خُطْبَةُ الْجُمُعَةِ الْقَادِمَةِ “إِدْمَانُ الْأَطْفَالِ السُّوشْيَال مِيدْيَا” للشيخ أَحْمَدَ إِسْمَاعِيلَ الْفَشَنِيِّ
2 نوفمبر، 2025
خطب منبرية

خُطْبَةُ الْجُمُعَةِ الْقَادِمَةِ “إِدْمَانُ الْأَطْفَالِ السُّوشْيَال مِيدْيَا”(خُطُورَةُ الدَّاءِ وَسُبُلُ الدَّوَاءِ)
للشيخ أَحْمَدَ إِسْمَاعِيلَ الْفَشَنِيِّ
من علماء الأزهر الشريف
بِتَارِيخِ: ١٦ مِنْ جُمَادَى الْأُولَى ١٤٤٧هـ، الْمُوَافِقُ ٧ مِنْ نُوفَمْبَرَ ٢٠٢٥م
عَنَاصِرُ الْخُطْبَةِ:
أَوَّلًا: مَسْؤُولِيَّةُ الرِّعَايَةِ وَثِقَلُ الْأَمَانَةِ فِي تَرْبِيَةِ الْأَبْنَاءِ.
ثَانِيًا: “اللِّصُّ الْمُتَرَبِّصُ” (الْأَخْطَارُ الدِّينِيَّةُ وَالْأَخْلَاقِيَّةُ لِإِدْمَانِ السُّوشْيَال مِيدْيَا).
ثَالِثًا: “الْغَائِبُ الْحَاضِرُ” (الْأَخْطَارُ النَّفْسِيَّةُ وَالْجَسَدِيَّةُ وَالِاجْتِمَاعِيَّةُ).
رَابِعًا: سُبُلُ الْعِلَاجِ وَالْوِقَايَةِ (مِنَ الْقُدْوَةِ إِلَى الْمُرَاقَبَةِ).
الْمَوْضُـــــــــــوعُ
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ. وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، الْقَائِلُ فِي مُحْكَمِ التَّنْزِيلِ: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا﴾.
وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، الَّذِي عَلَّمَنَا أَنَّ الْأَوْلَادَ أَمَانَةٌ عَظِيمَةٌ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ”. صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ وَسَلَّمَ يَا سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، يَا مَنْ كُنْتَ تَقُولُ عَنِ السِّبْطَيْنِ سَيِّدِنَا الْحَسَنِ وَسَيِّدِنَا الْحُسَيْنِ: “هُمَا رَيْحَانَتَايَ مِنَ الدُّنْيَا”، وَعَلَى آلِكَ وَأَصْحَابِكَ، سَادَتِنَا أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَعَلَى سَائِرِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ…أَيُّهَا السَّادَةُ الْمُؤْمِنُونَ : إِنَّ الْحَدِيثَ الْيَوْمَ عَنْ قَضِيَّةٍ لَا تَخْلُو مِنْهَا دَارٌ، وَلَا يَسْلَمُ مِنْ أَثَرِهَا بَيْتٌ. حَدِيثُنَا عَنْ فِلْذَاتِ أَكْبَادِنَا، وَقُرَّةِ أَعْيُنِنَا، الَّذِينَ هُمْ أَمَانَةٌ فِي أَعْنَاقِنَا. وَسَنَسِيرُ فِي هَذَا اللِّقَاءِ وَفْقَ عَنَاصِرَ أَرْبَعَةٍ، نُشَخِّصُ فِيهَا الدَّاءَ، وَنَصِفُ فِيهَا الدَّوَاءَ.
الْعُنْصُرُ الْأَوَّلُ: مَسْؤُولِيَّةُ الرِّعَايَةِ وَثِقَلُ الْأَمَانَةِ فِي تَرْبِيَةِ الْأَبْنَاءِ.
