بقلم : أ . د : السيد أحمد أحمد سحلول أستاذ الحديث الشريف وعلومه في كلية أصول الدين والدعوة في المنصورة وعضو لجنة المحكمين لترقية الأساتذة والأساتذة المساعدين
11ـ جذب انتباه الحاضرين للأسئلة المهمة ، وتشجيعهم على السؤال عما يفيدهم :
كان صلى الله عليه وسلم يرشد السائلين إلى السؤال عما يفيدهم وينفعهم ، ويجذب انتباه الحاضرين إلى مثل هذه الأسئلة .
فعن أَبي أَيُّوب الأنصاري tأَنَّ أَعْرَابِيًّا عَرَضَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، وَهُوَ فِي سَفَرٍ فَأَخَذَ بِخِطَامِ نَاقَتِهِ أَوْ بِزِمَامِهَا ثُمَّ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْ يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي بِمَا يُقَرِّبُنِي مِنْ الْجَنَّةِ وَمَا يُبَاعِدُنِي مِنْ النَّارِ قَالَ : فَكَفَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ نَظَرَ فِي أَصْحَابِهِ ثُمَّ قَالَ : ” لَقَدْ وُفِّقَ ” أَوْ ” لَقَدْ هُدِيَ ” قَالَ : ” كَيْفَ قُلْتَ ؟ ” قَالَ : فَأَعَادَ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : ” تَعْبُدُ اللَّهَ لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ ، دَعْ النَّاقَةَ ” ([1]).
12ـ الصبر على السائل :
كان صلى الله عليه وسلم يصبر على السائل حين يكثر من الأسئلة .
فعن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ tقال : بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَسْجِدِ دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى جَمَلٍ فَأَنَاخَهُ فِي الْمَسْجِدِ ثُمَّ عَقَلَهُ ثُمَّ قَالَ لَهُمْ : أَيُّكُمْ مُحَمَّدٌ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُتَّكِئٌ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ فَقُلْنَا : هَذَا الرَّجُلُ الْأَبْيَضُ الْمُتَّكِئُ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ : يَا ابْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : ” قَدْ أَجَبْتُكَ ” فَقَالَ الرَّجُلُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : إِنِّي سَائِلُكَ فَمُشَدِّدٌ عَلَيْكَ فِي الْمَسْأَلَةِ فَلَا تَجِدْ عَلَيَّ فِي نَفْسِكَ فَقَالَ : ” سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ ” فَقَالَ : أَسْأَلُكَ بِرَبِّكَ وَرَبِّ مَنْ قَبْلَكَ أَاللَّهُ أَرْسَلَكَ إِلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ ؟فَقَالَ : ” اللَّهُمَّ نَعَمْ ” قَالَ : أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ أَاللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ نُصَلِّيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ ؟ قَالَ : ” اللَّهُمَّ نَعَمْ ” قَالَ : أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ أَاللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ نَصُومَ هَذَا الشَّهْرَ مِنْ السَّنَةِ؟ قَالَ : ” اللَّهُمَّ نَعَمْ ” قَالَ : أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ أَاللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ تَأْخُذَ هَذِهِ الصَّدَقَةَ مِنْ أَغْنِيَائِنَا فَتَقْسِمَهَا عَلَى فُقَرَائِنَا ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : ” اللَّهُمَّ نَعَمْ ” فَقَالَ الرَّجُلُ : آمَنْتُ بِمَا جِئْتَ بِهِ ، وَأَنَا
كان صلى الله عليه وسلم إذا جانب أحد أصحابه الصواب في أمر من الأمور رفق به وستر عليهم ، وبين ويبين الخطأ ولا يصرح باسم فاعله بل يُعَرَّض به ؛ لأن مقصوده صلى الله عليه وسلم علاج الخطأ ، وتعريف الناس به لكي يجتنبوه ، لا تعيين فاعله .
فعن أَنَس بن مالك tأَنَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سَأَلُوا أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ عَمَلِهِ فِي السِّرِّ فَقَالَ بَعْضُهُمْ : لَا أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : لَا آكُلُ اللَّحْمَ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : لَا أَنَامُ عَلَى فِرَاشٍ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ فَقَالَ : ” مَا بَالُ أَقْوَامٍ قَالُوا كَذَا وَكَذَا لَكِنِّي أُصَلِّي وَأَنَامُ وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي “([3]) .
14ـ حسن معاملة المخاطبين :
كان صلى الله عليه وسلم يعامل أصحابه tبرفق ويسر لا بتعنت وتعنيف كي لا يكرهونه ، وينفرون من الإسلام ومن معاملة رسوله الجافة.
فعن أبي هُرَيْرَةَtقَالَ : قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي الْمَسْجِدِ فَتَنَاوَلَهُ النَّاسُ فَقَالَ لَهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : ” دَعُوهُ وَهَرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ أَوْ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ ، وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ ” ([4]).
وكان صلى الله عليه وسلم يحب التيسير في جميع الأمور ، وكان يختار منها أيسرها .
فعَنْ عَائِشَةَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ـ أَنَّهَا قَالَتْ :مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَمْرَيْنِ قَطُّ إِلَّا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا ، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ ، وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِنَفْسِهِ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ بِهَا لِلَّهِ ([5]) .
15ـ مخاطبة كل قوم بلهجتهم :
خاطب النبي صلى الله عليه وسلم كل قوم بلهجتهم حتي لا يشق فهم ما يقوله لهم ، ولما كان أهل حِمْيَر يقلبون لام أل ميمًا خاطبهم بلهجتهم .
فعَنْ كَعْبِ بْنِ عَاصِمٍ الْأَشْعَرِيِّ tوَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ السَّقِيفَةِ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : ” لَيْسَ مِنْ امْبِرِّ امْصِيَامُ فِي امْسَفَرِ ” ([6]) .
وهذا الحديث معروف بلهجته المشهور بها.
فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما ـ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ فَرَأَى زِحَامًا وَرَجُلًا قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ فَقَالَ :” مَا هَذَا ؟ ” فَقَالُوا : صَائِمٌ ، فَقَالَ : ” لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ “([7]) .
16ـ مخاطبة كل قوم على قدر عقولهم وبما يفهمونه :
لما أراد صلى الله عليه وسلم إقناع المخاطبين بأيسر السبل ، وأوضحها لديهم خاطب كل قوم على قدر عقولهم ، وبالأسلوب الذي يفهمونه لكي يحقق النتائج التي يرجوها .فعلى الداعية أن يفهم طبيعية جمهوره ، لكي يحدد الأسلوب والححج لكي يستطيع إقناعهم به بيسر وسهولة.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ tأَنَّ أَعْرَابِيًّا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلَامًا أَسْوَدَ وَإِنِّي أَنْكَرْتُهُ . فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : “هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ ؟ ” قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : ” مَا أَلْوَانُهَا ؟ ” قَالَ : حُمْرٌ . قَالَ :” فَهَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ ؟ ” قَالَ : نَعَمْ . قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ” فَأَنَّى هُوَ ؟ ” قَالَ : لَعَلَّهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ يَكُونُ نَزَعَهُ عِرْقٌ لَهُ . فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : ” وَهَذَا لَعَلَّهُ يَكُونُ نَزَعَهُ عِرْقٌ لَهُ ” ([8])
([1])أخرجه البخاري في الصحيح كتاب الزكاة باب وجوب الزكاة 1 / 370 ح(1396) // وفي كتاب الأدب باب فضل صلة الرحم 4 / 76 ح (5982 ، 5983)، وأخرجه مسلم في الصحيحِ كِتَاب الْإِيمَانِ بَاب بَيَانِ الْإِيمَانِ الَّذِي يُدْخَلُ بِهِ الْجَنَّةَ وَأَنَّ مَنْ تَمَسَّكَ بِمَا أُمِرَ بِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ 1 / 142 : 144 ح(12 : 14)
([2])أخرجه البخاري في الصحيح كتاب العلم باب الْقِرَاءَةُ وَالْعَرْضُ عَلَى الْمُحَدِّثِ 1 / 59 ح(63)
([3])أخرجه البخاري في الصحيح كتاب النِّكَاحِ بَاب الترغيب في النكاح 3 / 340 ح(5063)، وأخرجه مسلم في الصحيح كِتَاب النِّكَاحِ بَاب اسْتِحْبَابِ النِّكَاحِ لِمَنْ تَاقَتْ نَفْسُهُ إِلَيْهِ وَوَجَدَ مُؤَنَهُ وَاشْتِغَالِ مَنْ عَجَزَ عَنْ الْمُؤَنِ بِالصَّوْمِ 9 / 525 ح(1401){5} .
([4])أخرجه البخاري في الصحيح كتاب الوضوء بَاب صَبِّ الْمَاءِ عَلَى الْبَوْلِ فِي الْمَسْجِدِ 1 / 99 ح(220) // وفي كتاب الأدب باب بَاب قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : ” يَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا ” وَكَانَ يُحِبُّ التَّخْفِيفَ وَالْيُسْرَ عَلَى النَّاسِ 4 / 106 ، 107 ح(6128)
([5])أخرجه البخاري في الصحيح كتاب المناقب باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم 2 / 404ح(3560) // وكتاب الأدب باب قول النبي صلى الله عليه وسلم : ” يسرواْ ولا تعسرواْ ” 4 / 106ح (6126) // وكتاب الحدود باب إقامة الحدود والانتقام لحرمة الله 4 / 263 ح(6786) ، وأخرجه مسلم في الصحيح كتاب الفضائل باب مباعدته صلى الله عليه وسلم للآثام ، واختياره من المباح أسهله ، وانتقامه لله عند انتهاك حرماته 15 / 476 ،477ح(2327 ، 2328)
([6])أخرجه أحمد في المسند 5 / 434 بإسناد صحيح
([7])ـ أخرجه البخاري في الصحيح كتاب الصوم بَاب قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِمَنْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ وَاشْتَدَّ الْحَرُّ : ” لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ ” 1 / 500 ح(1946) ، وأخرجه مسلم في الصحيح كِتَاب الصِّيَامِ بَاب جَوَازِ الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لِلْمُسَافِرِ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ إِذَا كَانَ سَفَرُهُ مَرْحَلَتَيْنِ فَأَكْثَرَ وَأَنَّ الْأَفْضَلَ لِمَنْ أَطَاقَهُ بِلَا ضَرَرٍ أَنْ يَصُومَ وَلِمَنْ يَشُقُّ عَلَيْهِ أَنْ يُفْطِرَ 7 / 189ح(1115) {92} .
([8])1ـ أخرجه البخاري في الصحيح كتاب مناقب الأنصار باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة 2 / 498 ح(3923) // وفي كتاب الطلاق باب إذا عَرَّض بنفي الولد 3 / 400 ، 401 ح(5305) // وفي كتاب الحدود باب ما جاء في التعريض 4 / 278 ، 279 ح(6847) // وفي كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة بَاب مَنْ شَبَّهَ أَصْلًا مَعْلُومًا بِأَصْلٍ مُبَيَّنٍ قَدْ بَيَّنَ اللَّهُ حُكْمَهُمَا لِيُفْهِمَ السَّائِلَ 4 / 398 ، 399 ح(7314) ، وأخرجه مسلم في الصحيح كِتَاب اللِّعَانِ في أوله 10 / 103 ، 104 ح(1500) {18 : 20} واللفظ له . الأورق : الذي فيه سواد ليس بصاف . والمراد بالعرق هنا الأصل من النسب تشبيها بعرق الثمرة . ومعنى ( نزعه ) أشبهه واجتذبه إليه وأظهر لونه عليه . وأصل النزع الجذب ، فكأنه جذبه إليه لشبهه ( شرح النووي على صحيح مسلم 10 / 103 ).
([9])أخرجه أحمد في المسند 5 / 256 ، 257 ، وأخرجه الطبراني في الكبير 8 / 162 ، 163 ح(7679) ، وذكره الهيثمي في المجمع كتاب العلم باب في أدب العالم 1 / 341ح(543) وقال : رواه أحمد والطبراني في الكبير ، ورجاله رجال الصحيح .