خطبة الجمعة بعنوان ( إدمان السوشيال ميديا ) للشيخ ياسر عبدالبديع
2 نوفمبر، 2025
خطب منبرية

خطبة الجمعة بعنوان ( إدمان السوشيال ميديا )
للشيخ : ياسر عبدالبديع
بتاريخ16 من جمادى الأولى 1447ه
7 من نوفمبر 2025 م
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ مِلْءَ السَّمَوَاتِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ وَمَلْءَ مَابَيْنَهُمَا وَمُلْءَ مَاشِئْتَ يَارِبُ مِنْ شَئٍّ بَعْدَ أَهْلِ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ أَحَقُّ مَاقَالَ الْعَبْدُ وَكُلُّنَا لَكَ عَبْدٌ اللَّهُمَّ لَامُعْطَى لِمَا مَنَعْتَ وَلَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ وَنَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ
سَبْحَانُكَ اللَّهُمَّ خَيْرَ مُعَلِّمٍ عَلَّمْتَ بِالْقَلَمِ الْقُرُونَ الْأُولَى أَخْرَجْتَ هَذَا الْعَقْلَ مِنْ ظُلُمَاتِهِ وَهَدَيَتَهُ النُّورَ الْمُبِينَ سَبِيلًا وَأَرْسَلْتَ بِالتَّوْرَاةِ مُوسَى مُرْشِدًا وَابْنَ الْبَتُولِ فَعَلَّمَ الْإِنْجِيلَا وَفَجَرَتْ يَنْبُوعَ الْبَيَانِ مُحَمَّدًا فَسَقَى الْحَدِيثَ وَنَاوَلَ التَّنْزِيلَا
وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا وَمُصْطَفَانَا سَيِّدَنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيًّا وَرَسُولًا أُوصِيكُمْ وَنَفْسَى بِتَقْوَى اللَّهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُو اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحُ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرُ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا أُحَدِّثُكُمْ الْيَوْمَ عَنْ مَوْضُوعٍ تَحْتَ عُنْوَانِ
إدمان السوشيال ميديا
العُنصُرُ الأَوَّلُ: وَسَائِلُ التَّوَاصُلِ وَخُطُورَتُهَا فِي سِرْقَةِ الأَوْقَاتِ وَالأَعْمَارِ
يَشْهَدُ عَالَمُنَا ثَوْرَةً عِلْمِيَّةً هَائِلَةً، وَتَطَوُّرًا مَعْلُومَاتِيًّا رَهِيبًا، وَانْفِجَارًا تِقَنِيًّا غَيْرَ مَسْبُوقٍ، شَمِلَ جَمِيعَ مَنَاحِي الحَيَاةِ، وَكَانَ مِنْ بَعْضِ نَتَائِجِهِ مَا يُسَمَّى بِـ «وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الاِجْتِمَاعِيِّ» الَّتِي اجْتَذَبَتْ أَعْدَادًا هَائِلَةً مِنَ البَشَرِ عَلَى مُسْتَوَى العَالَمِ.
فَمَاذَا نَعْنِي بِـ «وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الاِجْتِمَاعِيِّ» أَوِ «السُّوشْيَالْ مِيدْيَا»؟
هِيَ التَّطْبِيقَاتُ وَالبَرَامِجُ وَالمَوَاقِعُ الإِلِكْتِرُونِيَّةُ الَّتِي تُتِيحُ التَّوَاصُلَ مَعَ الآخَرِينَ، وَتَكْوِينِ العَلَاقَاتِ مَعَهُمْ، كَمَا تُتِيحُ نَشْرَ وَتَبَادُلَ المَعْلُومَاتِ، وَالصُّوَرِ، وَمَقَاطِعِ الفِيدْيُو، وَاليَوْمِيَّاتِ، مِنْ خِلَالِ أَجْهِزَةِ الحَاسُوبِ أَوِ الهَوَاتِفِ المَحْمُولَةِ.
وَأَشْهَرُ هَذِهِ البَرَامِجِ وَالتَّطْبِيقَاتِ: (الفَيْسْ بُوك، وَالْيُوتِيُوب، وَالمَاسِينْجَر، وَالوَاتْسْ أَب، وَالتُّوِيتَر، وَالإِنْسْتِغْرَام، وَالتِّيكْ تُوك، وَلِنْكِدْ إِنْ، وَالتِّيلِجْرَام، وَالبِنْتِرِسْت)… وَغَيْرُهَا كَثِيرٌ.
نِعْمَةٌ أَمْ نِقْمَةٌ؟
لَا شَكَّ أَنَّ وَسَائِلَ التَّوَاصُلِ هَذِهِ نِعْمَةٌ مِنْ نِعَمِ اللهِ، سَهَّلَتِ التَّوَاصُلَ بَيْنَ الأَفْرَادِ، وَقَارَبَتْ بَيْنَ المُتَبَاعِدِينَ، وَيَسَّرَتِ التِّجَارَاتِ وَالمُعَامَلَاتِ، وَسُبُلَ تَحْصِيلِ المَعْلُومَاتِ، كَمَا تَجَاوَزَتِ العَقَبَاتِ وَالحَوَاجِزَ وَالحُدُودَ الجُغْرَافِيَّةَ، وَفَتَحَتْ أَبْوَابًا مِنَ النَّفْعِ وَالدَّعْوَةِ وَالخَيْرِ لَا يُحْصِيهَا إِلَّا اللهُ… وَمِثْلُ هَذِهِ النِّعَمِ حَقُّهَا أَنْ تُشْكَرَ وَلَا تُكْفَرَ، وَشُكْرُهَا يَكُونُ بِاسْتِعْمَالِهَا فِي الخَيْرِ وَالنَّفْعِ.
وَلِأَنَّهَا جَمَعَتْ بَيْنَ طَيَّاتِهَا الخَيْرَ وَالشَّرَّ، وَالطَّيِّبَ وَالخَبِيثَ، وَالصَّالِحَ وَالطَّالِحَ، وَالنَّافِعَ وَالضَّارَّ؛ فَلَابُدَّ مِنَ التَّحْذِيرِ وَالتَّنْبِيهِ وَالاِحْتِرَازِ الشَّدِيدِ حَالَ الاِسْتِخْدَامِ، حَتَّى لَا تَنْزَلِقَ الأَقْدَامُ، وَيَأْتِيَ الشَّرُّ مِنْ وَرَاءِ الخَيْرِ، وَحَتَّى لَا تَتَحَوَّلَ النِّعْمَةُ إِلَى نِقْمَةٍ، وَالمِنْحَةُ إِلَى مِحْنَةٍ.
المُحَافَظَةُ عَلَى الوَقْتِ
لَقَدْ حَوَتْ وَسَائِلُ التَّوَاصُلِ مِنْ أَسْبَابِ التَّشْوِيقِ وَالتَّنَوُّعِ وَالإِثَارَةِ وَالمُتْعَةِ وَالإِبْهَارِ فِي العَرْضِ، وَسَائِلَ جَذْبٍ لِلْمُتَابِعِ، تَجْعَلُهُ يَجْلِسُ مَشْدُوهًا أَمَامَهَا السَّاعَاتِ الطِّوَالَ بِلَا مَلَلٍ… فَهِيَ بِحَقٍّ حَارِقَةُ الأَوْقَاتِ، وَسَارِقَةُ الأَعْمَارِ… وَإِذَا لَمْ يَنْتَبِهِ الإِنسَانُ لِنَفْسِهِ أَضَاعَ فِيهَا عُمْرَهُ، أَوْ أَكْثَرَ عُمْرِهِ.
