحيد الطرق الصوفية، وهو سليل التصوف أبا عن جد، ما تخلى عن ورده ومذاكرته يوما.

بارك الله له وقته، فكان يعمل في المجال العلمي بالتأليف والتعليم وتحفيظ القرآن ..
ويعمل في المجال الاجتماعي بالإصلاح بين الناس والقبائل والمتدينين..

والمجال السياسي فكان ينشر الثقافة السياسية، ويخاطب الرؤساء ويطلب المدد بالسلاح..

والمجال الدعوي حيث كان يدعو إلى الإسلام، ويدعو المسلمين إلى التمسك بالدين عقيدة وشريعة وأخلاقا..

والمجال الروحي فكان يجمع الشباب على الزهد والورع وإصلاح عيوب النفس والتضحية بالراحة والروح لأجل الدين وجهاد الصليبيين..

والمجال الفكري العقلي حيث كان يقوم بتوعية المسلمين بمخططات النصارى الذين أتوا لا ليأخذوا الرض فقط، بل ليبدلوا دين الناس وأفكارهم ويقضوا على الإسلام وفي قلوب المسلمين، فكان أكبر حاجز بين المنصرين والمسلمين.

انظر: الشيخ ماء العينين.. فكر وجهاد، مجموعة أبحاث صادرة عن: المجلس البلدي لمدينة/ تيزنيت، تقديم: اليزيد الراضي، ط: النجاح الجديدة- الدار البيضاء، الطبعة: الأولى 1421هـ – 2001م).

وبعد موته حمل الراية من بعده ولده أحمد الهيبة الذي حمل راية الجهاد وقاتل ودافع حتى وحشد له الفرنيسون جموعا من أهل المغرب والجزائر والسنغال والسودان ولقي الله -تعالى- غير مفرط.

وإذا ذهبنا إلى الصومال ستجد المجاهد الصوفي/ محمد بن عبد الله بن حسن بن نور الداوردي (7 أبريل 1856 – 21 ديسمبر 1920).

هذا الرجل الصوفي حين تطالع سيرته يُهيأ إليك أنك تقرأ سيرة أحد التابعين الكبار، لقد قاتل البريطانيين وكسرهم خمس مرات بجيشه الذي كان مكونا من أبناء طريقته ومن انضم إليه من مريدي بعض الطرق الصوفية الأخرى.

بل إنه قاتل في معركة من معاركه الخالدة جيش بريطانيا العظمى!، وجيش إيطاليا، وجيش إثيوبيا، وظل يجاهد ويقاتل حتى استشهد إثر جرح في إحدى معاركه ضد الصليبيين ولحق به أكثر أتباعه بعد أن سمموا بئر الماء الذي يشربون منه بالغدر والخيانة. وكان جيشه يسمى جيش الدراويش، ولشدة ما لاقي منه الصليبيون أسموه: الملا المجنون..

وكانت بداية حركته حين عملت الكنائس على تنصير المسلمين والتدخل في شؤونهم الدينية، فانتفض الشيخ الصوفي المجاهد في وجه الكنيسة والجيش الصليبي، واستطاع أن يلهب مشاعر المسلمين المغلوبين على أمرهم مما أجبر الكنيسة على إيقاف نشاطاتها إلى حين.

لكنه لم يهدأ وغادر بلدته إلى بلدة أخرى، وأخذ ينظم أتباعه ومريديه، وجعلها ثورة عارمة، وقام بتسليحهم وتدريبهم حتي لقي الله شهيدا.

إن جهاد الشيخ محمد عبد الله حسن جدير بالدراسة خاصة لشباب الأمة الإسلامية، وخاصة في هذه المرحلة ليقفوا على أسباب انتصار بريطانيا وإيطاليا في النهاية، الذي كان أكبر أسبابه قدرة بريطانيا على خداع بعض القبائل واستخدامهم في الحرب ضد الشيخ المجاهد، بالإضافة إلى الحملة الإعلانية المغرضة التي روّج لها بعض الموجهين الدينيين في الصومال والتي أفقدت بعض الصوماليين ثقتهم في حركة الشيخ المجاهد، بل واستطاعوا أن يشككوا مريدي الشيخ في بعضهم!.
(انظر: صفحات من تاريخ الصومال: محمد فريد السيد حجاج، ص45: 57، دار المعارف).

إن هذه النماذج العظيمة فخر للأمة كلها وليس للصوفية فحسب، وأنا أعجب كيف لا ينتفض مفكرو الأمة ليجمعوا هذا الشتات من هنا وهناك، ويجمعوا سير هؤلاء الأعلام كاملة، ثم يقومون بتجسيدها في أعمال درامية للكبار، وأعمال أخرى تناسب الأطفال، فإن الأعمال المرئية المجسدة رباط على ثغر من أهم ثغور الإسلام في العصر الحديث.

بعد هذه اللمحة الموجزة أقول للصوفية:

هذا تاريخكم البعيد والقريب فكونوا خير امتداد لأكابركم وانفوا خبثكم.