يَا عِبَادَ اللَّهِ! لَقَدْ عَظَّمَ الْإِسْلَامُ شَأْنَ الْأَوْلَادِ، فَجَعَلَهُمْ “زِينَةَ الْحَيَاةِ”، وَلَكِنَّهُ فِي نَفْسِ الْوَقْتِ جَعَلَهُمْ “أَمَانَةً” عَظِيمَةً، وَ “فِتْنَةً” أَيْ ابْتِلَاءً وَاخْتِبَارًا لِلْآبَاءِ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ ۚ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾. وَالْفِتْنَةُ هُنَا هِيَ اخْتِبَارُ رِعَايَةِ هَذِهِ الْأَمَانَةِ.
وَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْنَا وِقَايَتَهُمْ، فَقَالَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾. وَقَدْ فَسَّرَ سَيِّدُنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَذِهِ الْآيَةَ فَقَالَ: “أَدِّبُوهُمْ وَعَلِّمُوهُمْ”. فَالْوِقَايَةُ تَكُونُ بِالتَّأْدِيبِ وَالتَّعْلِيمِ.
وَجَعَلَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْمَسْؤُولِيَّةَ فَرْضًا عَلَى كُلِّ أَبٍ وَأُمٍّ، فَقَالَ فِي الْحَدِيثِ الْجَامِعِ: “كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْؤولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا…”.
وَصَدَقَ الشَّاعِرُ حِينَ قَالَ:
لَيْسَ الْيَتِيمُ الَّذِي قَدْ مَاتَ وَالِدُهُ
إِنَّ الْيَتِيمَ يَتِيمُ الْعِلْمِ وَالْأَدَبِ
إِنَّ الْأَبْنَاءَ أَمَانَاتٌ قَدِ ائْتُمِنَتْ
آبَاؤُهُمْ، فَلْيَقُوا النِّيرَانَ بِالْأَدَبِ
هَذِهِ الْأَمَانَةُ الْيَوْمَ، يَا عِبَادَ اللَّهِ، تَتَعَرَّضُ لِأَخْطَرِ مَا يَكُونُ، تَتَعَرَّضُ لِلصٍّ يَدْخُلُ الْبُيُوتَ بِلَا اسْتِئْذَانٍ، فَيَخْطَفُ أَبْنَاءَنَا مِنَّا وَنَحْنُ نَنْظُرُ.
الْعُنْصُرُ الثَّانِي: “اللِّصُّ الْمُتَرَبِّصُ” (الْأَخْطَارُ الدِّينِيَّةُ وَالْأَخْلَاقِيَّةُ لِإِدْمَانِ السُّوشْيَال مِيدْيَا).
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، إِنَّ أَخْطَرَ مَا فِي هَذِهِ الْوَسَائِلِ هُوَ أَنَّهَا “بِلَا بَوَّابٍ”. نَحْنُ نَتْرُكُ أَبْنَاءَنَا، وَهُمْ صَفَحَاتٌ بَيْضَاءُ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ”. وَالْيَوْمَ، نَخْشَى أَنْ نَقُولَ: “فَالسُّوشْيَال مِيدْيَا تُفْسِدُهُ وَتُضِلُّهُ”.
* فَمِنَ النَّاحِيَةِ الدِّينِيَّةِ: هَذِهِ الْأَجْهِزَةُ تَعْرِضُ عَلَى أَوْلَادِنَا سَيْلًا جَارِفًا مِنْ “الشُّبُهَاتِ” الَّتِي تُشَكِّكُ فِي الْعَقِيدَةِ، وَ “الشَّهَوَاتِ” الَّتِي تُطْفِئُ نُورَ الْإِيمَانِ فِي الْقَلْبِ. يَرَى الطِّفْلُ مَقَاطِعَ تَسْتَهْزِئُ بِالدِّينِ، أَوْ تَدْعُو إِلَى الْإِلْحَادِ، أَوْ تُنَاقِضُ الْأَخْلَاقَ. وَبِكَثْرَةِ الْمَسَاسِ يَمُوتُ الْإِحْسَاسُ، فَيَعْتَادُ الطِّفْلُ رُؤْيَةَ الْمُنْكَرِ فَلَا يُنْكِرُهُ قَلْبُهُ.