أُمُورٌ تُسَاعِدُ عَلَى حِفْظِ الوَقْتِ
وَلِذَلِكَ يَنْبَغِي لِمُسْتَخْدِمِ هَذِهِ الوَسَائِلِ أَنْ يَضَعَ نُصْبَ عَيْنَيْهِ أُمُورًا يَحْفَظُ بِهَا وَقْتَهُ وَعُمْرَهُ:
أَوَّلًا: مَعْرِفَةُ قِيمَةِ الوَقْتِ
فَالوَقْتُ هُوَ رَأْسُ مَالِ العَبْدِ الَّذِي يُتَاجِرُ فِيهِ مَعَ اللهِ، وَيَطْلُبُ بِهِ سَعَادَةَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَبِقَدْرِ مَا يَفُوتُ مِنْ هَذَا الوَقْتِ فِي غَيْرِ طَاعَةٍ وَقُرْبَةٍ، بِقَدْرِ مَا يَضِيعُ عَلَى العَبْدِ مِنَ السَّعَادَةِ فِي الآخِرَةِ.
ثَانِيًا: أَنَّهُ مَسْؤُولٌ عَنْ وَقْتِهِ
رَوَى المُنْذِرِيُّ فِي «التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ» بِسَنَدٍ حَسَنٍ صَحِيحٍ، عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ:
«لَنْ تَزُولَ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعِ خِصَالٍ: عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَا أَبْلَاهُ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ مَاذَا عَمِلَ فِيهِ».
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ:
«اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ».
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ:
«بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ سَبْعًا: هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا، أَوْ غِنًى مُطْغِيًا، أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا، أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا، أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا، أَوْ تَنْتَظِرُونَ الدَّجَّالَ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ، أَوْ تَنْتَظِرُونَ السَّاعَةَ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ».
(رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ)
وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ:
«لَيْسَ يَتَحَسَّرُ أَهْلُ الجَنَّةِ عَلَى شَيْءٍ إِلَّا عَلَى سَاعَةٍ مَرَّتْ بِهِمْ لَمْ يَذْكُرُوا اللهَ عَزَّ وَجَلَّ فِيهَا».
وَلْيَذْكُرْ دَائِمًا قَوْلَ رَسُولِ اللهِ ﷺ:
«نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالفَرَاغُ».
(رَوَاهُ البُخَارِيُّ)
كَمَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الإِنسَانُ أَمِينًا وَصَادِقًا فِي نَقْلِ الخَبَرِ؛ لِأَنَّ الكَذِبَ حَرَامٌ، حَتَّى فِي المَوَاقِعِ الاِفْتِرَاضِيَّةِ، وَيَظَلُّ الكَذِبُ حَرَامًا إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، حَتَّى إِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَبَدًا اخْتِلَاقُ الأَخْبَارِ وَنَشْرُ الإِشَاعَاتِ وَتَرْوِيجُ الشَّائِعَاتِ، وَيَحْرُمُ عَلَى المُكَلَّفِ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرَ هَذِهِ الإِشَاعَاتِ؛ لِأَنَّ نَقْلَ الخَبَرِ يَحْتَاجُ إِلَى الأَمَانَةِ، وَاللهُ تَعَالَى يَقُولُ: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ﴾ [المُؤْمِنُونَ: ٨].
وَيَجِبُ عَلَى المُكَلَّفِ عِنْدَ اسْتِخْدَامِهِ مَوَاقِعَ التَّوَاصُلِ الاِجْتِمَاعِيِّ أَنْ يَكُونَ أَمِينًا فِيمَا يَطْرَحُ مِنْ مَوْضُوعَاتٍ، وَأَنْ يَكُونَ صَادِقًا فِي نَقْلِهِ لِلأَخْبَارِ، وَذَلِكَ يَأْتِي مُؤَكِّدًا لِحَدِيثِ النَّبِيِّ ﷺ: «كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ»، وَفِي رِوَايَةٍ: «كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ».
(رَوَاهُ مُسْلِمٌ)
وَمَعَ الأَسَفِ، فَإِنَّ فِي وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ أُنَاسًا لَا يَهْتَمُّونَ بِالتَّثَبُّتِ وَلَا بِالتَّبَيُّنِ، وَاللهُ تَعَالَى يَقُولُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ [الحُجُرَاتِ: ٦].
وَأَحْيَانًا يَكُونُ نَشْرُ الخَبَرِ مِنْ بَابِ إِشَاعَةِ الفَاحِشَةِ، وَاللهُ تَعَالَى يَقُولُ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النُّورِ: ١٩].
وَقَدْ يَنْشُرُ الإِنسَانُ الفَاحِشَةَ بِخَبَرٍ أَوْ بِصُورَةٍ أَوْ بِمَقْطَعِ فِيدْيُو غَيْرِ أَخْلَاقِيٍّ، وَهُوَ لَا يُبَالِي مَا يَفْعَلُ.
وَيَنْبَغِي عَلَى المُسْلِمِ أَنْ يَحْفَظَ لِسَانَهُ عَنِ القِيلِ وَالقَالِ، وَأَنْ يَحْفَظَ لِسَانَهُ عَنِ الوُقُوعِ فِي أَعْرَاضِ العُلَمَاءِ؛ فَإِنَّ لُحُومَ العُلَمَاءِ مَسْمُومَةٌ.
لِقَوْلِ الرَّسُولِ ﷺ: «وَمَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ فِيهِ الإِنسَانُ إِلَّا وَالأَعْضَاءُ كُلُّهَا تُكَفِّرُ اللِّسَانَ، وَتَقُولُ لَهُ: يَا لِسَانُ، اتَّقِ اللهَ فِينَا، فَإِنَّمَا نَحْنُ بِكَ، فَإِنِ اسْتَقَمْتَ يَا لِسَانُ اسْتَقَمْنَا، وَإِنِ اعْوَجَجْتَ يَا لِسَانُ اعْوَجَجْنَا».
وَكَانَ الصِّدِّيقُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُولُ: «مَا مِنْ شَيْءٍ أَحْوَجُ إِلَى طُولِ سِجْنٍ مِنْ لِسَانٍ»، وَكَانَ يَجْذِبُ لِسَانَهُ بِيَدِهِ وَيَقُولُ: «هَذَا أَوْرَدَنِي المَوَارِدَ»؛ أَيْ: المَهَالِكَ.
المُسْلِمُ مُطَالَبٌ بِأَنْ يَتَكَلَّمَ بِالكَلَامِ الطَّيِّبِ، وَيَنْبَغِي عَلَيْهِ أَنْ يَحْفَظَ لِسَانَهُ مِنْ تِلْكَ الآفَاتِ، وَمِنْ تِلْكَ الآفَاتِ: الكَذِبُ، وَمِنْ تِلْكَ الآفَاتِ أَيْضًا: الغِيبَةُ وَالنَّمِيمَةُ، وَالسُّخْرِيَةُ، وَإِسَاءَةُ الظَّنِّ بِالمُسْلِمِينَ، وَتَرْوِيجُ الشَّائِعَاتِ، فَهَذَا كُلُّهُ مِنْ خَطَرِ اللِّسَانِ، وَمِنْ آفَاتِهِ الَّتِي يَنْبَغِي عَلَى المُكَلَّفِ أَنْ يَتَحَرَّزَ مِنْهَا.
وَهُنَا نَتَذَكَّرُ حَدِيثَ النَّبِيِّ ﷺ: «وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ».
(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)
وَفِي حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا النَّجَاةُ؟ فَقَالَ ﷺ: «أَمْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ، وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ، وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ».
(رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ)
وَيُبَيِّنُ النَّبِيُّ ﷺ طَرِيقَ النَّجَاةِ فَيَقُولُ: «مَنْ صَمَتَ نَجَا».
(رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ)
فَيَنْبَغِي عَلَى المُكَلَّفِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَكَلَّمَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِالخَيْرِ، وَلَا يَدْعُوَ النَّاسَ إِلَى شَرٍّ أَوْ إِلَى بِدْعَةٍ، وَلَا يَدْعُوَهُمْ إِلَى السِّحْرِ أَوِ الشَّعْوَذَةِ أَوِ الخُرَافَاتِ؛ لِحَدِيثِ النَّبِيِّ ﷺ: «مَنْ أَتَى سَاحِرًا أَوْ كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ ﷺ».
(أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ)
فَالمُكَلَّفُ إِذَا رَوَّجَ لِبِدْعَةٍ، أَوْ نَشَرَ الخُرَافَاتِ بِحُجَّةِ إِعَادَةِ التَّغْرِيدِ، وَأَنَّهُ غَيْرُ مَسْؤُولٍ عَنْ مَحْتَوَاهَا، فَإِذَا أَعَادَ التَّغْرِيدَ فَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْهَا، فَإِذَا أَعَادَ المَكَلَّفُ صَاحِبُ المَوْقِعِ نَشْرَ هَذِهِ المَنْشُورَاتِ السَّيِّئَةِ، فَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْهَا، وَيَأْخُذُ وِزْرَهَا، لِمَاذَا؟
لِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى، كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ، كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا».
(رَوَاهُ مُسْلِمٌ)
العُنْصُرُ الثَّانِي: السُّوشْيَالُ مِيدْيَا وَاقِعٌ مُرٌّ وَحَلٌّ مُنْتَظَرٌ
فَإِنَّ وَسَائِلَ التَّوَاصُلِ الاجْتِمَاعِيِّ تُعَدُّ فِي الوَقْتِ الحَاضِرِ ذَاتَ أَهَمِّيَّةٍ كَبِيرَةٍ فِي حَيَاةِ الكَثِيرِ مِنَ الأَشْخَاصِ، وَعَلَى الرَّغْمِ مِمَّا تَتَمَتَّعُ بِهِ مِنْ مَزَايَا وَإِيجَابِيَّاتٍ؛ كَتَوْسِيعِ دَائِرَةِ المَعَارِفِ وَالعَلَاقَاتِ، وَصَقْلِ الفِكْرِ وَالشَّخْصِيَّةِ، وَالِاطِّلَاعِ عَلَى الثَّقَافَاتِ العَامَّةِ لِلْبُلْدَانِ، وَتَبَادُلِ الخِبْرَاتِ وَالمَهَارَاتِ، فَإِنَّهَا جَعَلَتِ العَدِيدَ مِنْ مُسْتَخْدِمِيهَا فِي حَالَةِ إِدْمَانٍ دَائِمٍ، وَأَدَّتْ إِلَى اسْتِخْدَامِ الهَوَاتِفِ الذَّكِيَّةِ وَالأَجْهِزَةِ الإِلِكْتْرُونِيَّةِ لِوَقْتٍ طَوِيلٍ جِدًّا، دُونَ الشُّعُورِ بِذَلِكَ، الأَمْرُ الَّذِي أَثَّرَ سَلْبًا فِي الحَيَاةِ الزَّوْجِيَّةِ.
يَا عِبَادَ اللهِ، تَقُولُ فَتَاةٌ وَهِيَ مُطَلَّقَةٌ مُنْذُ سَنَتَيْنِ وَأُمٌّ لِثَلَاثَةِ أَطْفَالٍ:
“مَوَاقِعُ التَّوَاصُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ دَمَّرَتْ بَيْتِي، أَثْنَاءَ انْشِغَالِي بِتَرْبِيَةِ أَوْلَادِي وَأَعْمَالِ المَنْزِلِ، كَانَ زَوْجِي مُنْهَمِكًا بِمَوَاقِعِ التَّوَاصُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ الَّتِي سَهَّلَتْ لَهُ إِقَامَةَ عَلَاقَاتٍ عَاطِفِيَّةٍ مَجْهُولَةٍ، وَإِهْمَالَهُ لِي وَلِأَوْلَادِهِ، وَكَانَتِ النَّتِيجَةُ شَرْخًا كَبِيرًا فِي العَلَاقَةِ الأُسَرِيَّةِ.”
وَحَدِّثْ عَنْ ذَلِكَ حَالَ أُسَرٍ كَثِيرَةٍ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ.
وَيَقُولُ شَابٌّ:
“إِنَّ مَوَاقِعَ التَّوَاصُلِ أَدَّتْ إِلَى تَعَاسَتِي وَخَرَابِ بَيْتِي؛ حَيْثُ إِنَّ زَوْجَتِي كَانَتْ مُدْمِنَةً هَذِهِ المَوَاقِعَ؛ مَا جَعَلَهَا تُهْمِلُ زَوْجَهَا وَتَرْبِيَةَ أَوْلَادِهَا وَشُؤُونَ المَنْزِلِ، وَقَدْ حَذَّرْتُهَا أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ، وَلَكِنَّهَا تَمَادَتْ فِي الِانْخِرَاطِ وَالِانْشِغَالِ بِمَوَاقِعِ التَّوَاصُلِ، وَأَخِيرًا حِينَ وَجَدْتُ نَفْسِي مُحَاصَرًا بِالمَشَاكِلِ، أَلْقَيْتُ إِلَيْهَا وَرَقَةَ الطَّلَاقِ.”
يَا عِبَادَ اللهِ، إِنَّ إِدْمَانَ مَوَاقِعِ التَّوَاصُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا لَهُ أَسْبَابٌ عِدَّةٌ؛ مِنْهَا:
أَوَّلًا: أَنَّ كُلًّا مِنَ الزَّوْجَيْنِ لَدَيْهِ مَخْزُونٌ هَائِلٌ مِنَ التَّعْبِيرَاتِ وَالعَوَاطِفِ الَّتِي يُرِيدُ أَنْ يُبِيحَ بِهَا لِشَرِيكِ حَيَاتِهِ، إِلَّا أَنَّ الِانْفِصَالَ النَّفْسِيَّ بَيْنَهُمَا جَعَلَ تِلْكَ التَّعْبِيرَاتِ تَذْهَبُ لِلْغَيْرِ فِي مَوَاقِعِ التَّوَاصُلِ، أَوْ تَكُونُ حَبِيسَةً فِي النَّفْسِ.
ثَانِيًا: الخَيَالُ الزَّائِفُ فِي نَفْسِ أَحَدِهِمَا تُجَاهَ الآخَرِ، مِمَّا يَجْعَلُهُ يَتَوَقَّعُ أَنْ يَكُونَ الطَّرَفُ الآخَرُ رُومَانْسِيًّا كَمَا يُشَاهِدُهُ أَوْ يَسْمَعُهُ فِي القِصَصِ الخَيَالِيَّةِ؛ وَلِذَا يَهْرُبُ مِنْ شَرِيكِ حَيَاتِهِ إِلَى مَوَاقِعِ التَّوَاصُلِ؛ لِيُفْرِغَ عَوَاطِفَهُ مَعَ مُجْتَمَعٍ آخَرَ.
ثَالِثًا: انْعِدَامُ الوِئَامِ وَالأُلْفَةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ؛ وَذَلِكَ لِعَدَمِ مَحَبَّةِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِلآخَرِ، أَوْ لِوُجُودِ البُغْضِ بَيْنَهُمَا بِسَبَبِ سُوءِ الخُلُقِ، أَوْ ظُلْمِ أَحَدِهِمَا لِلآخَرِ، أَوْ عَدَمِ السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِلزَّوْجِ بِالمَعْرُوفِ.
رَابِعًا: وُقُوعُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ فِي المَعَاصِي وَالمُنْكَرَاتِ؛ كَتَعَاطِي المُسْكِرَاتِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ المُحَرَّمَاتِ، فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إِلَى سُوءِ الحَالِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ.
خَامِسًا: عَدَمُ اعْتِنَاءِ المَرْأَةِ بِالنَّظَافَةِ وَالتَّزَيُّنِ لِلزَّوْجِ بِاللِّبَاسِ الجَمِيلِ، وَالرَّائِحَةِ العَطِرَةِ، وَالكَلَامِ الطَّيِّبِ عِنْدَ اللِّقَاءِ وَالِاجْتِمَاعِ بَيْنَهُمَا؛ مِمَّا يُسَبِّبُ نُفُورَ الزَّوْجِ مِنْ زَوْجَتِهِ.
