خطبة الجمعة بعنوان ( صحح مفاهيمك ) للشيخ ياسر عبدالبديع
5 أكتوبر، 2025
خطب منبرية

خطبة الجمعة بعنوان( صحح مفاهيمك )
للشيخ / ياسر عبدالبديع
بتاريخ/ 18 من ربيع الآخر 1447 ه – 10 من أكتوبر 2025 م
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ مِلْءَ السَّمَوَاتِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ وَمَلْءَ مَابَيْنَهُمَا وَمُلْءَ مَاشِئْتَ يَارِبُ مِنْ شَئٍّ بَعْدَ أَهْلِ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ أَحَقُّ مَاقَالَ الْعَبْدُ وَكُلُّنَا لَكَ عَبْدٌ اللَّهُمَّ لَامُعْطَى لِمَا مَنَعْتَ وَلَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ وَنَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ
سَبْحَانُكَ اللَّهُمَّ خَيْرَ مُعَلِّمٍ عَلَّمْتَ بِالْقَلَمِ الْقُرُونَ الْأُولَى أَخْرَجْتَ هَذَا الْعَقْلَ مِنْ ظُلُمَاتِهِ وَهَدَيَتَهُ النُّورَ الْمُبِينَ سَبِيلًا وَأَرْسَلْتَ بِالتَّوْرَاةِ مُوسَى مُرْشِدًا وَابْنَ الْبَتُولِ فَعَلَّمَ الْإِنْجِيلَا وَفَجَرَتْ يَنْبُوعَ الْبَيَانِ مُحَمَّدًا فَسَقَى الْحَدِيثَ وَنَاوَلَ التَّنْزِيلَا
وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا وَمُصْطَفَانَا سَيِّدَنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيًّا وَرَسُولًا أُوصِيكُمْ وَنَفْسَى بِتَقْوَى اللَّهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُو اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحُ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرُ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا أُحَدِّثُكُمْ الْيَوْمَ عَنْ مَوْضُوعٍ تَحْتَ عُنْوَانِ
صحح مفاهيمك
نُبْذَةٌ مُخْتَصَرَةٌ عَنْ مُبَادَرَةِ “صَحِّحْ مَفَاهِيمَكَ”
مُبَادَرَةُ “صَحِّحْ مَفَاهِيمَكَ” هِيَ مُبَادَرَةٌ دَعَوِيَّةٌ وَتَثْقِيفِيَّةٌ أَطْلَقَتْهَا وِزَارَةُ الأَوْقَافِ المِصْرِيَّةِ، وَشَارَكَ فِيهَا عَدَدٌ مِنَ العُلَمَاءِ وَالدُّعَاةِ وَالأَئِمَّةِ، وَتَهْدِفُ إِلَى تَصْحِيحِ المَفَاهِيمِ الدِّينِيَّةِ وَالفِكْرِيَّةِ الخَاطِئَةِ المُنْتَشِرَةِ بَيْنَ النَّاسِ، وَالَّتِي أَدَّتْ إِلَى انْتِشَارِ التَّطَرُّفِ وَسُوءِ الفَهْمِ لِلدِّينِ.
أَهْدَافُ المُبَادَرَةِ
1. تَصْحِيحُ المَفَاهِيمِ المَغْلُوطَةِ فِي الدِّينِ مِثْلَ: مَفْهُومِ الجِهَادِ، وَالوَلَاءِ وَالبَرَاءِ، وَالحَاكِمِيَّةِ، وَالتَّكْفِيرِ، وَغَيْرِ ذٰلِكَ.
2. نَشْرُ الفَهْمِ الوَسَطِيِّ لِلْإِسْلَامِ القَائِمِ عَلَى الرَّحْمَةِ وَالتَّيْسِيرِ وَالاعْتِدَالِ.
3. تَحْصِينُ الشَّبَابِ وَالمُجْتَمَعِ مِنَ الفِكْرِ المُتَطَرِّفِ وَالأَفْكَارِ الهَدَّامَةِ.
4. تَعْزِيزُ الوَعْيِ الدِّينِيِّ الصَّحِيحِ وَرَبْطُ النَّاسِ بِالقُرْآنِ الكَرِيمِ وَالسُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ بِفَهْمٍ سَلِيمٍ.
5. إِبْرَازُ سَمَاحَةِ الإِسْلَامِ فِي التَّعَامُلِ مَعَ الآخَرِينَ وَاحْتِرَامِ حُقُوقِ الإِنْسَانِ.
مَحَاوِرُ المُبَادَرَةِ
مِنْ أَبْرَزِ المَحَاوِرِ الَّتِي تَتَنَاوَلُهَا المُبَادَرَةُ:
الفَهْمُ الصَّحِيحُ لِلْجِهَادِ.
مَفْهُومُ الرَّحْمَةِ فِي الإِسْلَامِ.
الوَسَطِيَّةُ وَالاعْتِدَالُ.
خُطُورَةُ الغُلُوِّ وَالتَّكْفِيرِ.
بِرُّ الوَالِدَيْنِ وَصِلَةُ الأَرْحَامِ.
احْتِرَامُ الآخَرِ وَالتَّعَايُشُ السِّلْمِيُّ.
> الإِسْلَامُ دِينُ رَحْمَةٍ وَعَدْلٍ وَتَسَامُحٍ، لَا يَعْرِفُ الغُلُوَّ وَلَا التَّطَرُّفَ، وَمَقَاصِدُهُ نَشْرُ الخَيْرِ وَالأَمْنِ وَالسَّلَامِ بَيْنَ النَّاسِ.
العُنْصُرُ الأَوَّلُ: خُطُورَةُ الغِشِّ فِي الِامْتِحَانَاتِ وَالرِّشْوَةِ
فَلَا يَجُوزُ لَكَ دَفْعُ مَالٍ مُقَابِلَ النَّجَاحِ فِي امْتِحَانَاتِ الدِّرَاسَةِ الجَامِعِيَّةِ؛ فَإِنَّ ذٰلِكَ نَوْعٌ مِنَ الرِّشْوَةِ المُحَرَّمَةِ شَرْعًا، مَعَ مَا فِي ذٰلِكَ مِنْ غِشٍّ وَخِدَاعٍ لِلْجِهَةِ المُشْرِفَةِ عَلَى التَّعْلِيمِ، وَالَّتِي سَتُصْدِرُ لَكَ شَهَادَةَ نَجَاحٍ عَلَى أَنَّكَ تَجَاوَزْتَ الِامْتِحَانَ وَأَنَّكَ تَسْتَحِقُّ الشَّهَادَةَ، وَأَنْتَ إِنَّمَا حَصَلْتَ عَلَيْهَا بِالرِّشْوَةِ.
وَالرِّشْوَةُ مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ، فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو – رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا – قَالَ:
> لَعَنَ رَسُولُ اللهِ ﷺ الرَّاشِيَ وَالمُرْتَشِيَ.
رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
قَالَ الخَطَّابِيُّ – رَحِمَهُ اللهُ – فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ:
> الرَّاشِي: المُعْطِي، وَالمُرْتَشِي: الآخِذُ، وَإِنَّمَا يُلْحَقُهُمَا العُقُوبَةُ مَعًا إِذَا اسْتَوَيَا فِي القَصْدِ وَالإِرَادَةِ، فَرَشَا المُعْطِي لِيَنَالَ بِهِ بَاطِلًا، وَيَتَوَصَّلَ بِهِ إِلَى ظُلْمٍ، فَأَمَّا إِذَا أَعْطَى لِيَتَوَصَّلَ بِهِ إِلَى حَقٍّ، أَوْ يَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ ظُلْمًا، فَإِنَّهُ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي هٰذَا الوَعِيدِ.
ثُمَّ إِنَّ الطَّالِبَ الَّذِي يَجْتَازُ الِامْتِحَانَ بِرِشْوَةٍ أَوْ غِشٍّ سَيَحْصُلُ عَلَى شَهَادَةٍ، وَبِمُوجِبِهَا قَدْ يُعْهَدُ إِلَيْهِ بِتَوَلِّي مَسْؤُولِيَّةٍ، إِمَّا فِي التَّعْلِيمِ أَوِ الطِّبِّ أَوْ غَيْرِهِمَا، وَيُصْبِحُ مُؤْتَمَنًا عَلَى مَا تَوَلَّى، وَكَيْفَ يَصِحُّ لَهُ أَنْ يَتَوَلَّى عَمَلًا وَيَأْخُذَ فِي مُقَابِلِهِ مَالًا، وَهُوَ إِنَّمَا حَصَلَ عَلَيْهِ بِالرِّشْوَةِ وَالحِيلَةِ؟!
هٰذَا ظُلْمٌ لِنَفْسِهِ، وَظُلْمٌ وَخِيَانَةٌ لِعُمُومِ الأُمَّةِ.
وَعَلَيْهِ: فَإِنَّ الرِّشْوَةَ وَالغِشَّ فِي الِامْتِحَانَاتِ، وَأَخْذَ الشَّهَادَاتِ بِالْبَاطِلِ، قَدْ تَكُونُ أَعْظَمَ مِنَ الغِشِّ فِي كَثِيرٍ مِنَ المُعَامَلَاتِ، لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنْ مَفَاسِدَ وَضَيَاعِ أَمَانَاتٍ.
فَالغِشُّ وَالخِدَاعُ خُلُقَانِ مُحَرَّمَانِ مَذْمُومَانِ، لَا يَتَّصِفُ بِهِمَا المُؤْمِنُ الَّذِي يَخَافُ رَبَّهُ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُزَاوِلَهُمَا أَصْلًا.
وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ:
> “مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا”
رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَأَخْرَجَ عَنْهُ أَيْضًا:
> “مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي”.
وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا:
> “مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا، وَالمَكْرُ وَالخِدَاعُ فِي النَّارِ”.
وَهٰذَا يَعُمُّ كُلَّ غِشٍّ وَكُلَّ خِدَاعٍ وَكُلَّ مَكْرٍ فِي أَيِّ مَجَالٍ كَانَ، وَفِي حَقِّ أَيِّ شَخْصٍ كَمَا يَتَبَيَّنُ مِنْ أَلْفَاظِ الحَدِيثِ.
وَمِمَّا يَزِيدُ هٰذِهِ الأَخْلَاقَ قُبْحًا أَنَّهَا مِنْ صِفَاتِ المُنَافِقِينَ المُـمَيَّزَةِ لَهُمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:
> ﴿يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ﴾
📖 [سُورَةُ البَقَرَةِ: الآيَةُ ٩]
وَبِهٰذَا تَعْلَمُ أَنَّ الغِشَّ فِي الِامْتِحَانَاتِ خُلُقٌ ذَمِيمٌ وَمُحَرَّمٌ، سَوَاءٌ كَانَتِ المَادَّةُ الَّتِي يُخْتَبَرُ فِيهَا دِينِيَّةً أَوْ دُنْيَوِيَّةً، لِعُمُومِ الأَحَادِيثِ المُتَقَدِّمَةِ.
ثُمَّ إِنَّ الطَّالِبَ الَّذِي يَجْتَازُ الِامْتِحَانَ يَحْصُلُ عَلَى شَهَادَةٍ، وَبِمُوجِبِ هٰذِهِ الشَّهَادَةِ يَتَوَلَّى مَسْؤُولِيَّةً، إِمَّا فِي التَّعْلِيمِ، أَوِ الطِّبِّ، أَوْ غَيْرِهِمَا، وَيُصْبِحُ مُؤْتَمَنًا عَلَى مَا تَوَلَّى.
