مَعَ سَيِّدِنَا الإمامِ عَلِىٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ


من ديوان أهل الذكر لسيدي برهان الدين أبو الإخلاص رضي الله عنه

يقدمها لكم : الشيخ السيد محمد البلبوشي
خويدم الطريقة الإخلاصية – خطيب بوزارة الأوقاف

يَقُولُ الْمُصْطَفى الأكرمُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ :” مَنْ سَرَّهُ أَن يَحْيَا حَيَاتِى وَيَمُوتَ مَمَاتِى وَلْيَسْكُنَ جَنَّةَ عَدْنٍ التى غَرَسَهَا رَبِّى فَلْيُوَالِى عَلَيَّاً مِنْ بَعْدِى ، وَلْيُوَالِى وَلِيَّهُ وَلْيَعْتَقِدْ بِأَهْلِ بَيْتِى مِنْ بَعْدِى خُلِقُوا مِنْ طِينَتِى وَرُزِقُوا فَهْمِى وَعِلْمِى فَوَيْلٌ لِلْمُكَذِّبِينَ بِفَضْلِهِمْ مِنْ أُمَّتِى الْقَاطِعِينَ فِيهِمْ حِلْيَتِى لَا أَنَالَهُمْ اللهُ شَفَاعَتِى” .

وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لَهُ :” عَلِىٌّ مِنِّى وَأَنَا مِنْ عَلِىٍّ وَلَا يَقُومُ عَنِّى إلّا عَلِىٌّ “.

وَلِقَوْلِهُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لَهُ :” يا عَلِىُّ أَنْتَ مِنِّى بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إلّا أَنَّهُ لَا نَبىَّ بَعْدِى” .

وَيَقُولُ الزَّمَخْشَـرِىُّ فى الْكَشَّافِ ، وَالْفخرُ الرّازىّ فى الْكَبِيرِ ، يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : “مَنْ مَاتَ عَلَى حُبِّ آلِ مُحَمَّدٍ مَاتَ شَهِيدَاً ، أَلَا وَمَنْ مَاتَ عَلَى حُبِّ آلِ مُحَمَّدٍ مَاتَ مَغْفُورَاً لَهُ ، أَلَا وَمَنْ مَاتَ عَلَى حُبِّ آلِ مُحَمَّدٍ مَاتَ تَائِبَاً ، أَلَا وَمَنْ مَاتَ عَلَى حُبِّ آلِ مُحَمَّدٍ مَاتَ مُؤْمِنَاً مُسْتَكْمِلَ الإيمانِ ، أَلَا وَمَنْ مَاتَ عَلَى حُبِّ آلِ مُحَمَّدٍ بَشَّـرَهُ مَلَكُ الْمَوْتِ بِالْجَنَّةِ ، ثُمَّ مُنَكَرٌ وَنَكِيرٌ ، أَلَا وَمَنْ مَاتَ عَلَى حُبِّ آلِ مُحَمَّدٍ يُزَّفُ إِلَى الْجَنَّةِ كَمَا تُزَّفُ الْعَرُوسُ إِلَى بَيْتِ زَوْجِهَا ، أَلَا وَمَنْ مَاتَ عَلَى حُبِّ آلِ مُحَمَّدٍ فُتِحَ لَهُ فى قَبْرِهِ بَابَانِ إِلَى الْجَنَّةِ ، أَلَا وَمَنْ مَاتَ عَلَى حُبِّ آلِ بَيْتِ مُحَمَّدٍ مَاتَ عَلَى السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ. أَلَا وَمَنْ مَاتَ عَلَى بُغْضِ آلِ مُحَمَّدٍ مَاتَ كَافِرَاً ، أَلَا وَمَنْ مَاتَ عَلَى بُغْضِ آلِ مُحَمَّدٍ لَمْ يَشُمّ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ “.