* وَمِنَ النَّاحِيَةِ الْأَخْلَاقِيَّةِ: يَتَعَلَّمُ الطِّفْلُ الْعُنْفَ مِنْ الْأَلْعَابِ الْإِلِكْتِرُونِيَّةِ، وَيَتَعَلَّمُ عُقُوقَ الْوَالِدَيْنِ مِنَ الْمَقَاطِعِ الْهَزْلِيَّةِ الَّتِي تَسْخَرُ مِنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ. وَيَرَى حَيَاةً مُزَيَّفَةً قَائِمَةً عَلَى التَّبَاهِي وَالْكَذِبِ وَ “التِّرِنْدَاتِ” التَّافِهَةِ، فَيَقَعُ فِي قَلْبِهِ السَّخَطُ عَلَى حَيَاتِهِ الْوَاقِعِيَّةِ، وَالْحَسَدُ لِمَا فِي أَيْدِي غَيْرِهِ، بَدَلًا مِنْ أَنْ يَتَعَلَّمَ الْقَنَاعَةَ وَالرِّضَا.
فِي الْوَاقِعِ، كَمْ مِنْ أَبٍ شَكَا أَنَّ ابْنَهُ أَصْبَحَ عَنِيفًا فِي رُدُودِهِ، يُقَلِّدُ مَا يَرَاهُ! وَكَمْ مِنْ أُمٍّ بَكَتْ لِأَنَّ ابْنَتَهَا الصَّغِيرَةَ تَطْلُبُ مَلَابِسَ وَأَشْيَاءَ لَا تَلِيقُ بِسِنِّهَا وَلَا بِدِينِهَا، مُقَلِّدَةً مَنْ تَرَاهُنَّ عَلَى هَذِهِ الْمِنَصَّاتِ!
الْعُنْصُرُ الثَّالِثُ: “الْغَائِبُ الْحَاضِرُ” (الْأَخْطَارُ النَّفْسِيَّةُ وَالْجَسَدِيَّةُ وَالِاجْتِمَاعِيَّةُ).
يَا عِبَادَ اللَّهِ، إِنَّ الْوَبَالَ لَا يَقِفُ عِنْدَ الدِّينِ وَالْأَخْلَاقِ، بَلْ يَمْتَدُّ لِيُدَمِّرَ النَّفْسَ وَالْجَسَدَ.
* فَمِنَ النَّاحِيَةِ النَّفْسِيَّةِ: لَقَدْ خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْإِنْسَانَ كَائِنًا اجْتِمَاعِيًّا، وَهَذَا الْإِدْمَانُ يَصْنَعُ جِيلًا مِنَ “الْأَغْرَابِ فِي بُيُوتِهِمْ”. تَرَى الْأُسْرَةَ مُجْتَمِعَةً فِي غُرْفَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَكِنَّ كُلَّ فَرْدٍ مِنْهُمْ غَارِقٌ فِي عَالَمِهِ الْخَاصِّ، كَأَنَّهُمْ “حَاضِرُونَ غَائِبُونَ”. هَذِهِ الْعُزْلَةُ تُورِثُ الْقَلَقَ، وَالِاكْتِئَابَ، وَالتَّوَتُّرَ، وَضَيَاعَ التَّرْكِيزِ فِي الدِّرَاسَةِ وَتَحْصِيلِ الْعِلْمِ.
* وَمِنَ النَّاحِيَةِ الْجَسَدِيَّةِ: إِنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ”. وَهَذَا الْإِدْمَانُ يُوَرِّثُ الْكَسَلَ وَالْخُمُولَ. يُصَابُ الطِّفْلُ بِالسِّمْنَةِ، وَضَعْفِ النَّظَرِ، وَآلَامِ الظَّهْرِ وَالرَّقَبَةِ. لَقَدْ كَانَ سَلَفُنَا الصَّالِحُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ يُرَبُّونَ أَوْلَادَهُمْ عَلَى الْقُوَّةِ وَالْخُشُونَةِ. قَالَ سَيِّدُنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: “عَلِّمُوا أَوْلَادَكُمُ السِّبَاحَةَ وَالرِّمَايَةَ وَرُكُوبَ الْخَيْلِ”. وَنَحْنُ الْيَوْمَ اسْتَبْدَلْنَا هَذِهِ الْأَنْشِطَةَ الْقَوِيَّةَ بِالْجُلُوسِ السَّاكِنِ أَمَامَ شَاشَةٍ صَمَّاءَ.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهَدْيِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ…
فَيَا أَيُّهَا الْآبَاءُ وَالْأُمَّهَاتُ، نَصِلُ الْآنَ إِلَى الْعُنْصُرِ الرَّابِعِ: سُبُلُ الْعِلَاجِ وَالْوِقَايَةِ.