وَكَيْفَ يَصِحُّ لَهُ أَنْ يَتَوَلَّى عَمَلًا، وَيَأْخُذَ فِي مُقَابِلِهِ مَالًا، وَهُوَ إِنَّمَا حَصَلَ عَلَيْهِ بِالغِشِّ وَالحِيلَةِ؟!
هٰذَا ظُلْمٌ لِنَفْسِهِ، وَظُلْمٌ وَخِيَانَةٌ لِعُمُومِ الأُمَّةِ.
فَالغِشُّ فِي الِامْتِحَانَاتِ أَعْظَمُ مِنَ الغِشِّ فِي كَثِيرٍ مِنَ المُعَامَلَاتِ، وَالكُلُّ مُحَرَّمٌ.
وَمَعَ ذٰلِكَ فَإِنَّ هٰذِهِ الظَّاهِرَةَ سَيِّئَةٌ وَمُنْتَشِرَةٌ بَيْنَ الطُّلَّابِ فِي أَنْحَاءِ العَالَمِ، وَهِيَ لَيْسَتْ مِنَ الجَرَائِمِ الكَبِيرَةِ فِي الغَرْبِ، بَلْ رُبَّمَا لَا تُعْتَبَرُ جَرِيمَةً عِنْدَهُمْ، وَلٰكِنَّ المُؤْسِفَ فِي الأَمْرِ أَنْ تَجِدَهَا فِي مَدَارِسِ المُسْلِمِينَ أَيْضًا، رَغْمَ أَنَّ أَيَّ مُسْلِمٍ تَقْرِيبًا عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ يَعْلَمُ بِتَحْرِيمِ الغِشِّ، فَهُوَ نَوْعٌ مِنَ الكَذِبِ وَالتَّدْلِيسِ المُنْهِيِّ عَنْهُمَا فِي الإِسْلَامِ.
قَالَ تَعَالَى:
> ﴿ إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ ﴾
📖 [سُورَةُ النَّحْلِ: الآيَةُ ١٠٥]
وَقَالَ ﷺ:
> «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا، وَالمَكْرُ وَالخِدَاعُ فِي النَّارِ»
فَهٰذَا وَعِيدٌ شَدِيدٌ لِمَنْ يَغُشُّ المُسْلِمِينَ وَيَمْكُرُ وَيُخَادِعُ.
فَمَا بَالُ أَبْنَائِنَا يَتَجَاهَلُونَ هٰذِهِ الأَحَادِيثَ وَالآيَاتِ، وَيُلْقُونَهَا وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ؟!
وَلِأَجْلِ مَاذَا؟!
أَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ النَّجَاحَ وَالرُّسُوبَ بِيَدِ اللهِ تَعَالَى؟
وَمَعَ أَنَّ الِاجْتِهَادَ مِنَ الأَسْبَابِ المَأْمُورِ بِالأَخْذِ بِهَا، فَإِنَّ الِاعْتِمَادَ عَلَى الأَسْبَابِ دُونَ خَالِقِهَا لَيْسَ مِنْ صِفَاتِ المُؤْمِنِينَ، فَرُبَّمَا نَأْخُذُ بِالأَسْبَابِ وَمَعَ ذٰلِكَ لَا يُوَفِّقُنَا اللهُ لِمَا نُرِيدُ.
فَنَحْنُ المُسْلِمِينَ نُؤْمِنُ أَنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلهِ، وَأَنَّ الأَخْذَ بِالأَسْبَابِ يُسَاعِدُنَا وَنَأْخُذُ بِهِ، ثُمَّ نَعْتَمِدُ عَلَى اللهِ وَنَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ.
وَنُؤْمِنُ بِأَنَّ الأَسْبَابَ لَا تَنْفَعُنَا مِنْ دُونِ قُدْرَةِ اللهِ وَمَشِيئَتِهِ؛
لِذَا نَأْخُذُ الدَّوَاءَ وَنَدْعُو اللهَ بِالشِّفَاءِ، وَنَكِدُّ وَنَعْمَلُ وَنَطْلُبُ مِنَ اللهِ الرِّزْقَ، وَنَسْعَى وَنَجْتَهِدُ وَنَطْلُبُ مِنَ اللهِ التَّوْفِيقَ، فَهُوَ وَحْدَهُ الَّذِي بِيَدِهِ الأَرْزَاقُ وَالعَطَايَا.
وَمَا مِنْ رِزْقٍ أَوْ فَائِدَةٍ أَوْ تَوْفِيقٍ لِلْمَخْلُوقِينَ إِلَّا بِأَمْرِهِ وَمِمَّا تَفَضَّلَ بِهِ عَلَيْهِمْ.
قَالَ تَعَالَى:
> ﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ ﴾
📖 [سُورَةُ هُودٍ: الآيَةُ ١٢٣]
وَقَالَ أَهْلُ العِلْمِ:
> «الأَخْذُ بِالأَسْبَابِ عِبَادَةٌ، وَالِاعْتِمَادُ عَلَيْهَا شِرْكٌ، وَمَنْ أَخَذَ بِالأَسْبَابِ وَلَوْ كَانَتْ ضَعِيفَةً، ثُمَّ اعْتَمَدَ عَلَى اللهِ تَعَالَى، فَقَدِ امْتَثَلَ».
وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ – رَضِيَ اللهُ عَنْهُ – قَالَ:
> قَالَ النَّبِيُّ ﷺ لِلأَعْرَابِيِّ الَّذِي تَرَكَ النَّاقَةَ سَائِبَةً مُتَوَكِّلًا عَلَى اللهِ:
«اعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ».
فَالنَّجَاحُ بِيَدِ اللهِ وَتَوْفِيقِهِ، وَكَمْ مِنْ طُلَّابٍ سَهِرُوا اللَّيَالِيَ وَقَضَوْا السَّاعَاتِ فِي الدِّرَاسَةِ، ثُمَّ رَسَبُوا، وَبَعْضُهُمْ ذَاكَرَ سَاعَاتٍ قَلِيلَةً بِمَا تَيَسَّرَ لَهُ، وَحَلَّ بِأَفْضَلِ مَا يَسْتَطِيعُهُ، ثُمَّ تَوَكَّلَ عَلَى اللهِ وَسَأَلَهُ التَّوْفِيقَ وَالنَّجَاحَ، فَحَصَلَ عَلَى أَعْلَى الدَّرَجَاتِ، بَلْ حَتَّى تَفَوَّقَ عَلَى أَقْرَانِهِ أُولَئِكَ جَمِيعًا رَغْمَ قِلَّةِ السَّاعَاتِ الَّتِي دَرَسَهَا بِالنِّسْبَةِ لَهُمْ، فَمَنْ يَتَّقِ اللهَ وَيَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَيَسْتَعِنْ بِهِ، يُوَفِّقْهُ لِمَا يُرِيدُ؛ قَالَ تَعَالَى:
﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ [الطَّلَاقِ: ٢، ٣].
وَمَعَ كُلِّ هَذِهِ الْأُسُسِ فِي التَّوَكُّلِ الَّتِي تُدَرَّسُ فِي الْمَدَارِسِ، وَشَبَّ عَلَيْهَا النَّشْءُ، نَجِدُ كَثِيرًا مِنْ طُلَّابِ الْمَدَارِسِ لَا يَزَالُونَ يَغُشُّونَ فِي الِامْتِحَانَاتِ عَلَى أَسَاسِ أَنَّ الْغِشَّ سَبِيلٌ وَسَبَبٌ لِلنَّجَاحِ عِنْدَهُمْ، وَهَذَا نَتِيجَةُ ضَعْفِ الْإِيمَانِ، وَقِلَّةِ التَّوَكُّلِ عَلَى اللهِ، وَالْإِيمَانِ بِقُدْرَتِهِ وَأَنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ إِلَيْهِ، فَيُصَاحِبُ ذَلِكَ ارْتِكَابُ هَذِهِ الْجَرِيمَةِ النُّكْرَاءِ الَّتِي مَلَأَتِ الْمَدَارِسَ وَالْجَامِعَاتِ فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، وَرُبَّمَا تَسْمِيَتُهَا بِجَرِيمَةٍ فِيهِ شَيْءٌ مِنَ الْمُبَالَغَةِ، لَكِنَّنَا إِذَا نَظَرْنَا إِلَى آثَارِهَا عَلَى الْمُجْتَمَعِ وَمَسِيرَةِ التَّعْلِيمِ، نَرَى الْخَرَابَ الَّذِي يَنْتُجُ مِنْهَا، فَمِنْ آثَارِهَا الْمُدَمِّرَةِ عَلَى الْمُجْتَمَعِ وَالْأَفْرَادِ:
* الْغِشُّ فِي الِامْتِحَانَاتِ يُضْعِفُ مُسْتَوَى التَّعْلِيمِ وَقُوَّةَ الشَّهَادَاتِ وَمِصْدَاقِيَّتَهَا؛ مِمَّا يُؤَثِّرُ عَلَى الْمُسْتَوَى الْعِلْمِيِّ فِي الدَّوْلَةِ، وَمِنْ ثَمَّ أَدَاءِ الْمُوَظَّفِينَ الْمُتَخَرِّجِينَ فِي هَذِهِ الْمُؤَسَّسَاتِ التَّعْلِيمِيَّةِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ.
* الْغِشُّ فِي الِامْتِحَانَاتِ يُعَوِّدُ الْمُجْتَمَعَ عَلَى قَبُولِ الْكَذِبِ وَالتَّدْلِيسِ وَتَزْيِينِ الْحَقَائِقِ الزَّائِفَةِ.
* الْغِشُّ فِي الِامْتِحَانَاتِ يَظْلِمُ الطُّلَّابَ الَّذِينَ لَمْ يَغُشُّوا، وَذَلِكَ بِرَفْعِ مُسْتَوَى مَنْ غَشَّ مِنْهُمْ، وَفِي ذَلِكَ ظُلْمٌ وَعَدَمُ تَكَافُؤٍ، وَاخْتِلَافٌ فِي مُسْتَوَى قُوَّةِ الِامْتِحَانِ وَمِصْدَاقِيَّتِهِ، بِحَيْثُ يَكُونُ سَهْلًا لِبَعْضِ الطُّلَّابِ وَصَعْبًا نِسْبِيًّا لِلْبَقِيَّةِ مِنْهُمْ.
* الْغِشُّ فِي الِامْتِحَانِ يَنْتُجُ مِنْهُ إِطْلَاقُ كَوَادِرَ غَيْرِ مُؤَهَّلَةٍ لِتَخْدِمَ الْمُجْتَمَعَ؛ مِمَّا يُقَلِّلُ مِنْ مُسْتَوَى الْخِدْمَاتِ وَجَوْدَتِهَا.
مِنْ صُوَرِ الْغِشِّ فِي الِامْتِحَانَاتِ:
* إِدْخَالُ مَعْلُومَاتٍ مِنَ الْمَادَّةِ دَاخِلَ الِامْتِحَانِ، وَذَلِكَ بِكِتَابَتِهَا فِي وَرَقٍ صَغِيرٍ وَلَفِّهَا، أَوْ تَحْبِيرِهَا فِي الْأَيْدِي أَوِ الْأَرْجُلِ وَنَحْوِهَا، وَأَحْيَانًا يُتَمُّ إِخْفَاءُ هَذِهِ الْأَوْرَاقِ فِي الْمَلَابِسِ أَوِ الْحَقَائِبِ أَوْ غَيْرِهَا.
* تَسْرِيبُ أَسْئِلَةِ الِامْتِحَانِ بِسَرِقَتِهَا وَتَصْوِيرِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ.
* تَغْشِيشُ الْمُرَاقِبِ لِبَعْضِ الطُّلَّابِ بِإِعْطَائِهِ الْأَجْوِبَةَ لَهُمْ أَوِ السَّمَاحِ لَهُمْ بِنَقْلِهَا.