وَيُرْوَى عَنْ سَيِّدِنَا الْحَسَنِ بْنِ الإمامِ عَلِىٍّ (رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُمَا)

قَالَ :” أَوْصَانِى أَبِى (كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ) قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلاثِينَ خَصْلَةٍ قَالَ : يا بُنَىّ إِنْ أَنْتَ عَمِلْتَ بِهَا سَلَّمَكَ اللهُ مِنْ شَرِّ الدُّنْيا والآخرةِ ، قَالَ: قُلْتُ: وَمَا هِىَ يا أَبَهْ ؟
فَقَالَ : احْذَرْ مِنَ الأمورِ ثَلاثَاً ، وَخَفْ مِنْ ثَلَاثٍ ، وَارْجُ ثَلاثَاً ، وَوَافِقْ ثَلاثَاً ، واستحِ مِنْ ثَلاثٍ وَاِفْزَعْ إِلَى ثَلاثٍ ، وَشُحَّ عَلَى ثَلاثٍ ، وَتُخْلِصْ إِلَى ثَلاثٍ ، وَاهْرَبْ مِنْ ثَلاثٍ ، وَجَانِبْ ثَلاثَاً يَجْمَعْ اللهُ لَكَ بِذَلِكَ حُسْنَ السِّيَرَةِ فى الدّنيا والآخرة . فَأَمَّا الذى أَمرْتُكَ أَنْ تَحْذَرَهَا فَاحْذَرْ الْكِبْرَ وَالْغَضَبَ وَالطَّمَعَ .

فَأَمَّا الْكِبْرُ فَإِنَّهُ خَصْلَةٌ مِنْ خِصَالِ الأشرارِ ، وَالْكِبْرِيَاءُ رِدَاءُ اللهِ (عَزَّ وَجَلَّ) ، وَمَنْ أَسْكَنَ اللهُ قَلْبَهُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ أَوْرَدَهُ النَّارَ .
وَالْغَضَبُ يُسَفِّهُ الْحَلِيمَ وَيُطِيشُ الْعَالِمَ وَيُفْقِدُ مَعَهُ الْعَقْلَ وَيُظْهِرُ مَعَهُ الْجَهلَ .
وَالطَّمَعُ فَخٌّ مِنْ فِخَاخِ إبليسَ وَشَرَكٌ مِنْ عَظِيمِ اختِبَالِهِ . يَصِيدُ بِهِ الْعُلماءَ وَالْعُقَلاءَ وَأَهْلَ الْمَعْرِفَةِ وَذَوِى الْبَصائِرِ ، قَالَ قُلْتُ صَدَقْتَ يَا أبَهْ . فَأَخبرنِى عَنْ قَوْلِكَ خَفْ ثَلَاثَاً . قَالَ : نَعَمْ يابُنَىّ خَفِ اللهِ وَخَفْ مَن لَا يَخَافُ اللهَ وَخَفْ لِسَانَكَ فَإنهُ عَدوُّكَ عَلَى دِينِكَ ، يُؤَمِّنْكَ اللهُ جَمِيعَ مَا خِفْتَهُ .
قَالَ: صَدَقْتَ يَا أَبَهْ. فأخبرنى عَنْ قَوْلِكَ وَارْجُ ثَلاثَاً ، قَالَ : يا بُنَىّ ارْجُ عَفْوَ اللَّهِ عَنْ ذُنُوبِكَ ، وَارْجُ مَحَاسِنَ عَمَلِكَ ، وَارْجُ شفاعَةَ نَبِيِّكَ “عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسّلامُ” ،

