السراج المنير


بقلم الأستاذ الدكتور : مجدي إبراهيم

أستاذ الفلسفة الإسلامية والتصوف جامعة أسوان


من أسرار الصلاة والتسليم على خير الأنبياء والمرسلين : أن السادة العارفين توخّوا النور فصلّوا عليه من أصل حقيقته الروحيّة النورانيّة مع أنه عبد الله ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه، لكن الشخصية النبويّة غير الحقيقة المحمديّة، وما يقال في هذه من حيث «البعد الروحى»، لا يقال فى تلك من حيث «البعد الزمنى».

الشخصية النبويّة لها بداية ونهاية، مولد فتاريخ فحياة، ثم انتقال إلى الرفيق الأعلى. أمّا الحقيقة المحمديّة؛ فحقيقته الروحية المحمودة فى السماء، حقيقة مغيبة، باقية دائمة، سرمدية من الأزل إلى الأبد، ظهرت فى كل الأنبياء من قبله منذ آدم حتى ظهرت كاملة فى شخصه صلوات الله وسلامه عليه، ولكن كيف ظهرت فى كل الأنبياء، وهو خاتمهم؟

الذى ظهر هو نورها، والظاهر هو الرسول المُبلغ، لأنه صلوات ربي وسلامه عليه، سابق للخلق نوره، ومن حيث روحانيته هو النور الذاتي والسر الساري سرّه فى سائر الأسماء والصفات، لأنه افتتح به الخلق، الفاتح لما أغلق من الأكوان، والسابق للخلق نوره، وهو أبو الأنبياء تحقيقاً وإمامهم، وهو خاتمهم.

والموكب الخالد من الأنبياء من لدن آدم إلى محمد عليه السلام، قبسٌ من شعاع نوره الأصلي، لإظهار الحقائق الإلهيّة. من اندرج النبيون تحت لوائه فهم منه وإليه. أحسن أبو حنيفة النعمان رضوان الله عليه إذ قال فى قصيدته «يا سيد السادات» (​والأنبياء وكل خَلقٍ فى الورى​… والرسل والأملاك تحت لواك).

ولأن القرآن وصفه بالنور، (قد جاءكم من الله نورٌ وكتابٌ مبين)، ووصفه بالسراج المنير الذى تفيض عنه الأنوار على الأكوان، ومنها فيوضات الأنوار على قلوب الأولياء والعارفين. فالنبيُّ بالله والأكوان بالنبيِّ، وكل شيء به منوط؛ إذ لولا الواسطة لذهب كما قيل الموسوط.

أنا شخصياً عجبتُ لقول أحدهم، وهو معدود فيما بينهم من أكابر العلماء، إذ يقول: «لا ينبغى أن يوصف النبي صلوات الله عليه بالنور، لأنه بشر كسائر البشر غير أنه يُوحى إليه»، مع أن هذا الوصف قرآنيّ فى الصميم. ومادام يُوحى إليه فوصف النور ألصق به وأقرب إليه، لأن هذا الذى «يُوحى إليه» نورٌ على نور، وإذا لم يكن نوراً لم يكن يُوحى إليه. وإذا ثبت الوحى إليه، ولا بدّ أن يثبت، كان أقل وصف له أنه : نورٌ على نور.

حقيقة أن ما تقرّر فى حقه، صلى الله عليه وسلم، فى القرآن الكريم، يعطي للحقيقة المحمديّة دلالاتها ومعناها ومصداقية تقريرها خلال القرآن : المصدر الإسلامى الأول والمعتبر، ويحدّد مفهومها تحديداً دقيقاً لا يعتمد على مصادر خارجية، ولا يمكن لعاقل أن يترك مصدره الإسلامى ويذهب ليأخذ بالتشابه الذى يظهر أمامه لمجرّد التشابه فى ثقافات الأمم الغابرة، فكل ما تمّ ذكره سلفاً فى قدم النور المحمدي ما هو إلا محاولة من العارفين لبناء نظريتهم فى الحقيقة المحمدية استناداً على الآيات القرآنية الكريمة، وهى بلا شك محاولة مشروعة.

إنّ الله وملائكته يصلون عليه من الأزل إلى الأبد صلاة دائمة تامة كاملة موصولة بعلم الله. فالمحبّون لسيدنا رسول الله صلوات الله وسلامه عليه نورهم يسعى بين أيديهم، يحتفلون ويفرحون بميلاده. والكارهون المبغضون لفرحة مولده، على قلوبهم ظلمة، وفي نفوسهم كزازة، وفي عقولهم دغل وتعطيل.