* دَفْعُ الطَّالِبِ رَشْوَةً لِلْأُسْتَاذِ لِتَحْسِينِ دَرَجَاتِهِ.
الْغِشُّ فِي الِامْتِحَانَاتِ مِنْ مَنْظُورِ مَقَاصِدِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ:
* الْغِشُّ فِي الِامْتِحَانِ يَدْخُلُ فِي بَابِ الْغِشِّ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ، وَيَتَعَارَضُ مَعَ مَقْصِدِ التَّشْرِيعِ.
* الْغِشُّ فِي الِامْتِحَانِ فِيهِ ظُلْمٌ لِلطُّلَّابِ الْمُجْتَهِدِينَ الْمُتَفَوِّقِينَ، وَيَتَنَافَى مَعَ مَقْصِدِ تَهْذِيبِ الْأَخْلَاقِ.
* الْغِشُّ فِي الِامْتِحَانِ يُنْزِلُ مِنْ مُسْتَوَى التَّعْلِيمِ، وَيَتَعَارَضُ مَعَ مَقْصِدِ التَّعْلِيمِ.
* الْغِشُّ فِي الِامْتِحَانِ يَنْتُجُ عَنْهُ تَخْرِيجُ كَوَادِرَ غَيْرِ مُؤَهَّلَةٍ عِلْمِيًّا، وَيُنْزِلُ مِنْ مُسْتَوَى الْخِدْمَاتِ، وَيُؤَثِّرُ ذَلِكَ سَلْبًا عَلَى النُّمُوِّ الِاقْتِصَادِيِّ وَالْعُمْرَانِيِّ، وَكُلِّ مَجَالَاتِ الْحَيَاةِ، وَهَذَا يَتَنَافَى مَعَ مَقْصِدِ سِيَاسَةِ الْأُمَّةِ وَمَقْصِدِ صَلَاحِ الْأَحْوَالِ الْفَرْدِيَّةِ وَالْجَمَاعِيَّةِ.
* مَنْ يَغُشُّ فِي الِامْتِحَانِ لَا يَرْتَدِعُ لِلْوَعِيدِ الْوَارِدِ فِي الْغِشِّ؛ مِمَّا يَتَنَافَى مَعَ مَقْصِدِ الْمَوَاعِظِ وَالْإِنْذَارِ وَالتَّحْذِيرِ وَالتَّبْشِيرِ.
* الْغِشُّ فِي الِامْتِحَانِ يَتَعَارَضُ مَعَ حِفْظِ الْأَمَانَةِ الْمَأْمُورِ بِهَا فِي الْإِسْلَامِ؛ قَالَ تَعَالَى:
﴿ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ ﴾ [الْبَقَرَةِ: ٢٨٣]،
وَخِيَانَةُ الْأَمَانَةِ مِنْ صِفَاتِ الْمُنَافِقِينَ، وَيَتَعَارَضُ مَعَ مَقْصِدِ الْآدَابِ الْإِسْلَامِيَّةِ؛ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ).
لِذَا يَجِبُ تَوْعِيَةُ الطُّلَّابِ مُنْذُ الصِّغَرِ عَلَى تَحْرِيمِ الْغِشِّ، وَأَنَّ مَنْ غَشَّنَا لَيْسَ مِنَّا، وَأَنَّهُ بَابٌ مِنَ الْكَذِبِ الَّذِي يَجْلِبُ عَذَابَ الْقَبْرِ وَعَذَابَ النَّارِ، وَتَعْلِيمُهُمْ عُقُوبَةَ الْكَذِبِ فِي الْقَبْرِ الَّتِي وَرَدَتْ فِي الْحَدِيثِ التَّالِي:
> (… فَإِذَا رَجُلٌ جَالِسٌ، وَرَجُلٌ قَائِمٌ، بِيَدِهِ كَلُّوبٌ مِنْ حَدِيدٍ، قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ مُوسَى: إِنَّهُ يُدْخِلُ ذَلِكَ الْكَلُّوبَ فِي شِدْقِهِ حَتَّى يَبْلُغَ قَفَاهُ، ثُمَّ يَفْعَلُ بِشِدْقِهِ الْآخَرِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَيَلْتَئِمُ شِدْقُهُ هَذَا، فَيَعُودُ فَيَصْنَعُ مِثْلَهُ… أَمَّا الَّذِي رَأَيْتَهُ يُشَقُّ شِدْقُهُ، فَكَذَّابٌ يُحَدِّثُ بِالْكَذِبَةِ، فَتُحْمَلُ عَنْهُ حَتَّى تَبْلُغَ الْآفَاقَ، فَيُصْنَعُ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ…)
* يَجِبُ عَلَى الْمُعَلِّمِينَ تَأْمِينُ الِامْتِحَانَاتِ مِنَ الْغِشِّ، وَاتِّخَاذُ الِاحْتِيَاطَاتِ اللَّازِمَةِ لِذَلِكَ، وَيُمْكِنُ اسْتِغْلَالُ التِّكْنُولُوجْيَا فِي ذَلِكَ كَمَا تَعْمَلُ الْمَدَارِسُ فِي الْغَرْبِ، كَمَا يُسْتَحْسَنُ أَنْ تَفْرِضَ الدَّوْلَةُ عُقُوبَاتٍ لِأَيِّ أُسْتَاذٍ أَوْ مُرَاقِبٍ يُسَاعِدُ الطُّلَّابَ عَلَى الْغِشِّ فِي الِامْتِحَانَاتِ أَوْ يَسْمَحُ لَهُمْ بِذَلِكَ.
* يُسْتَحْسَنُ اتِّبَاعُ أَنْظِمَةِ تَوْثِيقِ الشَّهَادَاتِ وَتَحْقِيقِهَا وَتَقْوِيَتِهَا، بِالِتَّأَكُّدِ مِنْ مِصْدَاقِيَّةِ الِامْتِحَانَاتِ وَمِصْدَاقِيَّةِ تَصْحِيحِهَا وَنَتَائِجِهَا.
الْعُنْصُرُ الثَّانِي: خُطُورَةُ التَّعَدِّي عَلَى الْمَالِ الْعَامِّ
لَقَدْ دَعَا الْإِسْلَامُ إِلَى وُجُوبِ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الْمَالِ، وَجَعَلَهُ مِنَ الضَّرُورَاتِ الْخَمْسِ الَّتِي لَا قِوَامَ لِلْحَيَاةِ بِدُونِ حِفْظِهَا؛ وَهِيَ: حِفْظُ الدِّينِ، وَالنَّفْسِ، وَالنَّسْلِ، وَالْعَقْلِ، وَالْمَالِ، فَحَرَّمَ الرِّشْوَةَ، وَجَرَّمَ السَّرِقَةَ، وَنَهَى عَنْ أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ، وَنَهَى عَنِ الْغَرَرِ وَالْغِشِّ وَالتَّدْلِيسِ، وَحَذَّرَ مِنَ الْكَذِبِ وَالتَّزْوِيرِ وَسَائِرِ وُجُوهِ أَكْلِ الْحَرَامِ، قَالَ تَعَالَى:
﴿ لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ﴾ [النِّسَاءِ: ٢٩].
فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ))؛ [أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ].
وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((مَنْ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ، فَقَدْ أَوْجَبَ اللهُ لَهُ النَّارَ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ))،
فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللهِ؟
قَالَ: ((وَإِنْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ))؛ [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].
وَلِلْمَالِ الْعَامِّ – عِبَادَ اللهِ – حُرْمَةٌ عَظِيمَةٌ فِي شَرْعِنَا؛ وَذَلِكَ لِكَثْرَةِ الْحُقُوقِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِ، وَتَعَدُّدِ الذِّمَمِ الْمَالِكَةِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مَالُ الْمُسْلِمِينَ، وَالتَّعَدِّي عَلَيْهِ هُوَ تَعَدٍّ عَلَى أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ، لِذَلِكَ كَانَ وِزْرُ التَّعَدِّي عَلَيْهِ أَعْظَمَ.
قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((مَنْ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ فَكَتَمَنَا مِخْيَطًا فَمَا فَوْقَهُ كَانَ غُلُولًا يَأْتِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ))؛ [أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ].
وَقَدْ أَنْزَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ الْمَالَ الْعَامَّ مَنْزِلَةَ مَالِ الْيَتِيمِ الَّذِي تَجِبُ رِعَايَتُهُ وَتَنْمِيَتُهُ، وَيَحْرُمُ التَّعَدِّي عَلَيْهِ وَأَكْلُهُ، فَقَالَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:
«إِنِّي أَنْزَلْتُ نَفْسِي مِنْ مَالِ اللهِ مَنْزِلَةَ مَالِ الْيَتِيمِ».
مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَمِنْ صُوَرِ التَّعَدِّي عَلَى الْمَالِ الْعَامِّ:
الْأَخْذُ وَالِاخْتِلَاسُ مِنَ الْمُمْتَلَكَاتِ الْعَامَّةِ، وَالِاسْتِفَادَةُ الشَّخْصِيَّةُ مِنْ تَكَالِيفِ إِنْشَائِهَا بِالْعُمُولَاتِ وَالرَّشَاوِي، وَالتَّهَاوُنُ فِي دِرَاسَةِ جَدْوَاهَا، وَالْمُبَالَغَةُ فِي تَكَالِيفِهَا، وَمِنْهَا صَرْفُهَا لِفِئَةٍ مَقْصُودَةٍ دُونَ غَيْرِهَا مِنَ الْمُسْتَحِقِّينَ، وَمِنْهَا التَّهَاوُنُ فِي هَدْرِ الْأَمْوَالِ الْعَامَّةِ وَالِاعْتِدَاءِ عَلَى مُنْشَآتِ وَأَمْلَاكِ الدَّوْلَةِ، وَغَيْرِهَا مِنَ الْمُمَارَسَاتِ غَيْرِ الشَّرْعِيَّةِ.
وَلِهَذَا حَرَّمَتِ الشَّرِيعَةُ الْإِسْلَامِيَّةُ الْغُلُولَ – وَهُوَ أَخْذُ الْمَالِ الْعَامِّ بِغَيْرِ حَقٍّ – وَتَوَعَّدَتِ الْغَالَّ بِالْفَضِيحَةِ وَالنَّكَالِ،
قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: ١٦١].
وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ عَلَى عَمَلٍ فَرَزَقْنَاهُ رِزْقًا، فَمَا أَخَذَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ غُلُولٌ))؛ صَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ.
وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ:
لَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ أَقْبَلَ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: فُلَانٌ شَهِيدٌ، وَفُلَانٌ شَهِيدٌ، حَتَّى مَرُّوا عَلَى رَجُلٍ، فَقَالُوا: فُلَانٌ شَهِيدٌ،
فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((كَلَّا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنِّي رَأَيْتُهُ فِي النَّارِ فِي بُرْدَةٍ غَلَّهَا، أَوْ عَبَاءَةٍ غَلَّهَا)).
وَفِي «الصَّحِيحِ»:
عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، قَالَ: اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنَ الْأَزْدِ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَلَمَّا قَدِمَ، قَالَ: هَذَا لَكُمْ، وَهَذَا أُهْدِيَ لِي،
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((فَهَلَّا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ أَوْ بَيْتِ أُمِّهِ فَيَنْظُرَ أَيُهْدَى لَهُ أَمْ لَا؟
وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْهُ شَيْئًا إِلَّا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ؛
إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةً تَيْعَرُ)).
ثُمَّ رَفَعَ بِيَدِهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَةَ إِبْطَيْهِ، فَقَالَ:
((اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟)).