قُلْتُ: صَدَقْتَ يَا أَبَهْ . فَأَخْبرنِى عَنْ قَوْلِكَ وَافِقِ ثَلاثَاً ، قَالَ : يَا بُنَىّ وَافِقْ كِتَابَ اللهِ وَوَافِقْ سُنَّةَ نَبِيِّكَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسّلَامُ ، وَوَافِقْ مَا يُوَافِقُ الْحَقَّ وَالْكِتَابَ ، قُلْتُ: صَدَقْتَ يَا أَبَهْ . فَأَخْبِرنِى عَنْ قَوْلِكَ وَاسْتَحِ مِنْ ثَلاثِ ، قَالَ : نَعَم يا بُنَىّ . اسْتَحِ مِنْ مُطَالَعَةِ اللهِ إِيَّاكَ وَأَنْتَ مُقِيمٌ عَلَى مَا يَكْرَهُ . واسْتَحِ مِنَ الْحَفَظَةِ الْكِرامِ الْكَاتِبِينَ ، واستحِ مِنْ صَالِحِ الْمُؤْمِنِينَ ، قَالَ: صَدَقْتَ يا أَبَهْ . فأخبرنى عَنْ قَوْلِكَ افْزَعْ إِلَى ثَلاثِ . قَال : نَعَم افْزَعْ إِلَى اللهِ فى مُلِمَّاتِ أَمُورِكَ ، وَافْزَعْ إِلَى التَّوْبَةِ مِنْ مَسَاوِئِ عَمَلِكَ ، وَافْزَعْ إِلَى أَهْلِ الْعِلمِ وَأَهْلِ الأدَبِ ، قُلْتُ: صَدَقْتَ يا أَبَهْ . فأخبرنى عَنْ قَوْلِكَ شُحَّ عَلَى ثَلاثِ . قَالَ : نَعَم شُحَّ عَلَى عُمْرِكَ أَنْ تُفْنِيَهُ فِيمَا هُوَ عَلَيكَ لَا لَكَ ، وَشُحَّ عَلَى دِينِكَ وَلَا تَبْذُلْهُ لِلْغَضَبِ ، وَشُحَّ عَلَى كَلاَمِكَ إلّا مَا كَانَ لَكَ لَا عَلَيكَ . قُلْتُ: صَدَقْتَ يا أَبَهْ . فأخبرنى عَنْ قَوْلِكَ تُخْلِصْ إِلَى ثَلاثٍ . قَالَ : نَعَم يا بُنَىّ تُخْلِصْ إِلَى مَعْرِفَتِكَ نَفْسَكَ وإِظْهَارِ عُيُوبِهَا ، وَمَقْتِكَ إِيَّاهَا ، وَتُخْلِصْ إِلَى تَقْوَى اللَّهِ، ثُمَّ تُخْلِصْ إِلَى إِخْمَالِ نَفْسِكَ وإخْفَاءِ ذِكْرِكَ قُلْتُ: صَدَقْتَ يا أَبَهْ . فأخبرنى عَنْ قَوْلِكَ وَاهْرَبْ مِنْ ثَلاثٍ . قَالَ : نَعَمْ يا بُنَىّ . اهْرَبْ مِنَ الْكَذِبِ ، وَاهْرَبْ مِنَ الظّالِمِ وَإِنْ كَانَ وَلَدَكَ أَوْ وَالِدَكَ ، وَاهْرَبْ مِنْ مَوَاطِنِ الْامْتِحَانِ التى يَحْتَاجُ فِيهَا إِلَى صَبْرِكَ ، قُلْتُ: صَدَقْتَ يا أَبَهْ . فأخبرنى عَنْ قَوْلِكَ جَانِبْ ثَلاثَا . قَالَ نَعَمْ يا بُنَىّ جَانِبْ هَوَاكَ وَأَهْلَ الأَهْوَاءِ . وَجَانِبِ الشَّـرَّ وَأَهْلَ الشَّـرِّ وَجَانِبِ الْحمقَى وَإِنْ كَانُوا مُتَقَرِّبِينَ وَالسّلامُ “.

وَفِى الصَّحِيحِ أَنَّ مَلِكَ الرُّومِ بَعَثَ رَسُولَاً إِلَى الْمَدِينَةِ وَدَفَعَ إِلَيهِ مَالَاً كَثِيرَا وَقَالَ لَهُ: “ادْفَعْهُ إِلَى

مُحَمَّدٍ فَإِن لَمْ تَلْحَقْهُ فَسَلْ عَنْ وَصِيِّهِ ، فَإِنْ دَلُّوكَ عَلَيهِ فَاسْأَلْهُ عَنْ ثَلاثِ مَسَائِلَ إِنْ أَجَابَكَ فِيهَا فَادْفَعْ إِلَيهِ الْمَالَ “.