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي))؛ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
يَا عِبَادَ اللهِ، نِعَمُ اللهِ تَعَالَى تَسْتَوْجِبُ الشُّكْرَ، فَمَنْ شَكَرَ اللهَ عَلَى نِعَمِهِ رَأَيْتَهُ عَبْدًا مُطْمَئِنَّ القَلْبِ، قَرِيرَ العَيْنِ، رَاضِيًا عَنْ رَبِّهِ أَتَمَّ الرِّضَا، مَلَأَ قَلْبَهُ حُبًّا لِلَّهِ تَعَالَى، وَرَجَاءً فِيهِ، وَيَقِينًا فِي رَحْمَتِهِ، وَاسْتَبْشَرَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:
﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ﴾ [إِبْرَاهِيمَ: 7]،
لِأَنَّ الشُّكْرَ لِلَّهِ تَعَالَى يَعْقِلُ النِّعْمَةَ المَوْجُودَةَ، وَيَسْتَجْلِبُ النِّعْمَةَ المَفْقُودَةَ.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ، مِنْ جُمْلَةِ نِعَمِ اللهِ تَعَالَى عَلَيْنَا نِعْمَةُ مَا يُسَمَّى بِوَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ، وَكُلُّ نِعْمَةٍ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا اخْتِبَارٌ وَابْتِلَاءٌ، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى:
﴿ لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ﴾ [النَّمْلِ: 40]،
وَأَجْهِزَةُ التَّوَاصُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ بِحَدِّ ذَاتِهَا نِعْمَةٌ، وَلَكِنَّهَا وَبِكُلِّ أَسَفٍ انْقَلَبَتْ إِلَى نِقْمَةٍ عِنْدَ أَكْثَرِ النَّاسِ، حَيْثُ سَهَّلَتْ عَلَيْهِمْ مَعْصِيَةَ اللهِ تَعَالَى، بِسَبَبِ الغَفْلَةِ عَنْهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى.
يَا عِبَادَ اللهِ، يَا أَصْحَابَ الجَوَّالَاتِ، رَاقِبُوا اللهَ تَعَالَى القَائِلَ:
﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النِّسَاءِ: 1]،
وَالقَائِلَ: ﴿ أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى ﴾ [العَلَقِ: 14]،
وَالقَائِلَ: ﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ﴾ [الحَدِيدِ: 4]،
وَالقَائِلَ: ﴿ إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ﴾ [طَه: 46].
يَا أَصْحَابَ هَذِهِ النِّعْمَةِ، لَا تَجْعَلُوا اللهَ أَهْوَنَ النَّاظِرِينَ إِلَيْكُمْ، وَتَذَكَّرُوا قَوْلَ اللهِ تَعَالَى:
﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق: 18].
وَاسْمَعُوا حَدِيثَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
“اسْتَحْيُوا مِنَ اللهِ حَقَّ الحَيَاءِ”.
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا نَسْتَحْيِي وَالحَمْدُ لِلَّهِ.
قَالَ: “لَيْسَ ذَاكَ، وَلَكِنَّ الِاسْتِحْيَاءَ مِنَ اللهِ حَقَّ الحَيَاءِ أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، وَالبَطْنَ وَمَا حَوَى، وَلِتَذْكُرِ المَوْتَ وَالبِلَى، وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدِ اسْتَحْيَا مِنَ اللهِ حَقَّ الحَيَاءِ”؛ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
وَعَلَى المَرْءِ كَذَلِكَ أَنْ يَتَذَكَّرَ مَسْؤُولِيَّتَهُ عَمَّا تَجْتَرِحُهُ جَوَارِحُهُ مِنْ أَفْعَالٍ وَأَقْوَالٍ، قَالَ تَعَالَى:
﴿ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الحَقُّ المُبِينُ ﴾ [النُّورِ: 24-25].
وَإِنَّ مِمَّا يُذْكَرُ فِي هٰذَا الْمَقَامِ مَا جَاءَ عَنِ الْمَعْصُومِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ قَالَ: “إِنَّهُ أَتَانِيَ اللَّيْلَةَ آتِيَانِ، وَإِنَّهُمَا ابْتَعَثَانِي، وَإِنَّهُمَا قَالَا لِيَ انْطَلِقْ، وَإِنِّي انْطَلَقْتُ مَعَهُمَا”، وَفِيهِ: “فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُسْتَلْقٍ لِقَفَاهُ، وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِكُلُوبٍ مِنْ حَدِيدٍ، وَإِذَا هُوَ يَأْتِي أَحَدَ شِقَّيْ وَجْهِهِ فَيُشَرْشِرُ شِدْقَهُ إِلَى قَفَاهُ، وَمِنْخَرَهُ إِلَى قَفَاهُ، وَعَيْنَهُ إِلَى قَفَاهُ، ثُمَّ يَتَحَوَّلُ إِلَى الْجَانِبِ الآخَرِ، فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ بِالْـجَانِبِ الْأَوَّلِ، فَمَا يَفْرُغُ مِنْ ذٰلِكَ الْـجَانِبِ حَتَّى يَصِحَّ ذٰلِكَ الْـجَانِبُ كَمَا كَانَ، ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ مِثْلَ مَا فَعَلَ الْمَرَّةَ الْأُولَى”، وَفِيهِ: “وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ، يُشَرْشِرُ شِدْقَهُ إِلَى قَفَاهُ، وَمِنْخَرُهُ إِلَى قَفَاهُ، وَعَيْنُهُ إِلَى قَفَاهُ، فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَغْدُو مِنْ بَيْتِهِ، فَيَكْذِبُ الْكِذْبَةَ تَبْلُغُ الْآفَاقَ”؛ (الْحَدِيثُ بِطُولِهِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).
وَهٰذَا وَاقِعٌ مَشَاهَدٌ، يَكْذِبُ الْكِذْبَةَ فِي هٰذَا الْجِهَازِ فَتَبْلُغُ الْآفَاقَ، وَعِقَابُهُ فِي الْبَرْزَخِ مَا قَدْ سَمِعْتُمْ.
فَالْـحَذَرَ الْـحَذَرَ، وَاعْلَمُوا أَنَّ أَعْرَاضَ الْـمُسْلِمِينَ وَأَسْرَارَهُمْ غَيْرُ مُبَاحَةٍ لِلتَّعَدِّي، وَعَلَى هٰذَا الْأَسَاسِ يَجِبُ سَتْرُ الْـمُسْلِمِينَ، وَيَحْرُمُ كُلُّ مَا يُؤَدِّي إِلَى انْتِهَاكِ أَعْرَاضِهِمْ وَفَضْحِهَا؛ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلِ الْإِيمَانُ قَلْبَهُ، لَا تَغْتَابُوا الْـمُسْلِمِينَ، وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ اتَّبَعَ عَوْرَاتِهِمْ يَتَّبِعِ اللهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ يَتَّبِعِ اللهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ فِي بَيْتِهِ”.
إِخْوَةَ الْإِيمَانِ، إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْـخَطَرِ وَأَعْظَمِ الْـمُصِيبَةِ أَنْ تُنْشَرَ الْـمَعَاصِي وَالْـمُوبِقَاتُ فِي وَسَائِلِ وَمَوَاقِعِ التَّوَاصُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ، وَتَبْقَى تَحْصُدُ تِلْكَ الذُّنُوبَ الْـمُسْتَمِرَّةَ فِي حَيَاتِكَ وَبَعْدَ مَوْتِكَ.
قَالَ حَبِيبُ الْـفَارِسِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: إِنَّ مِنْ سَعَادَةِ الْـمَرْءِ أَنْ يَمُوتَ وَتَمُوتَ مَعَهُ ذُنُوبُهُ.