فَانْظُرُوا – يَرْعَاكُمُ اللهُ – كَيْفَ غَضِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَبُولِ هَذَا الْعَامِلِ لِلْهَدِيَّةِ،
فَكَيْفَ بِمَنْ يَسْتَحِلُّ الْمَالَ الْعَامَّ سَرِقَةً وَنَهْبًا؟!
مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ،
وَإِنَّ اسْتِغْلَالَ الْوَظِيفَةِ الْعَامَّةِ لِلْأَخْذِ مِنَ الْمَالِ الْعَامِّ بِغَيْرِ حِلِّهِ،
مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ، وَقَبَائِحِ الْخُطُوبِ،
قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ))؛ [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ].
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ رَحِمَهُ اللهُ:
«أَيِ: يَتَصَرَّفُونَ فِي مَالِ الْمُسْلِمِينَ بِالْبَاطِلِ».
فَأَيْنَ هَؤُلَاءِ مِنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؟
فَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ:
رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَلَى قَتَبٍ يَعْدُو،
فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَيْنَ تَذْهَبُ؟
قَالَ: بَعِيرٌ نَدَّ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ أَطْلُبُهُ.
فَقُلْتُ: لَقَدْ أَذْلَلْتَ الْخُلَفَاءَ بَعْدَكَ.
فَقَالَ: يَا أَبَا الْحَسَنِ، لَا تَلُمْنِي،
فَوَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالنُّبُوَّةِ،
لَوْ أَنَّ عَنَاقًا أُخِذَتْ بِشَاطِئِ الْفُرَاتِ،
لَأُخِذَ بِهَا عُمَرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
وَتَبْرِيرُ ذَلِكَ بِأَنَّ أَمْوَالَ الدَّوْلَةِ أَمْوَالٌ لِلشَّعْبِ، أَمْرٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ وَالْبُطْلَانِ،
فَمَالُ الدَّوْلَةِ يُسَمَّى مَالًا عَامًّا،
وَهَذَا يُصْرَفُ فِي مَصَارِفِ الْمُسْلِمِينَ الْعَامَّةِ،
وَيُطْعَمُ مِنْهُ جَائِعُهُمْ،
وَيُوَاسَى مِنْهُ فَقِيرُهُمْ وَمَنْكُوبُهُمْ،
وَتُصْرَفُ مِنْهُ رَوَاتِبُ الْعَامِلِينَ فِي الدَّوْلَةِ،
أَمَّا أَخْذُهُ مِنْ أَيِّ فَرْدٍ بِغَيْرِ مُسَوِّغٍ،
فَهُوَ مِنْ أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ،
وَيَكْفِي فِي احْتِرَامِ الْمَالِ الْعَامِّ – مَالِ الدَّوْلَةِ – أَنَّ سَارِقَهُ يُحَدُّ.
وَمِمَّا شَاعَ فِي زَمَانِنَا هَذَا، الِاعْتِدَاءُ عَلَى الطُّرُقَاتِ وَالْمُنْشَآتِ الْعَامَّةِ وَالتُّرَعِ وَأَمْلَاكِ الدَّوْلَةِ،
فَمِنَ الْأُمُورِ الَّتِي انْتَشَرَتْ وَشَاعَتْ، وَأَصْبَحْنَا لَا نُبَالِي بِهَا، الِاعْتِدَاءُ عَلَى الطُّرُقَاتِ وَالْمُنْشَآتِ وَأَمْلَاكِ الدَّوْلَةِ،
وَكَأَنَّهَا مَالٌ سَائِبٌ لَا صَاحِبَ لَهُ،
وَيَظُنُّ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ فِطْنَتِهِ – كَمَا يَقُولُونَ -،
فَنَرَى التَّعَدِّيَ الْوَاضِحَ عَلَى الطَّرِيقِ دُونَ خَجَلٍ أَوْ وَجَلٍ،
وَيَظُنُّ الْمِسْكِينُ أَنَّهُ لَنْ يُحَاسَبَ عَلَى فِعْلَتِهِ،
وَمَا عَلِمَ أَنَّ عُقُوبَتَهَا عَظِيمَةٌ.
فَالطَّرِيقُ مِرْفَقٌ عَامٌّ لَا يَخْتَصُّ بِهِ أَحَدٌ،
وَلَا يَسْتَأْثِرُ بِهِ شَخْصٌ،
وَإِنَّمَا هُوَ لِتَحْقِيقِ الضَّرُورِيَّاتِ، وَقَضَاءِ الْحَوَائِجِ، وَتَحْصِيلِ الْمَنَافِعِ.
وَلَمَّا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، وَضَعَ الشَّرْعُ الْقَوَاعِدَ وَالْأُسُسَ الَّتِي نَظَّمَ بِهَا أَحْكَامَ الطَّرِيقِ،
وَمِنْ ذَلِكَ: اعْتِبَارُ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الطَّرِيقِ شُعْبَةً مِنْ شُعَبِ الْإِيمَانِ،
وَأَنَّ التَّعَدِّيَ عَلَيْهَا مُنْكَرٌ مُحَرَّمٌ مَرْفُوضٌ.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ – أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ – شُعْبَةً،
فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ،
وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ،
وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ».
وَالْمُرَادُ بِإِمَاطَةِ الْأَذَى: تَنْحِيَتُهُ وَإِبْعَادُهُ،
وَالْأَذَى كُلُّ مَا يُؤْذِي مِنْ حَجَرٍ أَوْ شَوْكٍ أَوْ غَيْرِهِ.
وَيُسْتَدَلُّ أَيْضًا عَلَى حُرْمَةِ الِاعْتِدَاءِ عَلَى حَقِّ الطَّرِيقِ،
بِمَا رُوِيَ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ،
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«مَنْ آذَى الْمُسْلِمِينَ فِي طُرُقِهِمْ، وَجَبَتْ عَلَيْهِ لَعْنَتُهُمْ».
أَيْ: حَقَّتْ عَلَيْهِ لَعْنَتُهُمْ، فَلَهُمْ أَنْ يَلْعَنُوهُ،
وَفِيهِ وَعِيدٌ شَدِيدٌ، يَدُلُّ عَلَى عَظِيمِ جُرْمِ مَنْ وَضَعَ الْأَحْجَارَ وَالْخَشَبَ وَالرَّدْمَ وَالْإِطَارَاتِ الْمُشْتَعِلَةِ فِي طَرِيقِ النَّاسِ،
فَمَنَعَهُمْ مِنْ مَصَالِحِهِمْ أَيًّا كَانَتْ.
وَقَالَ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ رَحِمَهُ اللهُ:
فَمِنَ الْمُنْكَرَاتِ الْمُعْتَادَةِ فِيهَا وَضْعُ الْأُسْطُوَانَاتِ،
وَبِنَاءُ الدَّكَاكِ الْمُتَّصِلَةِ بِالْأَبْنِيَةِ الْمَمْلُوكَةِ،
وَغَرْسُ الْأَشْجَارِ،
وَإِخْرَاجُ الرَّوَاشِنِ – أَيْ: الشُّرُفَاتِ – وَالْأَجْنِحَةِ،
وَوَضْعُ الْخَشَبِ وَأَحْمَالِ الْحُبُوبِ وَالطَّعَامِ عَلَى الطُّرُقِ،
فَكُلُّ ذَلِكَ مُنْكَرٌ، إِنْ كَانَ يُؤَدِّي إِلَى تَضْيِيقِ الطُّرُقِ وَاسْتِضْرَارِ الْمَارَّةِ،
وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ إِلَى ضَرَرٍ أَصْلًا.
وَأَيْضًا مِنْ مَظَاهِرِ تَخْرِيبِ الْمُمْتَلَكَاتِ الْعَامَّةِ إِهْمَالُهُ وَإِضَاعَتُهُ،
فَمِنْ صُورِ التَّعَدِّي عَلَى الْمَالِ الْعَامِّ أَنْ يُهْمَلَهُ وَلَا يُحَافَظَ عَلَيْهِ،
مِمَّا يُتَسَبَّبُ بِإِتْلَافِهِ أَوْ إِضَاعَتِهِ،
فَكَمْ مِنْ أَمْوَالٍ تَعَرَّضَتْ لِلْنَّهْبِ وَالسَّرِقَةِ وَالتَّلَفِ بِسَبَبِ إِهْمَالِ الْمُوَظَّفِ الْمَسْؤُولِ عَنْهَا.
تَعَالَى أَخِي الْمُسْلِمُ لِتَرَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَهُوَ يُحَافِظُ عَلَى الْمَالِ الْعَامِّ،
عَنْ مَوْلًى لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ:
بَيْنَمَا أَنَا مَعَ عُثْمَانَ فِي مَالٍ لَهُ بِالْعَالِيَةِ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ، إِذْ رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَكْرَيْنِ، وَعَلَى الْأَرْضِ مِثْلُ الْفِرَاشِ مِنَ الْحَرِّ، فَقَالَ:
«مَا عَلَى هَذَا لَوْ قَامَ بِالْمَدِينَةِ حَتَّى يُبْرِدَ ثُمَّ يَرُوحُ»،
ثُمَّ دَنَا الرَّجُلُ فَقَالَ: «انْظُرْ مَنْ هَذَا»، فَنَظَرْتُ فَقُلْتُ: «أَرَى رَجُلًا مُعَمَّمًا بِرِدَائِهِ يَسُوقُ بِكْرَيْنِ»،
ثُمَّ دَنَا الرَّجُلُ فَقَالَ: «انْظُرْ»، فَنَظَرْتُ فَإِذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَقُلْتُ: هَذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ،
فَقَامَ عُثْمَانُ فَأَخْرَجَ رَأْسَهُ مِنَ الْبَابِ فَأَذَاهُ نَفْحُ السَّمُومِ فَعَادَ رَأْسَهُ حَتَّى حَاذَاهُ، فَقَالَ: «مَا أَخْرَجَكَ هَذِهِ السَّاعَةَ؟»
فَقَالَ: «بِكْرَانِ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ تَخَلَّفَا، وَقَدْ مُضِيَ بِإِبِلِ الصَّدَقَةِ فَأَرَدْتُ أَنْ أُلْحِقَهُمَا بِالْحِمَى وَخَشِيتُ أَنْ يَضِيعَا فَيَسْأَلَنِي اللهُ عَنْهُمَا»،
فَقَالَ عُثْمَانُ: «هَلُمَّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى الْمَاءِ وَالظِّلِّ وَنَكْفِيكَ»،
فَقَالَ: «عُدْ إِلَى ظِلِّكَ»، فَقُلْتُ: «عِنْدَنَا مَنْ يَكْفِيكَ»، فَقَالَ: «عُدْ إِلَى ظِلِّكَ»، وَمَضَى، فَقَالَ عُثْمَانُ: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى الْقَوِيِّ الْأَمِينِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا»، فَعَادَ إِلَيْنَا فَأَلْقَى نَفْسَهُ.
وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ:
رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَلَى قَتَبٍ يَعْدُو، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَيْنَ تَذْهَبُ؟
قَالَ: بَعِيرٌ نَدَّ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ أَطْلُبُهُ.
فَقُلْتُ: لَقَدْ أَذَلَّتِ الْخُلَفَاءَ بَعْدَكَ.
فَقَالَ: يَا أَبَا الْحَسَنِ لَا تَلُمْنِي، فَوَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالنُّبُوَّةِ، لَوْ أَنَّ عَنَاقًا أُخِذَتْ بِشَاطِئِ الْفُرَاتِ، لَأَخَذَ بِهَا عُمَرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
وَالْهُرُوبُ وَالتَّخَفِّي مِنْ مُحَصِّلِ سَيَّارَاتِ هَيْئَةِ النَّقْلِ الْعَامِّ وَالْقِطَارَاتِ،
بَلْ رُبَّمَا تَعَدَّى بَعْضُ النَّاسِ عَلَيْهِمَا بِالْبِسَابِ وَالضَّرْبِ.
وَمِنْ صُورِ التَّعَدِّي عَلَى الْمَالِ الْعَامِّ الْمُحَرَّمَةِ جَرِيمَةٌ،
رُبَّمَا يَرَاهَا بَعْضُ النَّاسِ هِينَةً وَهِيَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمَةٌ،
وَأَهِيَ التَّهَرُّبُ مِنْ مُحَصِّلِ تَذَاكِرِ الْمُوَاصَلَاتِ سَوَاءً فِي الْحَافِلَاتِ أَوِ الْقِطَارَاتِ.
وَأَيْضًا السَّرِقَةُ:
وَلِلْسَّرِقَةِ صُوَرٌ عَدِيدَةٌ، مِنْهَا سَرِقَةُ الْكَهْرَبَاءِ مِنَ الدَّوْلَةِ بِحُجَّةٍ أَنَّهَا لَا تُعْطِي الْمُواطِنَ حَقَّهُ كَامِلًا.
وَمِنْ صُورِ التَّعَدِّي عَلَى الْمَالِ الْعَامِّ أَيُّهَا الْأَحِبَّاءُ،
سَرِقَةُ الْكَهْرَبَاءِ وَالْمِيَاهِ بِحُجَّةٍ أَنَّ الدَّوْلَةَ لَا تَمْنَحُ الْمُواطِنَ حَقَّهُ مِنْ مَوَارِدِ الدَّوْلَةِ،
فَيُزَيِّنُ لَهُ الشَّيْطَانُ سُوءَ عَمَلِهِ وَيُحِلُّ لَهُ السَّرِقَةَ.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«لَعَنَ اللهُ السَّارِقَ يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ، وَيَسْرِقُ الْحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ».
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ».
وَسَرِقَةُ الْأَدْوِيَةِ وَالتَّلَاعُبُ بِهَا:
وَمِنْ صُورِ التَّعَدِّي عَلَى الْمَالِ الْعَامِّ مَا يَحْدُثُ فِي بَعْضِ الْمُؤَسَّسَاتِ،
كَمَا أَنْ يَقُومَ الطَّبِيبُ بِوَصْفِ أَدْوِيَةٍ لَا يَحْتَاجُهَا الْمَرِيضُ مِنْ حَيْثُ النَّوْعِيَّةِ وَالْكَمِّيَّةِ،
وَإِعْطَاءُ هَذِهِ الْأَدْوِيَةِ لِلصَّيْدِلِيَّةِ الْمُتَعَامِلَةِ بِالْمَسْرُوقَاتِ، فَتُبَاعُ بِسِعْرٍ أَقَلَّ مِنْ سِعْرِ التَّكْلِفَةِ لِدَوَاءٍ مُشْتَرًى بِشَكْلٍ رَسْمِيٍّ وَمَدْوَنٍ عَلَيْهِ التَّسْعِيرَةُ (لَاصِقُ النِّقَابَةِ)،
وَيَقُومُ الصَّيْدَلَانِيُّ بِتَغْيِيرِ كَمِّيَّةِ الْأَدْوِيَةِ الْمَكْتُوبَةِ فِي الْوَصْفَةِ بِطُرُقٍ غَيْرِ مَكْشُوفَةٍ،
كَأَنْ يَكُونَ مَكْتُوبًا فِي الْوَصْفَةِ عِلْبَةٌ وَاحِدَةٌ، فَيُغَيِّرُ الصَّيْدَلَانِيُّ الرَّقْمَ إِلَى عِلَبَتَيْنِ، وَيَأْخُذُ الْعِلْبَةَ الْأُخْرَى لَهُ.
وَهَذَا مِنَ النَّصْبِ وَالاحْتِيَالِ عَلَى سَرِقَةِ حُقُوقِ الْآخَرِينَ وَالتَّعَدِّي عَلَى الْمَالِ الْعَامِّ بِدُونِ وَجْهٍ حَقّ
ٱلْعُنْصُرُ الثَّالِثُ: أَسْبَابُ الْخِلَافَاتِ الْأُسَرِيَّةِ وَكَيْفِيَّةُ مُوَاجَهَتِهَا
ٱلْأُسْرَةُ نُوَاةُ ٱلْمُجْتَمَعِ، وَٱلْأَسَاسُ ٱلَّذِي يَقُومُ عَلَيْهِ ٱلْبِنَاءُ، فَإِنْ صَلَحَتِ ٱلْأُسْرَةُ صَلَحَ ٱلْمُجْتَمَعُ بِأَسْرِهِ، وَإِنْ تَفَكَّكَتْ أَوَاصِرُ ٱلْأُسْرَةِ وَتَخَلْخَلَ بِنَاؤُهَا، أَثَّرَ ذَلِكَ سَلْبًا عَلَى ٱلْأَفْرَادِ أَجْمَع؛
وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ اعْتَنَى ٱلْإِسْلَامُ بِٱلْأُسْرَةِ وَتَقْوِيَةِ أَوَاصِرِ ٱلْمَحَبَّةِ بَيْنَ أَفْرَادِهَا، وَحَمَايَتِهَا مِمَّا يَعْصِفُ بِهَا وَيَهَدِّدُ أَرْكَانَهَا، وَقَدْ جَعَلَ ٱللَّهُ ٱلْأُسْرَةَ آيَةً بَاهِرَةً تَدُلُّ عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ وَرُبُوبِيَّتِهِ وَبَدِيعِ صَنْعِهِ وَنِظَامِهِ، فَقَالَ جَلَّ جَلَالُهُ:
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ [الروم: 21]
فَنُنَوِّهُ هُنَا لِبَعْضِ الْمَشَاكِلِ الَّتِي عَصَفَتْ بِأُسَرِنَا الْإِسْلَامِيَّةِ الْيَوْمَ، وَبَيَانِ بَعْضِ الْمَسَاوِئِ الَّتِي انتقلت إلى ٱلْمُجْتَمَعِ الْمُسْلِمِ وَتَفَشَّتِ ٱلْعَدْوَى فِيهَا أَجْمَع، مِمَّا جَعَلَهَا مُجْتَمَعَاتٍ ضَعِيفَةً لَا تَقْوَى عَلَى ٱلْدِّفَاعِ عَنْ نَفْسِهَا ضِدَّ ٱلْآفَاتِ وَٱلْغَوَائِلِ، وَلَا تَقْوَى عَلَى مُوَاجَهَةِ ٱلأَعْدَاءِ وَمُقَارَعَةِ مَا يَحْدُقُ بِهَا مِنْ أَخْطَارٍ، وَٱلتَّصَدِّي لِمَا يُوَاجِهُهَا مِنْ بَلَاءِ.
* إِنَّ مِنْ أَهَمِّ أَسْبَابِ الْوَهْنِ الَّذِي أَصَابَ أُسَرَنَا الْإِسْلَامِيَّةَ: ٱلْمُخَالَفَاتُ ٱلشَّرْعِيَّةُ، وَانْتِشَارُ الْعَادَاتِ السَّيِّئَةِ الَّتِي مَصْدَرُهَا مِنْ أَعْدَائِنَا؛ حَتَّى دَبَّ الْوَهْنُ فِي ٱلنُّفُوسِ، وَأَصْبَحَ رَبُّ ٱلْأُسْرَةِ يَرَى أَبْنَاءَهُ وَبَنَاتِهِ يَتَخَلَّفُونَ عَنْ أَدَاءِ فَرَائِضِهِمْ كَالصَّلَاةِ، وَيُمَارِسُونَ أَنْوَاعًا مِنَ الْمَعَاصِي، وَيُقَلِّدُونَ أَبْنَاءَ وَبَنَاتِ الْكَفَّارِ، دُونَ أَنْ يُزَجِّرَهُمْ أَوْ يُذَكِّرَهُمْ، وَالْسَّبَبُ أَنَّهُ تَغَافَلَ عَنْ مَسْؤُولِيَّتِهِ، فَهُوَ يُجْلِبُ مَا يُصْلِحُ أَبْدَانَهُمْ وَيَحْمِيهم مِنَ الْبَرْدِ وَالْجُوعِ، وَلَكِنْ يُغْفِلُ عَمَّا يُصْلِحُ قُلُوبَهُمْ وَأَرْوَاحَهُمْ، أَوْ يَجْعَلُهُمْ أَدَاةً صَالِحَةً لِخِدْمَةِ مُجْتَمَعِهِمْ وَوَطَنِهِ، وَبِالتَّالِي يَكُونُونَ عَالَةً عَلَى مُجْتَمَعِهِمْ، وَلَا يُمْكِنُ لِلْوَطَنِ – وَٱلْحَالَةُ هَذِهِ – أَنْ يُعْتَمَدَ عَلَى هَذَا الْجِيلِ، أَوْ يَكُونَ بِهِمْ أَدَاةً نَافِعَةً وَقُوَّةً مُؤَثِّرَةً ضَارِبَةً، بَلْ رُبَّمَا خَذَلُوا آبَاءَهُمْ وَمُجْتَمَعَهُمْ وَوَطَنَهُمْ فِي أَحْرَجِ ٱلظُّرُوفِ، وَعِنْدَ حَاجَةِ مُجْتَمَعِهِمْ إِلَيْهِمْ.
فَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نَبْنِي أُسَرًا قَوِيَّةً وَفْقَ قَوَاعِدَ مُتِينَةٍ وَأُسُسٍ سَلِيمَةٍ، فَعَلَيْنَا أَنْ نَزْرَعَ مَحَبَّةَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ فِي قُلُوبِ أَبْنَائِنَا وَبَنَاتِنَا، حَتَّى يَكُونُوا قُرَّةَ عَيْنٍ لَنَا فِي الدُّنْيَا وَبَعْدَ ٱلْمَمَاتِ.
* وَمِنَ الْأَخْطَاءِ فِي هَذَا الْجَانِبِ أَنَّ الرَّجُلَ يُعَاقِبُ زَوْجَتَهُ وَأَوْلَادَهُ فِي عَدَمِ ٱلطَّاعَةِ وَٱلانصِيَاعِ لِأَمْرِهِ وَتَنْفِيذِ أَوَامِرِهِ، وَهُوَ مُقَصِّرٌ فِي حَقِّ ٱللَّهِ، لَا يُعَظِّمُ ٱللَّهَ، وَلَا يُوقِرُهُ حَقَّ تَقْوِيرِهِ، وَقَدْ كَانَ الصَّالِحُونَ مِنْ عِبَادِ ٱللَّهِ يَخَافُونَ عَلَى أُسَرِهِمْ مِنَ ٱلذُّنُوبِ، كَمَا نَخَافُ عَلَيْهِمْ الْيَوْمَ مِنَ الْآفَاتِ وَالْأَمْرَاضِ.
قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: «وَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ ذَنْبِي فِي خَلْقِ زَوْجَتِي وَفِي خَلْقِ دَابَّتِي».