فَوَافَى الرَّجُلُ الْمَدِينَةَ وَقَدْ تُوُفِّىَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ . فَسَأَلَ عَنْ وَصِيِّهِ فَدَلُّوهُ عَلَى أَبِى بَكْرٍ الصَّدِيقِ ( رَضِىَ اللَّهُ عَنْه) ، وَلَمَّا سَأَلَهُ الرَّجُلُ عَنِ الْمَسَائِلِ الثَّلاثِ غَضِبَ وَقَالَ لَهُ :” وَيْلَكَ لَقَدِ ازدَدْتَ كُفْرَاً إِلَى كُفْرِكَ” ، فَدَلُّوهُ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ( رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيه) فَقَالَ لَهُ: بِمِثْلِ مَا قَالَ أَبُو بِكْرٍ ، فَقَالَ ابْنُ عباسٍ: “مَا أَنْصَفْتُمَا الرَّجُلَ سَأَلَكُمَا عَنْ مَسَائِلَ لَمْ تُجِيبَاهُ وَلَمْ تَقُولَا لَهُ لَا نَعْلَمُ ثُمَّ غَضِبْتُمَا عَلَيهِ” . فَقَالَا لَهُ : هَلْ تَعْلَمُ أَنْتَ جَوابَهَا ؟ قَالَ: “لَا أَعْلمُهُ ، وَلكنى أَعرِفُ مَنْ يَعْلَمُهُ” ثُمَّ أَخَذَ بَيْدِ الرَّجُلِ وَجَاءَ مَعَه أَبُو بِكْرٍ وَعُمَرُ( رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُمَا) إِلَى بَيْتِ الإمامِ عَلِىٍّ ( كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ) حَيْثُ أَخْبَرَهُ ابْنُ عباسٍ خَبَرَ الرَّجُلِ ، فَقَالَ لَهُ عَلِىٌّ :” سَلْ مَا بَدَا لَكَ” . فَقَالَ الرَّجُلُ : أخبرنى عَمَّا لَيْسَ للهِ قَالَ: لَيْسَ لَهُ شَرِيكٌ . قَالَ الرَّجُلُ : أخبرنى عَمَّا لَا يَعْلَمُهُ اللهُ ، قَالَ ( رَضِىَ اللَّهُ عَنْه) : هُوَ مَا تَقُولُونَ: “إِنَّ عيسـى عَلَيهِ السَّلامُ وَلَدُهُ “، فَلَا يَعْلَمُ أَنَّ لَهُ وَلَدَاً كَمَا تَقُولُونَ ، وأخيراً قَالَ الرَّجُلُ فأخبرنى عَمَّا لَيْسَ عِنْدَ اللّهِ، قَالَ عَلِىٌّ : لَيْسَ عِنْدَهُ ظُلْمُ الْعِبَادِ . وَمَعْنَى : (لَا يَعْلَمُ أَنَّ لَهُ وَلَدَاً) فَهُوَ قولُهُ “عَزَّ وَجَلَّ” :﴿ ويَعْبُدُونُ مِنْ دُونِ اللهِ مَالَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللهِ قُلْ أَتُنَبِّؤُنَ اللهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِى السَّمَوَاتِ وَلَا فِى الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾.

فَقَالَ الرَّجُلُ :” أَشْهَدُ أَن لَا إِلَهَ إلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدَاً رَسُولُ اللهِ”، ثُمَّ دَفعَ إِلَيه الْمَالَ فَدَفعَهُ الإمامُ إِلَى الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ (رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيهِمْ أَجْمَعِينَ) . وَقَالَ لَهُمَا :” اذْهَبَا فَاقْسِمَاهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ” . وَيَتَبَيَّنُ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ الإمامَ عَلِىَّ بْنَ أَبِى طَالِبٍ (كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ) قَدْ أَجَابَ عَلَى أسئلةِ رَسُولَ مَلِكِ الرُّومِ وَهَى كَمَا تَرَى أسئلةٌ صَعْبَةٌ وإجاباتٌ صَحِيحَةٌ شَافِيَةٌ تَدُلُّ عَلَى سَعَةِ عِلْمِ الإمامِ عَلِىٍّ (رَضِىَ اللَّهُ عَنْه) ، وَفَهمِهِ وَفِطْنَتِهِ وَحُسْنِ تَصَرُّفِهِ فى الرَّدِّ عَلَى هَذِهِ الأسئلةِ ، مِمَّا أَعْجَبَ الرَّجُلَ أَيَّمَا إعجابٍ وَدَعَاهُ إِلَى الدُّخُولِ فى الإسلامِ .