إِخْوَةَ الْإِيمَانِ، إِنَّ وَسَائِلَ التَّوَاصُلِ فِي هٰذَا الزَّمَانِ أَصْبَحَتْ مَعَاوِلَ هَدْمٍ لِلْقِيَمِ وَالْأَخْلَاقِ، وَأَصْبَحَ التَّافِهُونَ وَالْـفَاسِقُونَ قُدْوَاتٍ، كَمَا قِيلَ: نَحْنُ نُشْغِلُ أَوْقَاتَنَا بِمُتَابَعَةِ فَرَاغِ الْآخَرِينَ وَتَفَاهَتِهِمْ.
فَهٰذَا مُنْذِرُ شَرٍّ عَلَى الْـمُجْتَمَعِ؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ سَنَوَاتٌ خَدَّاعَاتٌ؛ يُصَدَّقُ فِيهَا الْـكَاذِبُ، وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْـخَائِنُ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ، وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ”.
قِيلَ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟ قَالَ: “الرَّجُلُ التَّافِهُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ الْـعَامَّةِ”.
إِخْوَةَ الْإِيمَانِ، إِنَّ عَلَى الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ مَسْؤُولِيَّةً عَظِيمَةً فِي مُرَاقَبَةِ الْأَبْنَاءِ وَالْبَنَاتِ،
فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ”،
فَإِنَّكُمْ سَتُسْأَلُونَ أَمَامَ اللهِ عَنْ رَعِيَّتِكُمْ،
وَمِنَ الْأُمُورِ الَّتِي تُعِينُ عَلَى مُوَاجَهَةِ هٰذَا الطُّوفَانِ التِّقْنِيِّ الَّذِي فَتَحَ أَبْوَابَ الشَّرِّ عَلَى مِصْرَاعَيْهَا: تَعْزِيزُ الرَّقَابَةِ الذَّاتِيَّةِ عِنْدَ أَبْنَائِنَا وَبَنَاتِنَا،
وَهِيَ شُعُورٌ دَاخِلِيٌّ، وَقُوَّةٌ ضَابِطَةٌ، نَابِعَةٌ مِنْ إِيمَانِهِ بِمُرَاقَبَةِ اللهِ تَعَالَى، وَاطِّلَاعِهِ عَلَى أَعْمَالِهِ، تَدْعُوهُ إِلَى الْـحِرْصِ عَلَى فِعْلِ الطَّاعَاتِ طَلَبًا لِمَرْضَاةِ اللهِ وَثَوَابِهِ، وَالْبُعْدِ عَنِ الْـمَعَاصِي خَوْفًا مِنْ عِقَابِهِ.
وَمِنَ الْأُمُورِ الْـمُعِينَةِ الِاهْتِمَامُ بِكِتَابِ اللهِ قِرَاءَةً وَحِفْظًا، فَاقْرَؤُوا الْقُرْآنَ وَعَلِّمُوهُ أَبْنَاءَكُمْ،
قَالَ أَحَدُ السَّلَفِ: “عَلِّمْ وَلَدَكَ الْقُرْآنَ، وَالْقُرْآنُ سَيُعَلِّمُهُ كُلَّ شَيْءٍ”،
قَالَ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾ [الإسراء: 9]؛ أَيْ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَعْدَلُ وَأَعْلَى مِنَ الْعَقَائِدِ وَالْأَعْمَالِ وَالْأَخْلَاقِ.
وَقِيلَ لِلْـحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: “فُلَانٌ يَحْفَظُ الْقُرْآنَ”، فَقَالَ: بَلِ الْقُرْآنُ يَحْفَظُهُ!
يَا عِبَادَ اللهِ، وَلِعِلَاجِ مِثْلِ هٰذِهِ الْـمُشْكِلَةِ أَنْصَحُ بِالْآتِي:
تَعَلُّمُ الْـمَهَارَاتِ الْأَسَاسِيَّةِ فِي تَنْمِيَةِ الْـحُبِّ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ؛ كَالْـحَدِيثِ بِلُطْفٍ، وَاحْتِرَامِ شَخْصِيَّةِ الْآخَرِ، وَالتَّعَاوُنِ مَعًا فِي تَرْبِيَةِ الْأَوْلَادِ، وَاتِّخَاذِ الْقَرَارَاتِ مَعًا.
التَّوَقُّفُ عَنِ الْـعَدَائِيَّةِ فِي الْـحِوَارِ؛ فَفِي حَالِ اخْتِلَافِ وُجُوهِ النَّظَرِ يَسْعَى كُلُّ طَرَفٍ إِلَى إِثْبَاتِ رَأْيِهِ، وَأَنَّهُ عَلَى حَقٍّ وَغَيْرُهُ عَلَى بَاطِلٍ.
تَحْدِيدُ وَقْتٍ مُنَاسِبٍ لِلْـخُرُوجِ وَالتَّنَزُّهِ مَعَ الْأُسْرَةِ، مَعَ الْـحِرْصِ عَلَى التَّخْطِيطِ الْـمُسْبَقِ وَالْـجَيِّدِ لِمِثْلِ هٰذِهِ الطَّلَعَاتِ.
الِابْتِعَادُ عَنْ مُتَابَعَةِ الْـمَشَاهِيرِ وَالْـحُلْمِ بِأَنْ يَكُونَ مِثْلَهُمْ، مَعَ الْـعِلْمِ الْـمُسْبَقِ وَالْقَنَاعَةِ بِمَا يَعِيشُهُ الْـمَشْهُورُ مِنْ مُشْكِلَاتٍ أُسَرِيَّةٍ وَأَخْلَاقِيَّةٍ وَاجْتِمَاعِيَّةٍ.
الِابْتِعَادُ عَنِ التَّظَاهُرِ أَمَامَ النَّاسِ بِأَنَّهُ يَعِيشُ عِلَاقَةً زَوْجِيَّةً مِثَالِيَّةً مَلِيئَةً بِالْـحُبِّ، وَخَالِيَةً مِنَ التَّحَدِّيَاتِ الْيَوْمِيَّةِ؛ فَذٰلِكَ يُدْخِلُهُ فِي صِرَاعٍ نَفْسِيٍّ وَمَعَ الطَّرَفِ الْآخَرِ.
الْـحِرْصُ عَلَى عِلَاجِ الْـمَشَاكِلِ الْأُسَرِيَّةِ، وَالْـجُلُوسُ مَعَ الطَّرَفِ الْآخَرِ، أَوِ الِاسْتِعَانَةُ بِمُسْتَشَارٍ صَالِحٍ يُصْلِحُ بَيْنَهُمَا.
أَغْلِقْ جَمِيعَ الْإِشْعَارَاتِ الَّتِي تَأْتِي مِنَ التَّطْبِيقَاتِ، وَامْسَحِ التَّطْبِيقَاتِ الَّتِي تُدْمِنُهَا، ثُمَّ حَدِّدِ الْوَقْتَ الْـمُنَاسِبَ لِاسْتِخْدَامِ وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ.
تَذَكَّرْ دَائِمًا أَنَّ اللهَ يَرَاكَ وَيُرَاقِبُكَ، فَلَا تَجْعَلْهُ أَهْوَنَ النَّاظِرِينَ إِلَيْكَ، وَاسْتَعِنْ بِهِ عَلَى أَنْ يُعِينَكَ عَلَى تَرْكِ الِانْغِمَاسِ فِي الْـمُحَرَّمَاتِ.
أَخِيرًا، انْظُرْ إِلَى حَالِكَ وَحَالِ أُسْرَتِكَ، هَلْ أَنْتَ رَاضٍ بِمَا وَصَلْتَ إِلَيْهِ عِلَاقَتُكَ مَعَ شَرِيكِ حَيَاتِكَ، وَمَعَ أَوْلَادِكَ؟
ابْدَأِ الْآنَ، وَاتْرُكْ أَسْبَابَ الْإِدْمَانِ، وَعُدْ إِلَى بَيْتِكَ وَأُسْرَتِكَ.