وَمِنْ أَسْبَابِ الْمَشَاكِلِ وَالنِّزَاعَاتِ الْأُسَرِيَّةِ: تَضْيِيعُ الْحُقُوقِ، وَشُيُوعُ الْمَظَالِمِ، وَالتَّفْرِيطُ فِي تَطْبِيقِ حُقُوقِ الْعِبَادِ؛ فَلَا الْزَّوْجُ يَعْرِفُ مَا لَهُ مِنَ الْحَقِّ عَلَى زَوْجَتِهِ، وَلَا الزَّوْجَةُ تَعْرِفُ مَا لَهَا مِنَ الْحَقِّ عَلَى زَوْجِهَا، إِمَّا جَهْلًا أَوْ تَغَافُلًا؛ مِمَّا يُؤَدِّي إِلَى نُشُوبِ الصِّرَاعَاتِ، وَحُدُوثِ الْخِلَافَاتِ، لِأَتْفَهِ الْأَسْبَابِ، وَأَصْغَرِ الْأُمُورِ، فَتَرَى الزَّوْجَ يُعَاقِبُ زَوْجَتَهُ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تُهِئِ عَلَى مَائِدَةِ الطَّعَامِ نَوْعًا مِنْ أَنْوَاعِهِ، أَوْ لَمْ تَضَعْ لَهُ نَوْعًا مِنَ الْأَطْعِمَةِ الَّتِي يُحِبُّهَا وَيَرْغَبُ فِي تَنَاوُلِهَا، أَوْ تَعَرَّضَ عَنْ زَوْجِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْهَا لِلْسُّوقِ أَوِ (الْمُولِ الْفُلَانِي)، وَلَهَا فِي الْبَيْتِ مَا يُغْنِيهَا وَيَسَعُهَا مِنَ الْأَغْرَاضِ وَالْمَلَابِسِ وَالْأَزْيَاء، وَقَدْ بَيَّنَتِ الْأَحَادِيثُ مَا هِيَ الْحُقُوقُ الزَّوْجِيَّةُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا.
عَنْ عَمْرُو بْنِ الْأَحْوَصِ الْجُشْمِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ يَقُولُ بَعْدَ أَنْ حَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَذَكَرَ وَوَعَظَ، ثُمَّ قَالَ:
«أَلَا وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا؛ فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ، لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنَّ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ، إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ، فَإِن فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمِضَاجِعِ، وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا، أَلَا إِنَّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقًّا، وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا؛ فَحَقُّكُمْ عَلَيْهِنَّ أَلَا يُوَطِّئْنَ فُرُشَكُمْ مَن تَكْرَهُونَ، وَلَا يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ، أَلَا وَحَقُّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِنَّ فِي كِسْوَتِهِنَّ وَطَعَامِهِنَّ».
* مِنْ أَسْبَابِ الْمَشَاكِلِ الزَّوْجِيَّةِ: عَدَمُ الْمُصَارَحَةِ، وَغِيَابُ رُوحِ التَّفَاهُمِ، وَفَقْدَانُ الْتَّحَاوُرِ، وَشُيُوعُ سُوءِ الظَّنِّ، وَالتَّوَجُّسِ، فَتَرَى الزَّوْجَ مَعَ زَوْجَتِهِ طُولَ سِنِينَ وَمُعَاشَرَةٍ طَوِيلَةٍ لَمْ يُفَاتِحْهَا، وَلَمْ يَجْلِسْ مَعَهَا، وَلَمْ يَتَنَاقَشَا فِيمَا يَحْصُلُ وَيَتَرَاكَبُ بَيْنَهُمَا مِنْ خِلَافَاتٍ بَسِيطَةٍ، رُبَّمَا تَتَطَوَّرُ بِمُرُورِ الْأَيَّامِ إِلَى الْاِنْفِصَالِ، وَجَعَلُوا مِنْ حَيَاتِهِمْ وَمُعَاشَرَتِهِمْ رُوتِينًا مُسْتَمِرًّا، كَأَنَّهُمْ آلَةٌ تَعْمَلُ، وَمَطْحَنَةٌ تَطْحَنُ، وَالسَّبَبُ أَنَّنَا لَمْ نَتَعَوَّدْ عَلَى هَذَا الْخُلُقِ الْكَرِيمِ وَالْأَدَبِ الْعَظِيمِ الَّذِي كَانَ بَيْنَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَزَوْجَاتِهِمْ، قَالَ أَبُو الدَّرْدَاء رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِزَوْجَتِهِ: «إِذَا رَأَيْتِنِي غَاضِبًا فَرَضِّنِي، وَإِذَا رَأَيْتِكِ غَضْبِي رَضِيتُكِ، وَإِلَّا لَنْ نَصْطَحَبَ»، فَالزَّوْجُ يُرِيدُ مِنْ أَهْلِهِ أَنْ تَكُونَ طَوْعَ أَمْرِهِ فِي كُلِّ مَا يَأْمُرُ بِهِ أَوْ يَنْهَى، دُونَ أَنْ تَرَى هِيَ مِنْ زَوْجِهُ الْكَلِمَةَ الطَّيِّبَةَ، وَالْقَوْلَ الْحَسَنَ، وَالِابْتِسَامَةَ الصَّادِقَةَ.
* مِنْ أَسْبَابِ الْمَشَاكِلِ الزَّوْجِيَّةِ: أَنْ الرَّجُلَ يَنْسَى فَضَائِلَ أَهْلِهِ وَأُمِّ عِيَالِهِ، وَيَتَذَكَّرُ مِنْهَا فَقَطِ السَّيِّئَاتِ وَالْهَفَوَاتِ، وَيَضَعُ نَصْبَ عَيْنِهِ الْأَخْطَاءَ وَالزَّلَاتِ؛ وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ جَاءَتِ الْوَصَايَا النَّبَوِيَّةُ فِي عِلَاجِ الْعَدِيدِ مِنَ الْمَشَاكِلِ الْأُسَرِيَّةِ، بِهَذَا الْأُسْلُوبِ النَّبَوِيِّ الَّذِي لَا تَسْتَقِيمُ الْحَيَاةُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ إِلَّا بِهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَفْرَكُ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً؛ إِن كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا، رَضِيَ مِنْهَا آخَر»؛ [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].
وَمِنَ الْأَخْطَاءِ فِي هَذَا الْجَانِبِ أَنَّ الزَّوْجَ فِي تَأْدِيبِ أَهْلِهِ وَأَوْلَادِهِ لَا يَتَدَرَّجُ فِي التَّعْلِيمِ وَالتَّرْبِيَةِ وَتَقْوِيمِ السُّلُوكِ وَالْخَطَأِ؛ بَلْ إِنَّهُ يَنْتَقِلُ مُبَاشَرَةً إِلَى الْمَرْحَلَةِ الأَخِيرَةِ، وَالْعِلَاجِ بِالْكَيِّ، وَهُوَ الضَّرْبُ أَوِ الطَّلَاقُ، وَهَذَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُخَرِّبَ الْبُيُوتَ، وَيُفْسِدَ الْعَلاَقَاتِ، وَيَهْدِمَ الْبُنْيَانَ دُونَ رُجُوعٍ؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمِضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ﴾ [النِّسَاء: 34].
* وَمِنْ أَسْبَابِ الْمَشَاكِلِ الزَّوْجِيَّةِ: عَدَمُ الْقَنَاعَةِ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَهُ مِنْ نَصِيبٍ، فَتَرَى الرَّجُلَ يُقَلِّبُ بَصَرَهُ فِي صُورِ النِّسَاءِ فِي الْقَنَوَاتِ وَوَسَائِلِ الْاتِّصَالِ الْحَدِيثِ، فَيَرَى نِسَاءَ الْغَرْبِ وَمَا مَيَّزَهُنَّ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْجَمَالِ الظَّاهِرِ، وَيَتَّفِقُ أَنْ تَكُونَ ضَعِيفَةُ الْإِيمَانِ زَوْجَتُهُ لَا تَمْلِكُ ذَلِكَ، وَمِنْ هُنَا تَبْدَأُ الْمَشَاكِلُ وَالنِّزَاعَاتُ، فَيَضْعُفُ إِقْبَالُهُ عَلَى زَوْجَتِهِ وَحُبُّهُ لَهَا؛ وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ جَاءَ الشَّرْعُ الْحَنِيفُ بِالْحَثِّ عَلَى غَضِّ الْبَصَرِ، وَإِنَّ مَنْ أَطْلَقَ بَصَرَهُ دَامَتْ حَسَرَاتُهُ، وَتَسَخَّطَ عَلَى مَا أَعْطَاهُ اللَّهُ مِنْ زَوْجَةٍ صَابِرَةٍ، مُتَّقِيَةٍ لِلَّهِ، عَفِيفَةٍ، قَانِعَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا الْجَمَالُ الظَّاهِرُ، فَلَدَيْهَا الْجَمَالُ الْبَاطِنُ، وَالطَّاعَةُ، وَالْعَمَلُ فِي بَيْتِهَا، وَتَرْبِيَةُ أَوْلَادِهَا، وَالْعِنَايَةُ بِهِمْ، وَتَعْلِيمُهُمْ، وَحَبْسُ نَفْسِهَا فِي الْبَيْتِ مِنْ أَجْلِ أَدَاءِ هَذِهِ الْمَهَامِّ الْجَسِيمَةِ، وَهَذِهِ الصِّفَاتُ رُبَّمَا لَا تَجِدُهَا عِنْدَ نِسَاءِ الْغَرْبِ.
* وَمِنَ الْمَشَاكِلِ أَيْضًا هَجْرُ الرَّجُلِ أَهْلَهُ لِسَاعَاتٍ طَوِيلَةٍ خَارِجَ الْبَيْتِ، وَتَرَاهُ يَبْدَأُ بِتَوْزِيعِ الْاِبْتِسَامَاتِ وَالْقُبَلَاتِ مَعَ نَدِمَائِهِ وَأَصْدِقَائِهِ فِي الْمَقَاهِي وَالنَّوَادِي، وَالتَّحَدُّثِ مَعَهُمْ رُبَّمَا لِسَاعَةٍ مُتَأَخِّرَةٍ مِنَ اللَّيْلِ، وَلَكِنْ مَا أَنْ يَدْخُلَ الْبَيْتَ يَتَحَوَّلُ لِإِنْسَانٍ آخَرَ، فَتَغِيبُ الْاِبْتِسَامَةُ وَالضَّحْكَةُ عَنْ شَفَتَيْهِ، وَيُحَاوِلُ أَنْ يَبْتَعِدَ عَنْ مُجَالَسَةِ أَوْلَادِهِ وَبَنَاتِهِ، بَلْ أَحْيَانًا يَنْفُرُ مِنَ الْجُلُوسِ مَعَهُمْ، فَإِذَا أَكَلَ فَوَحْدَهُ، وَإِذَا قَرَأَ فَوَحْدَهُ، حَتَّى تَحْصُلَ النُّفْرَةُ وَالْوَحْشَةُ فِي قُلُوبِ أَوْلَادِهِ وَأَهْلِهِ، وَغَالِبُ الْمَشَاكِلِ الْعَائِلِيَّةِ تَنْتُجُ عَنْ هَذَا السَّبَبِ.