كَمَا يُسْتَفَادُ مِنْ هَذِهِ الرُّوَاِيَّةِ أَنَّ الإمامَ عَلِىَّ بْنَ أَبِى طَالِبٍ كَانَ نَزِيهَاً مُتَعَفِّفَاً زَاهِدَاً فى مَالِ الدُّنْيا إِذْ أَمَرَ وَلَدَيْهِ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ (رَحِمَهُمَا اللهُ) بِتَوْزِيعِ الْمَالِ الذى دَفعَهُ الرَّجُلُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ شَيئَاً بِرَغْمِ كَثْرَتِهِ .

وَحَدَثَ أَنَّ جَمَاعَةً أَرَادُوا أَنْ يَعْرِفُوا مَبْلَغَ عَلْمِهِ (كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ) وَكَانُوا عَشْرَةَ فَاتَّفَقُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ عَلَى أَنْ يَسْأَلُوهُ سُؤَالَا وَاحِدَا عَنِ الْعِلْمِ وَيَشْتَرِطُوا عَلَيه أَنْ يُجِيبَ كُلَّ واحدٍ بِجَوَابٍ غَيْرِ جَوَابِ الآخَرِ ، فَلَمَّا ذَهَبَ إِلَيه الأوَّلُ قَالَ لَهُ : يا عَلِىُّ الْعِلْمُ أَفْضَلُ أَمِ الْمَالُ ؟ فَقَالَ لَهُ: الْعِلْمُ أَفْضَلُ مِنَ الْمَالِ ، قَالَ لَهُ :

بِأىِّ دَلِيلٍ ؟ قَالَ: لِأَنَّ الْعِلمَ مِيرَاثُ الأنبياءِ وَالْمَالُ مِيرَاثُ الْفَرَاعِنَةِ .( وَقَالَ للثانى ): الْعِلمُ أَفْضَلُ مِنَ الْمَالِ لَأَنَّ الْعِلْمَ يَحْرُسُكَ وَأَنْتَ تَحْرُسُ الْمَالَ .( وَقَالَ لِلْثَّالِثِ ): الْعِلمُ أَفْضَلُ مِنَ الْمَالِ لِأَنَّ لِصَاحِبِ الْعِلْمِ أصدقاءَ كَثِيرينَ وَلِصَاحِبِ الْمَالِ أَعْدَاءَ كَثِيرِينَ ( وَقَالَ لِلْرابعِ ): الْعِلْمُ أَفْضَلُ مِنَ الْمَالِ لِأَنَّ الْعِلْمَ يَزِيدُ بالإنفاقِ وَالْمَالُ يَنْقُصُ بالإنفاقِ ( وَقَالَ لِلْخامسِ ): الْعِلْمُ أَفْضَلُ مِنَ الْمَالِ لِأَنَّ صَاحِبَ الْعِلْمِ يُوصَفُ بأوصافِ الْفُضَلَاءِ وَالْعُظماءِ وَصَاحِبُ الْمَالِ يُوصَفُ بأوصافِ الْبُخلاءِ واللُّؤَمَاءِ .( وَقَالَ لِلْسادسِ ): الْعِلْمُ أَفْضَلُ مِنَ الْمَالِ لِأَنَّ الْعِلْمَ لَا يُسْرَقُ وَالْمَالُ يُسْرَقُ ( وَقَالَ لِلْسابعِ ): الْعِلْمُ أَفْضَلُ مِنَ الْمَالِ لِأَنَّ صَاحِبَ الْعِلْمِ يَشْفَعُ وَصَاحِبَ الْمَالِ يُحَاسَبُ .( وَقَالَ لِلْثَامِنِ ): الْعِلْمُ أَفْضَلُ مِنَ الْمَالِ لِأَنَّ الْعِلْمَ لَا يَنْدَرِسُ أىْ [ لَا يَفْنَى ] وَالْمَالُ يَنْدَرِسُ .( وَقَالَ لِلْتَاسِعِ ): الْعِلْمُ أَفْضَلُ مِنَ الْمَالِ لِأَنَّ الْعِلْمَ يُلَيِّنُ الْقَلْبَ وَالْمَالَ يُقَسِّى الْقَلْبَ ( وَقَالَ لِلْعَاشِرِ ): الْعِلْمُ أَفْضَلُ مِنَ الْمَالِ لِأَنَّ صَاحِبَ الْعِلْمِ يَدَّعِى الْعُبُودِيَّةَ وَصَاحِبَ الْمَالِ يَدَّعِى الرُّبُوبِيَّةَ .

