نورٌ الله الذاتي
25 سبتمبر، 2025
قبس من أنوار النبوة

بقلم الأستاذ الدكتور : مجدي إبراهيم
أستاذ الفلسفة الإسلامية والتصوف جامعة أسوان
يُصيب العبد المؤمن من الهموم والأحزان ما قد يُفتت فؤاده، فلابدّ له من تنفيس وإلا هلك.
لابدّ من أشعة النور الأعلى تنقشع بها حُجب ظلمات المعاصي والآثام : متنفس الهموم والأحزان، وهى ظلمات تتراكم من فعل الخطايا والغفلات والتعلق بالدُون فى عالم الشهوات.
نعم ! هى حُجُب لكنها سرعان ما تزول من فعل سرّ الأنوار ..
الروحانيّة فى المؤمن أقوى من الظلمانيّة، الروحانية هى الباقية، والظلمة فانية لا محالة.
وممدُّ همم الروحانية هو حضرة النبيّ أكمل خلق الله، وأول خلق الله، وأحبُّ خلق الله إلى الله، هو نور الله الذاتي، والنّسمة المنفوخة فينا هى من نوره حقيقةً لا مجازاً : عذاءٌ الأرواح وقوتها وسرّ بقائها، وهى سرٌ من أسراره :
(واعلموا أنّ فيكم رسول الله).
(لقد جاءكم رسول من أنفسكم).
(قُل بفضل الله وبرحمته، فبذلك فليفرحوا هو خيرٌ ممّا يجمعون). (لقد جاءكم من الله نورٌ وكتابٌ مبين).
ومن أعظم وأكمل وأبقى سُبل التنفيس عن الهم وكفايته؛ كثرة الصلاةِ على النبيّ، وكثرة التسليم عليه .. والكثرة تعني الزيادة من الإمداد الإلهي إلى حيث الاستمداد الروحانيّ للمؤمن، من الملأ الأعلى إلى النسمة الروحيّة التى هى فينا؛ لأن صلاة الله تعالى عليه إمداد، وصلاة المؤمنين استمداد، ولذلك جاء الأمر الإلهي بالصلاة والتسليم عليه لاستمداد النور الذاتي وهو الذى يجلو الغمّة ويكشف الكٌربة فيُكفي الهم ويغفر الذنب.
«إذنْ تُكفَي هَمَّك، ويُغفَرُ لك ذَنبُك».
وكيف تُكفي همّك ويغفر ذنبك؟..
دعني أقول لك إنّ الهموم والأحزان وما شابهها من آثار المعاصي، إنّما هى تجليات إلهيّة لصفات الجلال.
وسيدنا رسول الله نور حقيقته ذاتيٌّ يسري سره فى سائر الأسماء والصفات الإلهيّة، ومعدن النور تجليات لصفات الجمال، ومنها تجليات المحبّة، ولذلك فرض، صلوات الله وسلامه عليه، محبته وأوجبها أن تكون مقدّمة على حب النفس شرط تحقيق الإيمان.
والعالم كله محكوم بالأسماء الحُسنى والصفات العُلى … حقاً ..
والسر السارى سره فى الأسماء الحُسنى والصفات العلى هو : نورانية حضرته، صلوات الله وسلامه عليه.
فالكروب والهموم والأوجاع إنْ كانت تجليات لصفات الجلال الإلهي؛ فإنّ نور سيدنا رسول الله أسبق وأعلى، لأنه من مرتبة نور الذات، قبضة النور (الأصلية) الإلهيّة.
ومرتبة نور الذات أعلى من مرتبة الأسماء والصفات. ناهيك عن سريان نوره، فى سائر الأسماء والصفات الإلهيّة.
وبمقتضى هذا النور الأزلي القديم تجلًت الأسماء والصفات فيما خلق الله من عوالم الأكوان، ظاهرةً وباطنةً؛ لذلك كان ولا يزال صلوات الله وسلامه عليه من الأزل إلى الأبد رحمة من الله مُهداه، رحمة للعالمين.
العالمين بكل أنواعهم وأجناسهم وأطيافهم وأشكالهم وأصنافهم. وله فى ذاته النورانية صفات الجلال، وصفات الجمال، وصفات الكمال؛ لذلك كان (الإنسان الكامل) حقيقة لا مجازاً .
(وَإنَّ مِن مُذهِبَاتِ الأحزَان كَثرةُ الصَّلاةِ علَى النَّبيِّ العدنان ﷺ)
فيا من أصابك الهمُّ والحزن واشتد بك الكرب أكثر من الصلاة والسلام عليه.
واشتغل بها (بالنورانيّة) واستشعر بقاءك فيها.
عش الحالة، وتذوق حلاوتها.
وجاهد من أجلها.
وكلما غفلت عنها .. أذكرها.
وعاود ذكرها.
وإنْ شئت فانقطع لها ..
وتبتّل.
وبالغ فى محبته …
وفى تعظيمه، صلوات الله وسلامه عليه، حتى يفنيك عنك به.
هنالك ترى من الأثر، وتجني الثمر، وترقى لتدرك الحقائق بموالاته صلوات الله وسلامه عليه ومحبته واقتفاء أثره والانشغال به على الدوام بغير انقطاع.
فاللهم صَلِّ وسَلِّم وبارك على سيِّدِنا ونبيِّنا مُحَمَّد النور الذاتي، والسّرّ الساري سرّه في سائر الأسماء والصفات، وعلى آلهِ، عدد كمال الله وكما يليق بكماله.