* وَمِنَ الْمَشَاكِلِ الَّتِي ظَهَرَتْ فِي عَصْرِنَا الْحَاضِرِ، مَعَ تَطَوُّرِ وَسَائِلِ الْاِتِّصَالِ الْحَدِيثِ، وَظُهُورِ الْفَيْسْبُوكِ وَالْوَاتسَابِ وَنَحْوِهَا، وَجُلُوسِ الْعَدِيدِ مِنَ النِّسَاءِ رُبَّمَا لِسَاعَاتٍ، وَانْشِغَالِهَا عَنْ خِدْمَةِ زَوْجِهَا وَتَرْبِيَةِ أَوْلَادِهَا، وَتَنْظِيمِ بَيْتِهَا وَتَنْظِيفِ سَكَنِهَا، فَيَأْتِي مِنْ وَظِيفَتِهِ وَعَمَلِهِ وَهُوَ مُتْعَبٌ قَدْ أَرْهَقَتْهُ ظُرُوفُ الْعَمَلِ وَمَشَاغِلُ الْحَيَاةِ، يُمَنِّي النَّفْسَ أَنْ يَجِدَ الرَّاحَةَ فِي بَيْتِهِ، وَالسَّكِينَةَ فِي مَسْكَنِهِ وَوَطَنِهِ، فَإِذَا بِهِ يُفَاجَأُ أَنَّ زَوْجَتَهُ انْشَغَلَتْ بِالِاتِّصَالِ وَالْحَدِيثِ مَعَ صَدِيقَتِهَا أَوْ جَارَتِهَا، أَوْ تَصْفُّحِ مَا يُقَالُ هُنَا وَهُنَاكَ مِنْ عَالَمِ الْأَخْبَارِ، وَآخِرِ الْأَزْيَاءِ وَالْمَوْضَاتِ، وَعُرُوضِ التَّخْفِيضَاتِ وَالْمَطَاعِمِ وَالْمَأْكُولَاتِ وَالْفَوَاكِهَ، وَقَدْ تَرَكَتِ الْحَبْلَ عَلَى الْغَارِبِ، وَتَرَكَتِ الْأَطْفَالَ فِي الشَّارِعِ يَسْرَحُونَ وَيَمْرَحُونَ، دُونَ رَقِيبٍ أَوْ مُحَاسَبَةٍ، فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ أَسْبَابِ النُّفُورِ وَالْكَرَاهِيَةِ، وَبَدَلًا مِنْ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْوَسِيلَةُ نِعْمَةً يُسْخِّرُهَا الْإِنْسَانُ وَالْأُسْرَةُ خَاصَّةً فِي الْخَيْرِ، وَأَصْبَحَتْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَحْيَانِ نِقْمَةً وَبَلَاءً عَلَى الْأُسَرِ الْإِسْلَامِيَّةِ فِي سُرْعَةِ نَقْلِ الْمَشَاكِلِ، وَتَوْسِيعِ دَائِرَتِهَا، وَتَضْخِيمِ أَمْرِهَا، وَالْتَّهْوِيلِ مِنْ شَأْنِهَا، فَتَتَّصِلُ الزَّوْجَةُ بِأَهْلِهَا وَتَشْكُو لَهُمْ أَمْرَ زَوْجِهَا، وَأَنَّهُ أَهَانَهَا وَحَقَّرَ مِنْ شَأْنِهَا، فَتَكْبُرُ الْمُشْكِلَةُ وَتَعْمُ الْبَلْوَى.
* وَمِنَ الْقَوَاعِدِ وَالضَّوَابِطِ فِي حَلِّ الْمَشَاكِلِ الْأُسَرِيَّةِ، مَا يَلِي:
* مَعْرِفَةُ الْوَسَائِلِ الشَّرْعِيَّةِ فِي عِلَاجِ الْخِلَافَاتِ:
لِأَنَّ عَدَمَ مَعْرِفَةِ الْوَسَائِلِ الشَّرْعِيَّةِ فِي عِلَاجِ الْخِلَافَاتِ الَّتِي تَحْصُلُ فِي الْأُسْرَةِ، تَجْعَلُ أَفْرَادَهَا يَتَصَرَّفُونَ تَصَرُّفًا خَاطِئًا، فَيَتَبَادَرُ إِلَى ذِهْنِ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ عِنْدَ حُدُوثِ أَيِّ خَلَلٍ أَنَّ الْحَلَّ هُوَ الطَّلَاقُ، وَلَا يَرَوْنَ عِلَاجًا آخَرَ، فَالزَّوْجَةُ لَا تَرَى حَلًّا وَعِلَاجًا إِلَّا أَنْ تَقُولَ: طَلِّقْنِي، أَوِ اذْهَبْ بِي إِلَى أَهْلِي، وَهَذَا خَطَأٌ؛ فَإِنَّ الطَّلَاقَ آخِرُ مَرْحَلَةٍ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جَعَلَ وَسَائِلَ لِعِلَاجِ الْخِلَافَاتِ الزَّوْجِيَّةِ قَبْلَ الطَّلَاقِ، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ وَالَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ… ﴾ [النِّسَاء: 34].
فَبَدَأَ بِالْوَعْظِ وَالتَّعْلِيمِ، ثُمَّ الْهِجْرُ فِي الْمِضْجَعِ، ثُمَّ الضَّرْبُ غَيْرُ الْمُبَرِّحِ، ثُمَّ الْحَكَمَانِ.
وَالِابْنُ أَوِ الْبِنْتُ إِذَا وَقَعَا فِي مُشْكِلَةٍ، لَا يَعْرِفُ الْأَبُ سِوَى الضَّرْبِ، وَإِذَا وَقَعَ الْأَخُ أَوِ الْعَمُّ أَوْ أَحَدُ أَفْرَادِ الْأُسْرَةِ فِي مُشْكِلَةٍ، لَا يَعْرِفُونَ إِلَّا الْهِجْرَ.
فَعَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَعْرِفَ التَّعَامُلَ الشَّرْعِيَّ فِي حَلِّ الْمَشَاكِلِ، وَكَيْفِيَّةَ التَّعَامُلِ الصَّحِيحِ مَعَ أَفْرَادِ الْأُسْرَةِ وَمُشْكِلَاتِهِمْ، وَفِقْدِ آدَابِ الشَّرْعِ، وَأَنْ يَبْحَثَ عَنْ الْمَشَاكِلِ وَأَسْبَابِهَا، ثُمَّ يُعَالِجَهَا بِالْعِلَاجِ الشَّرْعِيِّ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ فَسَأَلَ أَهْلَ الْعِلْمِ، وَاسْتَرْشَدَ بِكَلَامِهِمْ فِي حَلِّ الْمُشْكِلَاتِ.
* الْعَفْوُ وَالتَّغَافُلُ وَالتَّنَازُلُ:
الْكَثِيرُ مِنَ الْمَشَاكِلِ يُمْكِنُ تَجَاوُزُهَا بِالتَّنَازُلِ عَنْ بَعْضِ الْحُقُوقِ، وَالتَّغَافُلِ وَالْعَفْوِ عَنْ بَعْضِ التَّقْصِيرِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ﴾ [الْبَقَرَة: 237].
وَمَعْنَى كَوْنِ الْعَفْوِ أَقْرَبَ لِلتَّقْوَى: أَنَّ الْعَفْوَ أَقْرَبُ إِلَى صِفَةِ التَّقْوَى مِنَ التَّمَسُّكِ بِالْحَقِّ؛ لِأَنَّ التَّمَسُّكَ بِالْحَقِّ لَا يُنَاقِضُ التَّقْوَى، لَكِنَّهُ يُؤَذِّنُ بِتَصَلُّبِ صَاحِبِهِ وَشِدَّتِهِ، وَالْعَفْوُ يُؤَذِّنُ بِسَمَاحَةِ صَاحِبِهِ وَرَحْمَتِهِ، وَالْقَلْبُ الْمَطْبُوعُ عَلَى السَّمَاحَةِ وَالرَّحْمَةِ لِينٌ يَزْعُهُ عَنْ الْمَظَالِمِ وَالْقَسَاوَةِ، فَتَكُونُ التَّقْوَى أَقْرَبَ إِلَيْهِ؛ لِكَثْرَةِ أَسْبَابِهَا فِيهِ فَرُبَّمَا لَوْ تَشَبَّثَ كُلُّ طَرَفٍ بِحُقُوقِهِ لَخَسِرَ كُلُّ طَرَفٍ أَكْثَرَ مِمَّا كَانَ يُرِيدُ، وَأَخْطَرُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُطَالِبَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ بِأَشْيَاءِ لَيْسَتْ مِنْ حَقِّهِ.
فَعَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَكُونَ حَلِيمًا أَثْنَاءَ حُدُوثِ الْمُشْكِلَةِ، فَالْحِلْمُ مِنْ أَعْظَمِ الصِّفَاتِ وَأَنْبَلِهَا، قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: “مَا تَجَرَّعَ عَبْدٌ جَرْعَةً أَعْظَمَ مِنْ جَرْعَةِ حِلْمٍ عِنْدَ الْغَضَبِ”.
يَقُولُ ابْنُ تَيْمِيَةَ مُعَلِّقًا: “وَذَلِكَ لِأَنَّ أَصْلَ ذَلِكَ هُوَ الصَّبْرُ عَلَى الْمُؤْلِمِ، وَهَذَا هُوَ الشُّجَاعُ الشَّدِيدُ الَّذِي يَصْبِرُ عَلَى الْمُؤْلِمِ، وَالْمُؤْلِمُ إِنْ كَانَ مِمَّا يُمْكِنُ دَفْعُهُ أَثَارَ الْغَضَبَ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ دَفْعُهُ أَثَارَ الْحُزْنَ؛ وَلِذَلِكَ يَحْمَرُّ الْوَجْهُ عِنْدَ الْغَضَبِ لِثَوْرَانِ الدَّمِ عِنْدَ اسْتِشْعَارِ الْقُدْرَةِ، وَيَصْفَرُّ عِنْدَ الْحُزْنِ لِغُورِ الدَّمِ عِنْدَ اسْتِشْعَارِ الْعَجْزِ”، فَهَنِيئًا لِمَنْ جَعَلَ الْحِلْمَ دَأْبَهُ وَمَبْدَأَهُ، فَإِنَّمَا الْحِلْمُ بِالتحلُّمِ.
* تَرْكُ الْغَضَبِ:
وَمِمَّا يُقَلِّلُ الْمَشَاكِلَ وَيُقَلِّصُهَا تَرْكُ الْغَضَبِ، وَهَذَا تَوْجِيهٌ نَبَوِيٌّ حَثَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: «لا تَغْضَب»، فَرَدَّدَ مَرَارًا، قَالَ: «لا تَغْضَب».
فَمِمَّا يَنْبَغِي عَلَى الْإِنْسَانِ لَحْظَةَ حُدُوثِ الْمُشْكِلَةِ أَنْ يَتْرُكَ الْغَضَبَ، وَلَا يُحَاوِلَ التَّغَلُّبَ عَلَى الْمُشْكِلَةِ بِالْقُوَّةِ وَالانْفِعَالِ وَالْغَضَبِ، أَوِ الْقَضَاءِ عَلَيْهَا فِي وَقْتِهَا بِأَيِّ طَرِيقَةٍ كَانَتْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَثِّرُ تَأثِيرًا سَلْبِيًّا عَلَى الْغَاضِبِ وَتَصَرُّفَاتِهِ، وَيُؤَثِّرُ أَيْضًا عَلَى مَنْ كَانَ سَبَبًا فِي حُدُوثِ الْمُشْكِلَةِ.
وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْاسْتِعَاذَةُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَالْهُدُوءُ وَالصَّبْرُ، وَالتَّصَرُّفُ بِحِكْمَةٍ؛ وَلِهَذَا يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [الأَعْرَاف: 200].
فَالاسْتِعَاذَةُ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ أَوَّلُ مَا يَنْبَغِي قَوْلُهُ بَدَلًا مِنَ الرَّدِّ عَلَى الطَّرَفِ الْآخَرِ، أَوِ الصُّرَاخِ فِي وَجْهِهِ.
وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صَرْدٍ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجُلَانِ يَسْتَبَّانِ، فَأَحَدُهُمَا احْمَرَّ وَجْهُهُ، وَانْتَفَخَتْ أَوْدَاجُهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي لأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا ذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ، لَوْ قَالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ، ذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ».
