د. إسلام عوض يكتب: دماء هند والدرة تُسقِط دولة الاحتلال
8 سبتمبر، 2025
أخبار العالم الإسلامى

بقلم الدكتور : إسلام عوض مدير تحرير بجريدة الأهرام المصرية
أصبح كل من الطفلين الفلسطينيين هند رجب ومحمد الدرة أيقونتين لمعاناة الأطفال الفلسطينيين، يفضحان العنف والوحشية والهمجية التي يمارسها جيش الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1948، وحتى هذه اللحظة.
وعلى الرغم من وجود فارق زمني يزيد على عقدين من الزمن، فإنهما يتشاركان في تفاصيل صادمة تؤكد استمرارية المأساة، ويؤكدان أن هذه الوحشية هي المسمار الأخير في نعش دولة الاحتلال.
*محمد الدرة.. صرخة في وجه العالم*
في سبتمبر عام 2000، وخلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية، هزت صورة الطفل محمد الدرة، البالغ من العمر 12 عامًا، العالم. التقطت عدسة الكاميرا لحظة وجوده مع والده خلف برميل إسمنتي في شارع صلاح الدين بقطاع غزة، بينما كانا يتعرضان لإطلاق نار كثيف من قبل جنود إسرائيليين.
حاول الأب حماية ابنه واحتضنه حتى يحميه من رصاصات الغدر والخسة، لكن النيران الهمجية لم تتوقف، لتصعد روح محمد الدرة إلى بارئها في مشهد بثَّته جميع القنوات الإخبارية، وأصبح الدرة أيقونة الانتفاضة.
كانت قصة الدرة بمثابة صدمة كبيرة، حيث كشفت للعالم أجمع عن الممارسات الوحشية للجيش الإسرائيلي، وتجاهله المتعمد لحياة المدنيين، وخاصة الأطفال.
*هند رجب.. والنداء الأخير*
بعد أكثر من 20 عامًا، وفي خضم العدوان على غزة عام 2024، تكررت المأساة، ولكن هذه المرة مع الطفلة هند رجب ذات الأعوام الستة؛ حيث علقت هند وحدها في سيارة أسرتها، بعد أن قصفها الجيش الإسرائيلي؛ مما أسفر عن استشهاد جميع أفراد أسرتها، وفي تسجيل صوتي مؤثر، سمع العالم كله صوتها، الممزوج بالفجيعة والصدمة والرعب، وهي تستغيث وتنتحب، وتطلب المساعدة من طواقم الإسعاف.
استمرت محادثتها مع المسعفين لساعات، ولكن الاحتلال الإسرائيلي يمنع سيارات الإسعاف من التحرك وتلبية الاستغاثات إلا بإذن منه، وعندما وصل فريق الإنقاذ، وجدوا سيارة محطمة بالكامل، وجثث هند وعائلتها والمسعفين مدرجة بالدماء.
أظهرت مأساة هند تجاهلًا صارخًا لنداءات الاستغاثة الإنسانية، وأكدت وحشية وهمجية جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي لا يتردد في استهداف الصحفيين والمصورين، وحتى من يحاولون تقديم المساعدة.
*دماء الأطفال الأبرياء تُسقط شرعية إسرائيل*
ما حدث للطفل محمد الدرة والطفلة هند ليس مجرد حوادث فردية، بل هو دليل على الوحشية والهمجية الممنهجة والمتأصلة في تصرفات جيش الاحتلال الإسرائيلي السادي المتلذذ بسفك دماء الأبرياء.
هذا العنف الأعمى، والهمجية، وعدم الاكتراث بأي قيمة إنسانية تتجاور جميع الأعراف الإنسانية والقانونية.
*وحشية الإعدام العلني*
في حالة محمد الدرة، كان إطلاق النار عليه وعلى والده بشكل مباشر، وفي رابعة النهار، وأمام عدسات الكاميرا، عملًا ينم عن وحشية وهمجية لم تر البشرية مثيلًا لها على مر التاريخ، ولم يكن هناك أي مبرر عسكري للاستهداف، بل كان مجرد استعراض للقوة العسكرية على الأطفال الصغار والمدنيين العُزّل.
*همجية التجاهل والقتل المزدوج*
أما في قصة هند، فقد بلغت الهمجية ذروتها؛ فلم يكتفِ الجيش الإسرائيلي بقتل عائلتها وتركها وحيدة في السيارة فحسب، بل استهدف أيضًا طاقم الإسعاف الذي حاول إنقاذها، في جريمة مضاعفة تُظهر استهتارًا تامًا ليس بأرواح هند وأسرتها والمسعفين فحسب، بل الاستهتار وعدم الاكتراث بكل المؤسسات والقوانين الدولية. هذا التجاهل الصارخ هو أقصى درجات الهمجية.
هذه الأفعال ليست حوادث عابرة، بل هي سلوك إجرامي ممنهج يساهم بشكل مباشر في انهيار دولة الاحتلال؛ ولقد أدت هذه الوحشية المتكررة والموثقة إلى نبذ إسرائيل داخليًا وخارجيًا.
فعلى الصعيد الداخلي، أدت هذه الأفعال إلى تصدعات في المجتمع الإسرائيلي، وزيادة في المعارضة لسياسات حكومة نتنياهو.
أما على الصعيد العالمي، فقد كشفت هذه الممارسات الوحشية عن الوجه الحقيقي للاحتلال، مما أدى إلى تزايد الحركات المطالبة بمقاطعة إسرائيل، وسحب الاستثمارات منها، وفرض عقوبات عليها، وهو ما يؤكد أن دماء الأطفال الفلسطينيين الزكية هي التي تُسرّع من وتيرة انهيار دولة الاحتلال، التي باتت منبوذة ومعزولة على الساحة الدولية.
*وختامًا:*
فدماء أطفال فلسطين يا سادة دماء زكية وليست رخيصة، وأرواحهم الطاهرة لن تهدأ حتى تأخد بالثأر، وستطارد هؤلاء المنبوذين الملعونين من شعوب الأرض، وملائكة السماء.
وإن غدًا لناظره قريب.