إِذَا كُنَّا قَدْ شَخَّصْنَا الدَّاءَ، فَإِنَّ الْإِسْلَامَ لَمْ يَتْرُكْنَا بِلَا دَوَاءٍ. وَالْمَسْؤُولِيَّةُ كَامِلَةٌ تَقَعُ عَلَى عَاتِقِنَا.
أَوَّلًا: الْقُدْوَةُ قَبْلَ الْكَلِمَةِ (قُوا أَنفُسَكُمْ):
إِنَّ الْآيَةَ بَدَأَتْ بِـ ﴿قُوا أَنفُسَكُمْ﴾ قَبْلَ ﴿وَأَهْلِيكُمْ﴾. فَكَيْفَ تَطْلُبُ مِنْ وَلَدِكَ أَنْ يَتْرُكَ هَاتِفَهُ، وَأَنْتَ يَا رَبَّ الْأُسْرَةِ لَا تَرْفَعُ عَيْنَكَ عَنْ هَاتِفِكَ حَتَّى عَلَى مَائِدَةِ الطَّعَامِ؟ إِنَّ “فَاقِدَ الشَّيْءِ لَا يُعْطِيهِ”. كَانَ سَلَفُنَا الصَّالِحُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ إِذَا أَرَادُوا أَنْ يُؤَدِّبُوا أَوْلَادَهُمْ بَدَأُوا بِأَنْفُسِهِمْ.
وَصَدَقَ الشَّاعِرُ إِذْ قَالَ:
يَا أَيُّهَا الرَّجُلُ الْمُعَلِّمُ غَيْرَهُ
هَلَّا لِنَفْسِكَ كَانَ ذَا التَّعْلِيمُ؟
لَا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأْتِيَ مِثْلَهُ
عَارٌ عَلَيْكَ إِذَا فَعَلْتَ عَظِيمُ
ثَانِيًا: إِيجَادُ الْبَدَائِلِ النَّافِعَةِ (مَلْءُ الْفَرَاغِ):
إِنَّ النَّفْسَ إِنْ لَمْ تَشْغَلْهَا بِالْحَقِّ شَغَلَتْكَ بِالْبَاطِلِ. هَؤُلَاءِ الْأَطْفَالُ لَدَيْهِمْ طَاقَاتٌ هَائِلَةٌ.
* الْبَدِيلُ الرُّوحِيُّ: افْتَحُوا الْبُيُوتَ لِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. اجْلِسْ مَعَ أَوْلَادِكَ وَلَوْ عَشْرَ دَقَائِقَ كُلَّ يَوْمٍ، اقْرَأْ عَلَيْهِمْ قِصَّةً مِنْ قَصَصِ الْأَنْبِيَاءِ، أَوْ سِيرَةَ بَطَلٍ مِنْ أَبْطَالِ الصَّحَابَةِ. لَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْلِسُ مَعَ الْأَطْفَالِ وَيُحَدِّثُهُمْ، وَيَقُولُ لِسَيِّدِنَا أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: “يَا ذَا الْأُذُنَيْنِ” مُلَاطِفًا إِيَّاهُ.
* الْبَدِيلُ الِاجْتِمَاعِيُّ وَالْبَدَنِيُّ: أَخْرِجُوهُمْ مِنَ الْعَالَمِ الِافْتِرَاضِيِّ إِلَى الْعَالَمِ الْحَقِيقِيِّ. خُذْهُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ، وَإِلَى زِيَارَةِ الْأَقَارِبِ (صِلَةُ الرَّحِمِ)، وَإِلَى الرِّيَاضَةِ.
ثَالِثًا: غَرْسُ مُرَاقَبَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (الرَّقِيبُ الدَّاخِلِيُّ): وَهَذَا هُوَ الْعِلَاجُ الْجِذْرِيُّ. أَنْتَ يَا عَبْدَ اللَّهِ، لَنْ تَسْتَطِيعَ أَنْ تُرَاقِبَ وَلَدَكَ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ سَاعَةً. لَا بُدَّ أَنْ تَزْرَعَ فِيهِ “الرَّقِيبَ الدَّاخِلِيَّ”.
عَلِّمْ وَلَدَكَ أَنَّ اللَّهَ يَرَاهُ. عَلِّمْهُ الْآيَةَ الْجَامِعَةَ: ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾. وَالْآيَةَ الْمُخِيفَةَ: ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾.
وَاسْمَعُوا إِلَى أَرْوَعِ قِصَّةٍ فِي غَرْسِ الْمُرَاقَبَةِ: لَمَّا كَانَ سَيِّدُنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَسِيرُ مَعَ أَصْحَابِهِ، قَابَلُوا غُلَامًا يَرْعَى الْغَنَمَ. فَأَرَادَ سَيِّدُنَا ابْنُ عُمَرَ أَنْ يَخْتَبِرَهُ، فَقَالَ لَهُ: “يَا غُلَامُ، بِعْنِي شَاةً مِنْ هَذِهِ الْغَنَمِ”. فَقَالَ الْغُلَامُ: “إِنَّهَا لَيْسَتْ لِي، إِنَّهَا لِسَيِّدِي”. فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: “قُلْ لِسَيِّدِكَ أَكَلَهَا الذِّئْبُ”. فَانْتَفَضَ الْغُلَامُ وَرَفَعَ إِصْبَعَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَهُوَ يَقُولُ: “فَأَيْنَ اللَّهُ؟”. فَأَخَذَ سَيِّدُنَا ابْنُ عُمَرَ يَبْكِي وَيُرَدِّدُ: “قَالَهَا الْغُلَامُ: فَأَيْنَ اللَّهُ؟”.
هَذِهِ هِيَ التَّرْبِيَةُ الَّتِي نُرِيدُهَا. إِذَا تَرَبَّى الطِّفْلُ عَلَى “فَأَيْنَ اللَّهُ؟”، أَغْلَقَ الْهَاتِفَ بِنَفْسِهِ إِذَا رَأَى الْحَرَامَ، خَوْفًا مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَبْلَ خَوْفِهِ مِنْكَ.
الدُّعَاءُ…
اللَّهُمَّ احْفَظْ أَبْنَاءَنَا وَبَنَاتِنَا مِنْ فِتَنِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، اللَّهُمَّ اجْعَلْهُمْ قُرَّةَ أَعْيُنٍ لَنَا، وَاجْعَلْهُمْ هُدَاةً مُهْتَدِينَ غَيْرَ ضَالِّينَ وَلَا مُضِلِّينَ، اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى تَرْبِيَتِهِمْ تَرْبِيَةً صَالِحَةً تَرْضَى بِهَا عَنَّا، اللَّهُمَّ قِهِمْ شُرُورَ هَذِهِ الْأَجْهِزَةِ وَشُرُورَ الْعَالَمِ الِافْتِرَاضِيِّ، وَنَوِّرْ قُلُوبَهُمْ بِالْقُرْآنِ وَالْإِيمَانِ،اللَّهُمَّ احْفَظْ بِلَادَنَا مِصْرَ مِنْ كُلِّ سُوءٍ وَمَكْرُوهٍ، وَاجْعَلْهَا دَارَ أَمْنٍ وَأَمَانٍ وَرَخَاءٍ وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ،رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا،رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
عِبَادَ اللَّهِ:
إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. فَاذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ….وَأَقِمِ الصَّلَاةَ…