العُنْصُرُ الثَّالِثُ: السُّوشْيَال مِيدْيَا بَيْنَ السَّلْبِيَّاتِ وَالْإِيجَابِيَّاتِ وَطُرُقِ الْوِقَايَةِ
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ،
لَقَدِ امْتَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا بِنِعَمٍ كَثِيرَةٍ، ظَاهِرَةٍ وَبَاطِنَةٍ، دِينِيَّةٍ وَدُنْيَوِيَّةٍ،
قَالَ تَعَالَى:
﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ﴾،
سَخَّرَ اللَّهُ لَنَا كُلَّ شَيْءٍ فِي الْكَوْنِ مِنْ أَجْلِ طَاعَتِهِ وَعِبَادَتِهِ،
قَالَ سُبْحَانَهُ:
﴿ أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ﴾،
وَمِنْ شُكْرِ اللَّهِ أَنْ يَسْتَخْدِمَ الْإِنْسَانُ نِعَمَ اللَّهِ فِي الْمُبَاحَاتِ،
وَلَا يَعْصِيَ اللَّهَ بِمَا أَنْعَمَ عَلَيْهِ،
قَالَ جَلَّ وَعَلَا:
﴿ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ ﴾ [البقرة: 243].
أَيُّهَا النَّاسُ،
إِنَّ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيْنَا فِي هَذَا الزَّمَانِ نِعْمَةَ الْجَوَّالَاتِ وَالْإِنْتَرْنِتْ،
تُقَرِّبُ الْبَعِيدَ، وَتَتَّصِلُ بِمَنْ تُرِيدُ،
وَتَتَوَاصَلُ بِالْقَرِيبِ وَالصَّدِيقِ،
وَتَعْرِفُ أَخْبَارَ الْعَالَمِ،
وَتَتَعَلَّمُ مَا يَنْفَعُكَ فِي دِينِكَ وَدُنْيَاكَ،
وَتَنْتَفِعُ بِالْبَرَامِجِ الْمُنَاسِبَةِ،
وَتَسْتَطِيعُ أَنْ تَنْشُرَ الْخَيْرَ فِي وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الْمُتَنَوِّعَةِ.
وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ أَسَاءُوا اسْتِخْدَامَ هَذِهِ النِّعَمِ،
فَاسْتَعْمَلُوهَا فِي الْمَعَاصِي وَالشُّرُورِ وَالشَّهَوَاتِ وَالشُّبُهَاتِ وَالْفِتَنِ،
وَضَلَّ بِسَبَبِهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، رِجَالًا وَنِسَاءً، كِبَارًا وَصِغَارًا،
وَاتَّبَعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ،
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
﴿ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾.
كَمْ ضَاعَ بِسَبَبِ الْهَوَاتِفِ وَالْإِنْتَرْنِتْ وَالشَّاشَاتِ مِنْ شَبَابٍ وَشَابَّاتٍ!
كَمْ فِيهَا مِنْ ضَيَاعٍ لِلْأَوْقَاتِ!
كَمْ حَصَلَ بِسَبَبِهَا مِنْ طَلَاقٍ وَخِلَافَاتٍ!
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ،
إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ أَضْرَارِ الْإِنْتَرْنِتْ وَوَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الْمُتَنَوِّعَةِ:
ضَيَاعُ الْأَوْقَاتِ، وَالْإِدْمَانُ عَلَيْهَا،
فَقَدْ صَارَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ — رِجَالًا وَنِسَاءً، كِبَارًا وَصِغَارًا —
مُدْمِنِينَ عَلَى الْجَوَّالَاتِ، وَمَفْتُونِينَ بِالْإِنْتَرْنِتْ وَالشَّاشَاتِ،
فَيَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ!
عُمُرُ الإِنْسَانِ وَوَقْعُ السُّوشْيَال مِيدْيَا عَلَى الإِيمَانِ وَالْعِبَادَةِ
عُمُرُكَ أَيُّهَا الإِنْسَانُ يَمْضِي يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ، وَشَهْرًا بَعْدَ شَهْرٍ، وَسَنَةً بَعْدَ سَنَةٍ،
فَاغْتَنِمْ حَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ، وَشَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ،
وَلَا تُبَثِّرْ أَوْقَاتَكَ فِي الْـمُلْهِيَاتِ وَالْمُغْرِيَاتِ،
وَلَا تَكُنْ مِمَّنْ يُتَابِعُ الْأَشْرَارَ، وَيَتَوَاصَلُ مَعَ الْفُجَّارِ،
وَيَبْحَثُ عَنِ الأَفْلَامِ الْهَابِطَةِ، وَالصُّوَرِ الْخَلِيعَةِ، وَالْمَوَاقِعِ الإِبَاحِيَّةِ.
وَبَعْضُهُمْ يَصِلُ بِهِ الْحَالُ إِلَى الْفُسُوقِ وَالْعِصْيَانِ،
وَرُبَّمَا إِلَى الْكُفْرِ وَالإِلْحَادِ،
بِسَبَبِ مُتَابَعَةِ الْفَسَقَةِ الْفَجَرَةِ، وَشَيَاطِينِ الإِنْسِ الضَّالِّينَ الْمُضِلِّينَ،
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
﴿ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ﴾
بِأَحْوَالِهِمْ وَأَقْوَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ،
وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ.
سَاءَتِ الأَخْلَاقُ، وَشَاعَتِ الْفَوَاحِشُ،
وَانْتَشَرَتِ الْجَرَائِمُ،
بِسَبَبِ مُشَاهَدَةِ الأَفْلَامِ الْخَلِيعَةِ،
وَالـمُسَلْسَلَاتِ الْمَاجِنَةِ،
وَالدُّخُولِ فِي الْـمَوَاقِعِ الْـمُحَرَّمَةِ،
وَالتَّوَاصُلِ مَعَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ
مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ الْغَافِلِينَ وَالْغَافِلَاتِ.
قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ:
﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا * يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا ﴾.
فَلِمَاذَا تَجَرَّأَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ عَلَى الْـمُحَرَّمَاتِ،
وَتَهَاوَنُوا فِي الْمُحَافَظَةِ عَلَى الصَّلَوَاتِ؟
إِنَّهُ بِسَبَبِ هَذِهِ الْـفِتْنَةِ الْعَظِيمَةِ فِتْنَةِ الْـجَوَّالَاتِ وَالإِنْتَرْنِتِ وَأَلْعَابِ الشَّبَكَةِ، وَوَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الْمُخْتَلِفَةِ —
ضَعُفَ الإِيمَانُ، وَقَلَّ الْـحَيَاءُ،
وَاعْتَادَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ عَلَى السَّهَرِ، فَضَيَّعُوا صَلَاةَ الْفَجْرِ فِي وَقْتِهَا،
وَوَصَلَ الْـحَالُ بِبَعْضِهِمْ إِلَى تَرْكِ الصَّلَوَاتِ،
وَهَجْرِ الْـجُمُعَاتِ وَالْـجَمَاعَاتِ،
وَأَعْرَضُوا عَنْ تِلَاوَةِ كِتَابِ اللَّهِ،
وَابْتَعَدُوا عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ الَّذِي خَلَقَنَا لِعِبَادَتِهِ،
فَمَا أَعْظَمَهَا مِنْ فِتْنَةٍ!
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ﴾.
