الأزهر حصن الوحدة المصرية


بقلم : أ.د. محمد سعيد محمد الرملاوي
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون بالقاهرة

ونائب رئيس مجمع الفقه الإسلامي الدولي بكندا

يُعَدّ الأزهر الشريف من أعرق المؤسسات الإسلامية في العالم، ومن أقدم الجامعات القائمة والمستمرة في أداء رسالتها حتى اليوم، وقد تأسس الجامع الأزهر عام ٣٥٩هـ – ٩٧٠م، على يد القائد جوهر الصقلي، بأمر من الخليفة الفاطمي المعز لدين الله الفاطمي، وذلك بعد دخول الفاطميين مصر، واكتمل بناؤه في عام ٣٦١هـ – ٩٧٢م، أي خلال فترة وجيزة لم تتجاوز عامين.

لقد كان الأزهر الشريف ولا يزال وسيظل – بإذن الله – صمام الأمان الذي حفظ وحدة المصريين، ولولا الأزهر الشريف، لتمزَّقت لُحمة الأمة المصرية بين الأهواء، وتفرَّق الناس شِيَعًا وأحزابا وفِرَقا، ولأصبح لكل فرقة أو طائفة أو حزب وجهةٌ غيرُ الأخرى هي مُولّيتها، ولسعت كل جماعة أو طائفة أو فرقة إلى استيراد دينها من وراء الحدود المصرية، ولصار للدين الواحد ألوانٌ شتّى من التوجُّهات، والأهواء، والأغراض ولَاخْتَلَطَ الحابل بالنابل، ولرأينا بأم أعيننا، داخل المجتمع المصري، أصواتا متنافرة، وشعارات متضادة؛ لا يجمعها منهج ولا توحِّدها عقيدة، بل يُبَعْثِرُهَا التِّيهُ الفكري، والفراغ الروحي، فحين تغيب المرجعيات الرشيدة، يختلط الحق بالباطل، والحابل بالنابل.

لقد كان الأزهر الشريف، وما زال، وسيظل – بإذن الله – القلب النابض بعقيدة الأمة المصرية، والعقل الحارس لفكرها، والصوت المعتدل الذي يلمُّ الشتات، ويُطفئ نار الفتنة والانحراف.

فالأمة المصرية ما حافظت على وحدتها الدينية والفكرية إلا بأزهرها الشريف، ذاك الصرح العتيق، والحصن الشامخ، الذي يحمل عبق التاريخ، والذي بقي عبر القرون والأزمان موحِّدًا للصف، حافظًا للهوية، حاميًا للعقيدة من غوائل التطرّف والانحراف.

اليوم، ونحن نعيش في عالمٍ تتصارع فيه الأصوات والتيارات، وتعلو فيه نزعات التطرف والانفلات، وتخفت فيه معالم الفهم الصحيح للدين، يبقى الأزهر الشريف نموذجا فريدا في قدرته على الجمع بين الأصالة والمعاصرة، والتمسك بالثوابت الشرعية إلى جانب فقه الواقع وتحديات العصر، الأمر الذي يجعله ركيزة أساسية في صون هوية الأمة المصرية، وتعزيز استقرارها الفكري والمجتمعي.

لذا، لم يكن انتقال الأزهر الشريف من المحليَّة إلى آفاق العالميّة محض صدفة، بل ثمرة قرونٍ من العطاء المتواصل، والعلم الراسخ، والتنوير المستنير.

يا أبناء مصر اقرؤوا عن الأزهر الشريف، لتعرفوا التاريخ، وتدركوا عظمة هذا الصرح العريق، الذي لا يزال ينطق بالحكمة، ويضيء دروب الأمّة، تعرَّفوا عليه، لتدركوا كيف حمى الدين، وصان الهوية المصرية، وواجه الجهل والتطرف بالحكمة والعلم.

حفظ الله مصر، شعبا، وجيشا، وأزهراً