من مقاصد الشريعة:إصلاح ذات البيْن


سلسلة : مقالات في الفقه الإسلامي المعاصر

بقلم الأستاذ : مهدى صالحى

إنّه في خضمّ الثورة التقنية المعاصرة طغت على العلاقات الإنسانية على الصعيدين الاجتماعي والأسري أزمات لم تثمر إلامفاسد كبرى تخلّ بالنظام وتتعارض مع مقصد الفطرة،ورغم تقلّص المسافات في هذه اللحظة فقد سادت المصالح الذاتية على المصالح الشرعية ممّا يتطلب إيجاد بدائل عملية لمعالجة الأزمة بالتوعية المقاصدية المصلحية بقيمة الاستقرار الأسري والاجتماعي بما أنه مصلحة عامة وضرورية تؤسسها النصوص.

وقد أجمع فقهاء المقاصد على أن المصلحة هي الحكمة المتغياة من التشريع وعلى أن الاستصلاح هو العمل بهذه المصلحة المقصودة شرعا إضافة إلى أنه عدّ الشيء صالحا أي فيه نفع وصلاح؛فما من حكم تكليفي إلاّ وقد عُلّل بجلب منفعة ومصلحة وكلّ مايصلح لأحوال المكلّفين في الدارين. ولهذا الغرض فإنّ بعثة النبوة تتمثل في ذلك الدور التأسيسي الإصلاحي بمناهضة المفاسد ودرءها قال تعالى :”إن أريد إلاّ الإصلاح ما استطعت”

والإصلاح أو الصلاح والأصلح والمصلحة كلها عبارات جامعة للمنحى المقاصدي وهو النهوض بالواقع الإنساني بانتشاله من بؤر الفساد إلى دائرة الصلاح،حيث يمثل الإصلاح مقصدا شرعيا تؤكده نصوص الوحي التي تنزّلت منجَّمة عبر مراحل رفقا بالعقل البشري للارتقاء بالوعي الاجتماعي بتحريره من غياهب التقليد والنزعات الجاهلية كالعصبية القبلية والحروب الدموية في الواقع العربي الجاهلي،فكان لتنزيل الوحي الأبعاد المقاصدية البنائية بإلغائه للمفارقات الاجتماعية مع اعتبارها مفاسد كبرى تضرّ بكيان الإنسانية.

ولذلك توخّى النبي ﷺ مبدأ المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار قصد تثبيت الأخوة في الضمير الإسلامي ونبذ النزعة العدوانية بين الإنسان وأخيه الإنسان يقول تعالى :إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتّقوا الله لعلّكم ترحمون” ويقول ﷺ:لايحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث،يلتقيان فيُعرض هذا ،ويُعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام.”

وفي سياق مبدأ الأخوة الإنسانية والإصلاح بين الأفراد والجماعات فإنّ هذه القيم الحضارية الأخلاقية التي هي من صميم المقاصد لهي السبيل لبناء فضاء حضاري يسوده ذلك النظام الاجتماعي المؤلّف لمقصد فطرة التكوين الإنساني الذي لايقبل الانخرام، وحفظا لهذا المقصد التشريعي التكويني فإنّ الإصلاح الاجتماعي من القيم الحضارية المقترنة بتلك المصالح الشرعية من النصوص مع أنّ الوحي يعتبرها مصلحة ثابتة يتحقق في ضوئها ذلك الاستقرار والنظام مصداقا لقوله تعالى:”والصلح خير” أي أنه مصلحة كبرى ومنفعة.