يَا وَيْلَهُمْ مِنَ اللَّهِ الْعَظِيمِ الْـجَبَّارِ،
هُوَ يَرَاهُمْ وَيُمْهِلُهُمْ،
وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ،
وَفِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ،
ثُمَّ يَأْخُذُهُم أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ، فَيَنْدَمُونَ،
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ * كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ، الْحَذَرَ الْحَذَرَ مِنْ مَفَاسِدِ الْجَوَّالَاتِ وَالْإِنْتِرْنِتِ وَوَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الْمُخْتَلِفَةِ، فَهِيَ فِتْنَةُ الْعَصْرِ الْكُبْرَى، وَفِيهَا كُلُّ شَرٍّ وَبَلْوَى، وَشَرُّهَا أَكْثَرُ مِنْ خَيْرِهَا، فَاسْتَعْمِلْهَا بِحَذَرٍ شَدِيدٍ، بِقَدْرِ الْحَاجَةِ وَلَا تَزِدْ، {{وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ}}، {{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}}.
فَالْإِسْلَامُ دِينُ الْأَخْلَاقِ وَالْآدَابِ، وَلِكُلِّ شَيْءٍ أَدَبٌ وَذَوْقٌ وَأَخْلَاقٌ، عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يُرَاعِيَهَا، وَسَنَذْكُرُ فِي هَذَا اللِّقَاءِ جَانِبًا مِنَ الْآدَابِ وَطُرُقِ الْوِقَايَةِ لِلِاسْتِخْدَامِ الْأَمْثَلِ لِلْهَاتِفِ وَمَوَاقِعِ التَّوَاصُلِ.
وَمِنْهَا
عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَسْتَعْمِلَ هَذِهِ الْوَسَائِلَ الْحَدِيثَةَ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ بِلَا زِيَادَةٍ، وَيَسْتَعْمِلَهَا فِيمَا يَنْفَعُهُ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ بِأَدَبٍ وَذَوْقٍ، فَإِذَا أَرَادَ مَثَلًا أَنْ يَتَّصِلَ بِالْهَاتِفِ فَلْيَتَأَكَّدْ مِنْ صِحَّةِ الرَّقْمِ الْمَطْلُوبِ حَتَّى لَا يُزْعِجَ الْآخَرِينَ، وَيَتَّصِلَ فِي وَقْتٍ مُنَاسِبٍ، فَإِنْ لَمْ يُجِبْ صَاحِبُهُ فَلْيُرْسِلْ لَهُ رِسَالَةً نَصِّيَّةً، وَيَبْدَأَ الْمُتَّصِلُ كَلَامَهُ بِالسَّلَامِ، وَيُجِيبَهُ الْآخَرُ بِرَدِّ السَّلَامِ، وَلَا يُطِيلُ الْكَلَامَ بِلَا حَاجَةٍ، وَيَخْتِمْ كَلَامَهُ بِالسَّلَامِ.
وَلْتَكُنْ رَنَّةُ الْهَاتِفِ مُبَاحَةً مُنَاسِبَةً، لَيْسَ فِيهَا مَعَازِفُ، وَلَا تَكُنْ مُزْعِجَةً، وَلَا يَجُوزُ التَّوَاصُلُ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ بِلَا ضَرُورَةٍ أَوْ حَاجَةٍ كَاسْتِفْتَاءِ عَالِمٍ أَوِ اسْتِشَارَةِ طَبِيبٍ، مَعَ عَدَمِ خُضُوعِ الْمَرْأَةِ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ.
وَعَلَى الْمَرْأَةِ إِنْ جَاءَهَا اتِّصَالٌ مِنْ رَقْمٍ غَرِيبٍ أَنْ لَا تُبَادِرَ بِإِجَابَتِهِ، وَإِنْ عَلِمَتْ أَنَّهُ سَفِيهٌ فَلْتَعْمَلْ حَظْرًا فَلَا يَسْتَطِيعَ الِاتِّصَالَ بِهَا مَرَّةً أُخْرَى.
وَلْتَحْذَرِ الْمُسْلِمَةُ مِنَ الِانْشِغَالِ بِالْهَاتِفِ فَتُقَصِّرَ فِي الْأَعْمَالِ الْمَنْزِلِيَّةِ، وَلْتَحْذَرْ مِنْ مُتَابَعَةِ الْمُسَلْسَلَاتِ وَالْأَفْلَامِ وَالْمَوْضَاتِ الَّتِي تُفْسِدُ الْأَخْلَاقَ وَالْفِطْرَةَ.
وَلْيَحْذَرْ كُلُّ مُسْلِمٍ وَمُسْلِمَةٍ مِنْ تَضْيِيعِ الْوَقْتِ مَعَ الْهَاتِفِ وَالْإِنْتِرْنِتِ وَالشَّاشَاتِ فِيمَا لَا يَنْفَعُ فِي دِينِهِ وَلَا دُنْيَاهُ، وَلَا بَأْسَ بِالتَّرْفِيهِ عَنِ النَّفْسِ أَحْيَانًا بِالْمُبَاحَاتِ مِنْ غَيْرِ إِسْرَافٍ.
وَلْيَحْذَرْ أَنْ تُشْغِلَهُ هَذِهِ الْوَسَائِلُ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فِي أَوْقَاتِهَا، أَوْ عَنْ صَلَاةِ النَّافِلَةِ وَتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ، وَلْيَحْذَرِ الْعَاقِلُ مِنْ تَضْيِيعِ وَقْتِهِ فِي الْأَلْعَابِ وَالدَّرْدَشَاتِ التَّافِهَةِ، وَلْيَحْذَرِ الْمُسْلِمُ مِنَ السَّهَرِ فَتَفُوتَهُ صَلَاةُ الْفَجْرِ جَمَاعَةً.
فَالْمُؤْمِنُ الْمُوَفَّقُ يُسَارِعُ فِي الطَّاعَةِ، وَيَغْتَنِمُ شَبَابَهُ قَبْلَ هَرَمِهِ، وَفَرَاغَهُ قَبْلَ شُغْلِهِ، وَحَيَاتَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ، فَلَا تُلْهِيهِ هَذِهِ الْوَسَائِلُ عَنِ التَّقَرُّبِ إِلَى رَبِّهِ بِالْعِبَادَةِ، وَطَلَبِ الْعِلْمِ النَّافِعِ وَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَإِتْقَانِ الْأَعْمَالِ الدُّنْيَوِيَّةِ النَّافِعَةِ لِنَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَمُجْتَمَعِهِ.
غَضُّ الْبَصَرِ عَنِ الْحَرَامِ، فَالْجَوَّالَاتُ وَوَسَائِلُ التَّوَاصُلِ وَالْإِعْلَامِ مَعَ كَوْنِهَا نِعْمَةً عَظِيمَةً إِلَّا أَنَّهَا تَشْتَمِلُ عَلَى فِتَنٍ عَظِيمَةٍ، وَمَفَاسِدَ كَثِيرَةٍ، وَفِيهَا دُعَاةٌ إِلَى الشَّهَوَاتِ وَالشُّبُهَاتِ، فَلْيَعْتَزَّ الْمُسْلِمُ بِإِيمَانِهِ، وَلْيَكُنْ مِمَّنْ وَصَفَهُمُ اللَّهُ بِقَوْلِهِ: {{وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا}}، وَقَوْلِهِ: {{وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ}}.
وَاللَّغْوُ كُلُّ مَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ، مِثْلُ: الْأَفْلَامِ الْخَلِيعَةِ، وَالْمُسَلْسَلَاتِ الْفَاجِرَةِ، وَالْمُبَارَيَاتِ الْمُلْهِـيَةِ، وَالدَّرْدَشَاتِ التَّافِهَةِ، وَالْمَقَاطِعِ الْخَيَالِيَّةِ الْكَاذِبَةِ، وَالْأَلْعَابِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى الْمُخَالَفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ، الَّتِي تَتَضَمَّنُ مَا يُفْسِدُ الْعَقِيدَةَ وَالْأَخْلَاقَ وَالْعُقُولَ وَالْفِطْرَةَ.