ثُمَّ قَالَ الإمامُ عَلِىٌّ( كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ) :وَعِزَّةِ رَبِّى لَوْ سألونى عَنْ هَذَا السُّؤالِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَجَبْتُ كُلَّ واحدٍ بِجَوَابٍ غَيْرِ جَوَابِ الآخرِ ، فَسُبْحَانَ الْفَتَّاحِ الْعَلِيمِ .
وَمِنْ حِكَمِهِ (كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ) : [ لَا يُزَهِّدَنَّكَ فى الْمَعْرُوفِ مَن لَا يَشْكُرُ لَكَ فَقَدْ يَشْكُرُكَ عَلَيهِ مَنْ لَا يَسْتَمْتِعُ [ بِشىءٍ ] مِنْهُ وَقَدْ تُدْرِكُ مِنْ شُكْرِ الشَّاكِرِ أَكْثَرَ مِمَّا أَضَاعَ الْكَافِرُ ]﴿ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾.

[ كُلُّ وِعَاءٍ يَضِيقُ بِمَا جُعِلَ فِيهِ إلَّا وِعَاءَ الْعِلْمِ فَإِنَّهُ يَتَّسِعُ ].

[ أَوَّلُ عِوَضِ الْحَلِيمِ مِنْ حِلْمِهِ أَنَّ النَّاسَ أَنْصَارُهُ عَلَى الْجَاهِلِ ].

[ إِن لَمْ تَكُنْ حَلِيمَاً فَتَحَلَّمْ فَإِنَّهُ قَلَّ مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ إلَّا أَوْشَكَ أَن يَكُونَ مِنْهُمْ ].

[ مَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ رَبِحَ ، وَمَنْ غَفَلَ عَنْهَا خَسِـرَ ، وَمَنْ خَافَ أَمِنَ ، وَمَنِ اعْتَبَرَ أَبْصَـرَ ، وَمَنْ أَبْصَرَ فَهِمَ ، وَمَنْ فَهِمَ عَلِمَ ].

[ لَتَعْطِفَنَّ الدُّنيا عَلَينَا بَعْدَ شِمَاسِهَا عَطْفَ الضَّرُوسِ عَلَى وَلَدِهَا وَتَلَا عَقِبَ ذَلِكَ : ﴿ وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسۡتُضۡعِفُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَنَجۡعَلَهُمۡ أَئِمَّةٗ وَنَجۡعَلَهُمُ ٱلۡوَٰرِثِينَ ﴾].

وَمِنْ تَوَجُّهَاتِهِ ( كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ) :
حِزْبُهُ السَّيْفِىُّ الْمُسَمَّى بِالْحِرْزِ اليَمَانِىِّ ، وَالْحِزْبُ الْمُغْنِى لِصَاحِبِهِ مَوْلَانَا أُوَيْسٍ القَرَنِىِّ ، وَفِى الْخَاتِمَةِ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ مِنْ تَوَجُّهَاتِهِ وَتَوَجُّهَاتِ أَحْبَابِهِ (رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) وَحَسْبُنَا اللهُ وَكَفَى وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .