إفريقيا.. حلم إسرائيل الغالي
13 نوفمبر، 2025
أخبار العالم الإسلامى

بقلم فضيلة الشيخ : حسين السمنودي
إمام وخطيب ومدرس على درجة مدير عام بمديرية أوقاف القاهرة
منذ عقود طويلة، وإسرائيل تضع القارة الإفريقية في دائرة أطماعها الإستراتيجية، مدركةً أن من يملك إفريقيا يملك ثروات لا تنضب وموقعاً جغرافياً يربط الشرق بالغرب والجنوب بالشمال. فإفريقيا بالنسبة للمشروع الصهيوني ليست مجرد قارة نامية تسعى إلى التنمية، بل هي “كنز المستقبل” الذي يُراد منه أن يكون مصدر قوة اقتصادية وعسكرية تُغذي المخطط الصهيوني الممتد من البحر إلى المحيط.
لقد أدركت إسرائيل مبكرًا أن النفوذ في إفريقيا يفتح لها أبوابًا لم تغلق بعد، فبدأت تغزو القارة السوداء بوسائل ناعمة ظاهرها المساعدة والتعاون، وباطنها السيطرة والهيمنة. فتحت الشركات الصهيونية أبوابها في مجالات التعدين والزراعة والطاقة، وخصوصًا في ميدان استخراج الألماس والذهب والنحاس، حتى أصبحت إسرائيل من أكبر المستفيدين من مناجم الألماس في دول مثل الكونغو وأنغولا وسيراليون وجنوب إفريقيا. وما يخرج من باطن الأرض الإفريقية من جواهر نادرة يُهرَّب أو يُباع عبر شبكات إسرائيلية تمتد إلى أوروبا، حيث يُعاد تصنيعه وتسويقه بأسعار خيالية، بينما لا ينال المواطن الإفريقي سوى الفتات.
وتحوّلت إسرائيل من مجرد مشترٍ للألماس الإفريقي إلى “وسيط دولي” في بيعه وتسويقه عالميًا، عبر شركات مثل “دي بيرز” التي تتعامل معها بشكل وثيق، وبهذا ضمنت السيطرة على أحد أهم أعمدة الاقتصاد العالمي في مجال الرفاهية. كما أن إسرائيل لم تكتفِ بالمال، بل أرادت النفوذ السياسي والعسكري، فمدت أذرعها إلى الجيوش والحكومات الإفريقية من خلال تجارة السلاح والتدريب الأمني، مقدمةً نفسها كحليف قوي في مواجهة الإرهاب أو الحركات المتمردة، بينما الهدف الحقيقي هو تكريس التبعية وشراء الولاءات.
في دول مثل إثيوبيا، أوغندا، رواندا، وجنوب السودان، زرعت إسرائيل قواعد نفوذها بحجة التنمية الزراعية أو المساعدات الأمنية. لكنها في الحقيقة كانت تبحث عن “عمق استراتيجي” يطوّق العالم العربي من الجنوب، ويمتد بخيوطه إلى البحر الأحمر والقرن الإفريقي، ليصبح طريق التجارة والسلاح والذهب في قبضتها. حتى المياه لم تسلم من أطماعها، فملف نهر النيل ظل دائمًا في صلب اهتماماتها، باعتباره ورقة ضغط على مصر والسودان.
كما أن إسرائيل لم تتردد في استخدام النفوذ الاقتصادي لتغيير الموازين السياسية داخل إفريقيا، فتارةً تدعم حاكمًا وتارةً تسقط آخر، وتارةً تزرع شركاتها كواجهة استخباراتية لجمع المعلومات عن كل صغيرة وكبيرة تخص ثروات القارة، مستخدمةً أدوات التكنولوجيا الحديثة والاتصالات والمساعدات الإنسانية غطاءً لأنشطتها الاستخبارية.
إن إفريقيا اليوم أصبحت ساحة صراع خفي بين القوى الكبرى، لكن إسرائيل تسعى لأن يكون لها النصيب الأكبر من الكعكة، فهي تعرف كيف تستغل الفقر والحاجة لتغرس مصالحها في العقول والقرارات. وباسم التنمية والتعاون، تستنزف ثروات القارة وتعيد تصديرها إلى الغرب تحت لافتة “الاستثمار”.
إن ما يحدث في إفريقيا ليس إلا جزءًا من مخطط أكبر يسعى إلى رسم خريطة جديدة للثروات والنفوذ في العالم، تكون فيه إسرائيل لاعبًا أساسيًا ومتحكمًا في شرايين الاقتصاد الإفريقي. فبين مناجم الألماس والذهب واليورانيوم، وبين أسواق السلاح والمياه والمساعدات، تدور لعبة خبيثة عنوانها “من يملك إفريقيا يملك المستقبل”. لكن التاريخ علمنا أن الشعوب الإفريقية، رغم ما تعانيه، لا يمكن أن تبقى رهينة للأطماع إلى الأبد، وأن وعيها المتنامي قادر على كشف الأقنعة واستعادة القرار والثروة. فإفريقيا، وإن بدت اليوم ساحة مفتوحة لكل من أراد، ستظل قارة الأسرار والعجائب، التي لا تنحني إلا لمن يزرع فيها خيرًا، لا لمن يستغلها طمعًا.
ويبقى السؤال معلقًا بين طموح الشعوب وأحلام إسرائيل: هل سيستمر هذا التغلغل طويلًا، أم ستفيق إفريقيا لتدرك أن من يبيع ثرواته بأوهام التنمية إنما يبيع مستقبله بثمن بخس؟ الأيام كفيلة بالإجابة، ولكن المؤكد أن حلم إسرائيل في إفريقيا لن يكون سهل المنال مهما طال الأمد.