الْخَوْفُ مِنَ اللَّهِ عِنْدَ الْخَلَوَاتِ، فَعِنْدَ الْخَلْوَةِ بِهَذِهِ الْوَسَائِلِ يَتَبَيَّنُ الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ صَاحِبُ الْقَلْبِ السَّلِيمِ الْمُنِيبِ الَّذِي لَا يَطْمَئِنُّ إِلَّا بِذِكْرِ اللَّهِ، وَضَعِيفُ الْإِيمَانِ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضُ الشَّهَوَاتِ، فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ مِنْ ذُنُوبِ الْخَلَوَاتِ، فَإِنَّهَا أَعْظَمُ أَسْبَابِ النِّفَاقِ وَالِانْتِكَاسَاتِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي بَعْضِ السَّيِّئَاتِ فَلْيُبَادِرْ إِلَى التَّوْبَةِ، وَاللَّهُ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ.
تَقْوَى اللَّهِ فِي السِّرِّ وَالْعَلَنِ، وَالسَّفَرِ وَالْحَضَرِ، فَمَنْ اتَّقَى اللَّهَ كَفَاهُ وَأَسْعَدَهُ، وَإِذَا صَلَحَ الْقَلْبُ صَلَحَتِ الْجَوَارِحُ، فَعَلَى مُسْتَخْدِمِ هَذِهِ الْوَسَائِلِ أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ فِي سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ وَلِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَلْيَتَّقِ اللَّهَ فِيمَا يَقُولُ وَيَكْتُبُ، وَلْيَحْذَرْ مِنْ إِيذَاءِ الْمُسْلِمِينَ بِالْغِيبَةِ أَوِ النَّمِيمَةِ أَوِ الْكَذِبِ، وَلْيَحْرِصْ عَلَى التَّبَيُّنِ وَالتَّثَبُّتِ فِي الْأَخْبَارِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}}.
وَأَكْثَرُ نَقَلَةِ الْأَخْبَارِ الْيَوْمَ لَيْسُوا مُؤْتَمَنِينَ، وَأَغْلَبُهُمْ مَجْهُولُونَ، لَا يَجُوزُ الْجَزْمُ بِأَخْبَارِهِمُ الَّتِي لَا يَتَوَاطَؤُونَ عَلَيْهَا، وَكَثِيرًا مَا يَكْتَفُونَ بِمَصْدَرٍ وَاحِدٍ غَيْرِ مَوْثُوقٍ، وَقَدْ يَزِيدُونَ فِي الْخَبَرِ الصَّحِيحِ مَا لَيْسَ مِنْهُ.
وَلْيَحْذَرِ الْعَاقِلُ مِنَ التَّصْدِيقِ بِكُلِّ مَا يَرَاهُ وَيَسْمَعُهُ فِي الشَّاشَاتِ وَالْإِذَاعَاتِ، فَمَا أَكْثَرَ الْكَذِبَ وَالْخِدَاعَ وَالتَّضْلِيلَ وَالتَّهْوِيلَ فِي هَذَا الزَّمَانِ عَلَى الْمُشَاهِدِينَ وَالْمُسْتَمِعِينَ، لَا سِيَّمَا بَعْدَ ظُهُورِ الذَّكَاءِ الِاصْطِنَاعِيِّ الَّذِي يَسْتَعْمِلُهُ بَعْضُ النَّاسِ فِي الشَّرِّ وَالتَّدْلِيسِ، وَمِنْ عَلامَاتِ السَّاعَةِ: انْتِشَارُ الْكَذِبِ، وَتَصْدِيقُ الْكَاذِبِ.
الحِرْصُ عَلَى الاسْتِفَادَةِ مِنْ هَذِهِ الْوَسَائِلِ فِيمَا يَنْفَعُ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا، وَالْحِرْصُ عَلَى مُتَابَعَةِ الْعُلَمَاءِ وَالدُّعَاةِ وَالصَّالِحِينَ الْحَرِيصِينَ عَلَى نَفْعِ الْمُسْلِمِينَ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، وَالإِعْرَاضُ عَنْ مُتَابَعَةِ التَّافِهِينَ وَالتَّافِهَاتِ، وَالضَّائِعِينَ وَالضَّائِعَاتِ، وَلَا يَكُنْ مِمَّنْ يُكْثِرُ مُتَابِعِيهِمْ وَمُشَاهِدِيهِمْ فَيُشَجِّعُهُمْ عَلَى الاسْتِمْرَارِ عَلَى بَاطِلِهِمْ وَغَفْلَتِهِمْ، وَلْيَكُنْ مِنَ الدُّعَاةِ إِلَى اللهِ فِي هَذِهِ الْوَسَائِلِ وَلَوْ بِالنَّشْرِ وَالدَّلَالَةِ عَلَى الْخَيْرِ.
وَلْيَحْرِصْ عَلَى الاسْتِفَادَةِ مِنَ التَّطْبِيقَاتِ الْمُتَنَوِّعَةِ النَّافِعَةِ الَّتِي يُمْكِنُهُ تَنْزِيلُهَا فِي هَاتِفِهِ، كَتَطْبِيقَاتِ تَعْلِيمِ تَجْوِيدِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ وَتَفْسِيرِهِ كَتَطْبِيقِ (سُورَة)، وَتَطْبِيقِ (الْمُصْحَفِ الْمُعَلِّمِ)، وَتَطْبِيقَاتِ الأَذْكَارِ، وَتَطْبِيقِ (جَامِعِ الْكُتُبِ التِّسْعَةِ)، وَغَيْرِهَا مِنَ التَّطْبِيقَاتِ الْعِلْمِيَّةِ الْمُتَنَوِّعَةِ.
وَيَسْتَفِيدُ مِنَ الْقَنَوَاتِ وَالْمَوَاقِعِ الإِسْلَامِيَّةِ الَّتِي تَزِيدُ النَّاظِرَ فِيهَا إِيمَانًا وَعِلْمًا وَعَمَلًا صَالِحًا، وَيَجِدُ فِيهَا مَنْ يُذَكِّرُهُ بِاللهِ وَيُعَلِّمُهُ، وَيَنْصَحُهُ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ، وَهِيَ بِحَمْدِ اللهِ كَثِيرَةٌ وَلَا حَصْرَ لَهَا.
الحَذَرُ مِنَ الْمُشَارَكَةِ فِي الْمُسَابَقَاتِ وَالْمَوَاقِعِ الْمَشْبُوهَةِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى الْقِمَارِ وَالْغَرَرِ وَالْخِدَاعِ، وَعَدَمُ الاغْتِرَارِ بِالْمَوَاقِعِ التِّجَارِيَّةِ الْمَجْهُولَةِ، وَالرَّسَائِلِ الْخَادِعَةِ، وَالإِعْلَانَاتِ الْجَذَّابَةِ الْمُتَنَوِّعَةِ، وَعَدَمُ التَّطَفُّلِ بِالنَّظَرِ فِي الْمَوَاقِعِ الْمُحَرَّمَةِ، وَمِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ.
الدُّعَاءِ
اللَّهُمَّ أَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا وَحَبِّبْنَا فَى بَعْضِنَا وَانْزِعْ الشَّحْنَاءَ وَالْبَغْضَاءَ مِنْ قُلُوبِنَا وَانْشُرْ الْأَمْنَ وَالْأَمَانَ فَى بِلَادِنَا وَسَائِرِ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ وَارْفَعْ الْبَلَاءَ وَالْغَلَاءَ عَنَّا اللَّهُمَّ انْصُرْ إِخْوَانَنَا الْمُسْتَضْعَفِينَ فَى بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِوَالِدَيْنَا كَمَا رَبَّيَانَا صِغَارًا اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُمَا وَارْحَمْهُمَا يَارِبَ الْعَالَمِينَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ وَارْحَمْ مَشَايِخَنَا وَعُلَمَائِنَا وَإِلَى كُلِّ مَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ عَلَيْنَا يَارِبَ الْعَالَمِينَ
وَأَقُمْ الصَّلَاةُ