تابع عوارض الأهلية عند الأصوليين (12)


بقلم فضيلة الشيخ : أبو بكر الجندى

عارض المرض:

المرض لا يؤثر في الأهليتين، إلا أن المرض يؤثر في بعض الأحكام، كعدم نفاذ بعض تصرفاته.

الحجر على مريض مرض الموت: يثبت الحجر على مريض مرض الموت بالقدر الذي يُصان به حق كل من الوارث والدائن؛ لأنه لما كان المرض سببًا للموت، فإن ثبوت حق الوارث والدائن يكون من حين حلول المرض؛ لأن الحكم يضاف إلى أول السبب، وحق الوارث هو الثلثان وحق الدائن هو جميع المال إن كان الدين مستغرقًا للتركة، أو بمقدار الدين، ولكن لا يظهر أثر الحجر قبل الموت؛ لأن المرض لا يُعرف أنه مرض الموت إلا إذا اتصل به الموت.
ولا يثبت الحجر بالشك، فمريض الموت تصح تصرفاته دون أن يكون للوارث والدائن حق الاعتراض حال حياته، وإنما يثبت لهم هذا الحق بعد وفاته إذا كان التصرف مضراً بحقوقهما، كما في الهبة وبيع المحاباة.

نكاح مريض الموت: الراجح صحة نكاح المريض، وهو رأي الجمهور لصدوره من ذوي الأهلية، ويقع به التوارث، ويجب فيه المهر المسمى إن كان أقل من مهر المثل، ومن الثلث؛ فإن كان أكثر توقف الزائد على إجازة الورثة أو الدائنين إن كان يمس بحقوقهم.
طلاق مريض الموت: اتفق الفقهاء على أن طلاق المريض يقع، إلا أنهم اختلفوا في ميراث زوجته؛ فمنهم من اتفق على أنها ترث إن كان الطلاق رجعياً ومات في العدة، وأما إن كان الطلاق بائناً فمذهب الجمهور أنها ترث رداً لقصد الزوج السيئ وهو حرمانها من الميراث, وقال الشافعي وأهل الظاهر: إنها لا ترثه؛ لأن الطلاق البائن يقطع الميراث، ولا عبرة بالقصد الباطن؛ لأن الأحكام تبنى على الظاهر والله يتولى السرائر.

عارض الموت: الموت يسقط أهلية الوجوب لأن أساسها الحياة، إلا أن ذمة الميت تبقى مشغولة بالدين، ويُطالب القيم على التركة بأدائها منها، وكذلك تسقط عنه أهلية الأداء؛ لأن مبناها على العقل والتمييز، فتسقط جميع التكاليف عن الميت؛ لأن الغرض منها الأداء عن اختيار، والأداء بالقدرة، ولا قدرة للميت فهو عجز خالص.

العوارض المكتسبة:

عارض الجهل:

لا يؤثر الجهل في أهلية الوجوب لأن مبناها على الحياة، كما أنه لا يؤثر على أهلية الأداء لأن مبناها على العقل والتمييز، وإنما يكون عذراً في بعض الأحوال.

الجهل في دار الإسلام: القاعدة أن الجهل لا يكون عذراً في دار الإسلام؛ لأن العلم فيها مفروض على مَن فيها، فلا يعذر المسلم بجهله الأحكام العامة الواضحة التي لا رخصة لأحد في جهلها، وهي الثابتة بالكتاب والسنة التي انعقد عليها الإجماع، كوجوب الصلاة والصيام، وتحريم الخمر والزنا وقتل النفس بغير حق ونحو ذلك.

أما الجهل في دار غير المسلمين: فالقاعدة أن العلم في هذه الدار لا يُفترض؛ إذ هي ليست دار علم بالأحكام الشرعية بل دار جهل بها، وعلى هذا إذا أسلم شخص هناك ولم يعلم حقيقة وجوب العبادات عليه كالصلاة ونحوها فلم يؤدها، فإنها لا تلزمه قضاءً إذا علمها، وكذلك إذا شرب الخمر جهلاً بحرمتها فلا إثم عليه ولا عقاب؛ لأن المؤاخذة ولزوم التكليف يثبتان ببلوغ الخطاب إليه حقيقة أو تقريراً بشهرته.

عارض الخطأ:
الخطأ هو: وقوع القول أو الفعل من الإنسان على خلاف ما يريد.

ولا يؤثر الخطأ في الأهليتين؛ لأن العقل قائم مع الخطأ، لكنه يصلح لأن يكون عذراً في سقوط بعض حقوق الله، كالخطأ الذي تحرى القبلة فصلى إلى خلافها، وكخطأ المفتي.

أما حقوق العباد فكالتالي:

ـ حق عقوبة كالقصاص، لم يجب بالخطأ لأنه معذور؛ لأن القصاص عقوبة كاملة فلا تجب عليه، وإنما تجب بالقتل الخطأ الدية؛ لأنها بدل المحل المتلف، وتكون على العاقلة ثلاث سنين تخفيفاً عليهم.

ـ الحقوق المالية لا ينهض الخطأ لأن يكون عذراً كإتلاف مال الغير خطأً.
ـ المعاملات، يعد الخطأ عذراً فيها لمنع نفاذ التصرف وعدم ترتب أثره، وهذا عند الجمهور، حتى إنه لو طلق أو باع خطأً لا يُعد تصرفه، لأن الكلام لا يعتبر به إلا أن كان عن مقصد صحيح.