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَقْوَى عِلَاجٍ لِتَسْكِينِ الْغَضَبِ وَالْقَضَاءِ عَلَيْهِ هُوَ الاسْتِعَاذَةُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ، بِنِيَّةٍ صَادِقَةٍ، وَعَزِيمَةٍ قَوِيَّةٍ، وَيَقِينٍ وَإِخْلَاصٍ؛ لِأَنَّ الْغَضَبَ نَزْعَةٌ شَيْطَانِيَّةٌ شِرِّيرَةٌ، وَالاسْتِعَاذَةُ أَقْوَى سِلَاحٍ لِمُحَارَبَةِ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا لَمْ يَسْتَعْمِلْ هَذَا السِّلَاحَ، سَخَّرَهُ فِي كُلِّ مَا يُغْضِبُ اللَّهَ مِنْ أَعْمَالٍ إِجْرَامِيَّةٍ؛ إِشْبَاعًا لِغَرِيزَةِ التَّشَفِّي وَالانْتِقَامِ.
وَبِالْغَضَبِ يَخْرُجُ الْإِنْسَانُ مِنْ اعْتِدَالِ حَالِهِ، فَيَتَكَلَّمُ بِالْبَاطِلِ، وَيَرْتَكِبُ الْمَذْمُومَ، وَيَنْوِي الْحِقْدَ وَالْبُغْضَاءَ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْقَبَائِحِ الْمُحَرَّمَةِ، كُلُّ ذَلِكَ مِنَ الْغَضَبِ أَعَاذَنَا اللَّهُ مِنْهُ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ كَظَمَ غَيْظًا وَهُوَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنَفِّذَهُ، دَعَاهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رُؤُوسِ الْخَلَائِقِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ فِي أَيِّ الْحُورِ شَاءَ».
فَقَوْلُهُ: «دَعَاهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رُؤُوسِ الْخَلَائِقِ»؛ أَيْ: شَهَّرَهُ بَيْنَ النَّاسِ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَتَبَاهَى بِهِ، وَيُقَالُ فِي حَقِّهِ: هَذَا الَّذِي صَدَرَتْ مِنْهُ هَذِهِ الْخِصْلَةُ الْعَظِيمَةُ، «حَتَّى يُخَيِّرَهُ»؛ أَيْ: يَجْعَلَهُ مُخَيَّرًا، «فِي أَيِّ الحُورِ شَاءَ»؛ أَيْ: فِي أَخْذِ أَيِّهِنَّ شَاءَ، وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ إِدْخَالِهِ الْجَنَّةَ الْمَنِيعَةَ، وَإِيصَالِهِ الدَّرَجَةَ الْرَفِيعَةَ.
بَلِ انْظُرْ إِلَى رَدَّةِ فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى زَوْجَتِهِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، حِينَمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ، فَأَرْسَلَتْ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِصَحْفَةٍ فِيهَا طَعَامٌ، فَضَرَبَتِ الَّتِي فِي يَدِ الْخَادِمِ فَسَقَطَتِ الصَّحْفَةُ، فَانْفَلَقَتْ، فَجَمَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلْقَ الصَّحْفَةِ، ثُمَّ جَعَلَ يَجْمَعُ فِيهَا الطَّعَامَ الَّذِي كَانَ فِي الصَّحْفَةِ، وَيَقُولُ: «غَارَتْ أُمُّكُمْ»، ثُمَّ حَبَسَ الْخَادِمَ حَتَّى أُتِيَ بِصَحْفَةٍ مِنْ عِنْدِ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا، فَدَفَعَ الصَّحْفَةَ الصَّحِيحَةَ إِلَى الَّتِي كُسِرَتْ صَحْفَتُهَا، وَأَمْسَكَ الْمُكْسُورَةَ فِي بَيْتِ الَّتِي كَسَرَتْ.
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ: الصَّبْرُ عَلَى النِّسَاءِ وَعَلَى أَخْلَاقِهِنَّ وَعَوْجِهِنَّ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يُوَبِّخْهَا عَلَى ذَلِكَ، وَلَا لَامَهَا، وَلَا زَادَ عَلَى قَوْلِهِ: «غَارَتْ أُمُّكُمْ»، فَاحْتَمَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا ذَلِكَ حِلْمًا وَكَرَمًا، وَتَصَرَّفَ تَصَرُّفَ الْحُكَمَاءِ، وَقَلَّلَ مِنَ الْمُشْكِلَةِ، وَلَمْ يُكَبِّرْهَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.
* تَرْكُ سُوءِ الظَّنِّ:
كَثِيرٌ مِنَ الْمَشَاكِلِ تُبْنَى عَلَى سُوءِ الظَّنِّ، وَعَلَى الْأَوْهَامِ وَالْخَيَالَاتِ، أَوْ يَزِيدُ فِي تَأْجِيجِهَا سُوءُ الظَّنِّ، فَعَلَى الْمُسْلِمِ تَجَنُّبُ سُوءِ الظَّنِّ، وَالتَّعَامُلُ بِوَاقِعِيَّةٍ مَعَ كُلِّ مُشْكِلَةٍ تَمُرُّ بِهِ.
وَعَلَيْهِ حُسْنُ الظَّنِّ بِالشَّخْصِ صَاحِبِ الْمُشْكِلَةِ مَا أَمْكَنَ، فَقَدْ يَكُونُ لَدَيْهِ تَصَوُّرٌ مُعَيَّنٌ، أَوْ فَهْمٌ خَاطِئٌ، أَوْ بَلَغَهُ أَمْرٌ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ وَلِهَذَا إِحْسَانُ الظَّنِّ بِالْمُسْلِمِ مِمَّا يُرِيحُ النَّفْسَ، وَتَلْمُّسُ الْأَعْذَارِ مِمَّا يُهَوِّنُ الْمُصِيبَةَ، وَيُعِينُ عَلَى حَلِّهَا بِرُوِيَّةٍ وَحُسْنِ تَفْكِيرٍ.
وَهَذَا الْمَعْنَى نَرَاهُ جَلِيًّا فِي تَعَامُلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ الرَّجُلِ الْمُتَّهَمِ ضِمْنِيًّا زَوْجَتَهُ بِالْفَاحِشَةِ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلَامًا أَسْوَدَ، وَأَنَا أُنْكِرُهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ؟»، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَمَا أَلْوَانُهَا؟»، قَالَ: حُمْرٌ، قَالَ: «هَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقٍ؟»، قَالَ: إِنْ فِيهَا لَوْرَقٌ، قَالَ: «فَأَنَّى تَرَى ذَلِكَ جَاءَهَا؟»، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، عَرَقٌ نَزَعَهُ، قَالَ: «وَلَعَلَّ هَذَا عَرَقٌ نَزَعَهُ»، وَلَمْ يَرْخِصْ لَهُ فِي الانْتِفَاءِ مِنْهُ.
* حِفْظُ اللِّسَانِ:
وَبَعْضُ الْمَشَاكِلِ يَكُونُ وَقُودُهَا اللِّسَانُ، فَقَدْ يُنْقَلُ كَلاَمٌ إِلَى الطَّرَفِ الْآخَرِ، وَالْأُمُورُ مُتَيَسِّرَةٌ فَإِذَا بِهَا تَتَعَسَّرُ؛ فَاللِّسَانُ مِمَّا يَزِيدُ فِي لَهِيبِ الْمَشَاكِلِ وَتَطَوُّرَاتِهَا، وَالسَّبُّ وَالشَّتْمُ وَاللَّعْنُ عَوَامِلُ تُؤَجِّجُ الْمَشَاكِلَ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيْسَ بِاللَّعَّانٍ وَلَا الطَّعَّانِ، وَلَا الْفَاحِشِ وَلَا الْبَذِيءِ».
فَلْيُمْسِكِ الْإِنْسَانُ لِسَانَهُ؛ فَاللَّعْنُ وَالسَّبُّ وَالشَّتْمُ هُوَ مَتْنَفَسُ الْعَاجِزِينَ، وَبَابُ إِشْعَالِ فَتِيلِ الْمَشَاكِلِ فِي الْبُيُوتِ.
عِبَادَ اللهِ:
وَمِمَّا يَنْبَغِي مُرَاعَاتُهُ فِي التَّعَامُلِ مَعَ الْمَشَاكِلِ الْأُسَرِيَّةِ:
* الْكِتْمَانُ لِلْخِلَافَاتِ الزَّوْجِيَّةِ، وَمُحَاوَلَةُ حَصْرِ الْخِلَافَاتِ الزَّوْجِيَّةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَالْحَذَرُ مِنْ تَوْسِيعِ دَائِرَتِهَا بِإِدْخَالِ الْأَهْلِ وَالْأَقْرِبَاءِ فِي مُشْكِلَتِهِمَا بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، فَيَتَحَمَّسُ كُلُّ فَرِيقٍ لِمُنَاصَرَةِ قَرِيبِهِ، وَلَوْ كَانَ مُخْطِئًا، وَتَتَحَوَّلُ الْمُشْكِلَةُ إِلَى قَضِيَّةٍ يَتَعَصَّبُ فِيهَا كُلُّ فَرِيقٍ لآرَائِهِ، وَيَتَّبِعُ أَهْوَاءَهُ، وَتَتَعَقَّدُ الْأُمُورُ، وَيَصْعُبُ الْحَلُّ، وَإِنْ كَانَ وَلَا بُدَّ مِنْ تَوْسِيعِ الدَّائِرَةِ بَعْدَمَا يَئِسَ الزَّوْجَانِ مِنْ حَلِّ خِلَافَاتِهِمَا، فَلْيَكُنْ فِي أَضْيَقِ نِطَاقٍ، وَلأَكْثَرِ الْأَهْلِ حِكْمَةً وَخِبْرَةً.
* الْمُشْكِلَةُ بَلاءٌ، وَمَا نَزَلَ بَلاءٌ إِلَّا بِذَنْبٍ، وَلَا رُفِعَ إِلَّا بِتَوْبَةٍ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَمَا أَصَابَكُم مِّنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾ [الشورى: 30]، فَلْتَكُنِ الْمَشَاكِلُ مَحَطَّاتٍ يَتَزَوَّدُ الزَّوْجَانِ مِنْهَا بِالْإِيمَانِ؛ ذَلِكَ بِالتَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ، وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ.
وَكَذَلِكَ الرِّضَا بِقَضَاءِ اللهِ وَقَدَرِهِ؛ لِتَهُونَ عَلَيْهِ الْمُشْكِلَةُ أَوِ الْمُصِيبَةُ، وَلِيَسْتَطِيعَ التَّعَامُلَ مَعَهَا بِنَفْسٍ هَادِئَةٍ مُطْمَئِنَّةٍ.
نَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يَجْنِّبَ بُيُوتَنَا وَبُيُوتَ الْمُسْلِمِينَ الْمَشَاكِلَ وَالْفِتَنَ.
الدُّعَاءِ
اللَّهُمَّ أَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا وَحَبِّبْنَا فَى بَعْضِنَا وَانْزِعْ الشَّحْنَاءَ وَالْبَغْضَاءَ مِنْ قُلُوبِنَا وَانْشُرْ الْأَمْنَ وَالْأَمَانَ فَى بِلَادِنَا وَسَائِرِ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ وَارْفَعْ الْبَلَاءَ وَالْغَلَاءَ عَنَّا اللَّهُمَّ انْصُرْ إِخْوَانَنَا الْمُسْتَضْعَفِينَ فَى بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِوَالِدَيْنَا كَمَا رَبَّيَانَا صِغَارًا اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُمَا وَارْحَمْهُمَا يَارِبَ الْعَالَمِينَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ وَارْحَمْ مَشَايِخَنَا وَعُلَمَائِنَا وَإِلَى كُلِّ مَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ عَلَيْنَا يَارِبَ الْعَالَمِينَ
وَأَقُمْ الصَّلَاةُ