معجزة الألم كضرورة الحياة ( الجزء الثانى)

 المقال الحادى والعشرون من سلسلة (الاعجاز الطبى في القرآن والسنة)

 

اعداد الاستاذ الدكتور/ عبد الحميد محمد صديق
استشارى الجراحة العامة

وهناك من يقسمون الألم حسب زمن حدوثه واستمراره :

  • فالألم الحاد :

  • والألم المقيم أو المزمن :

فالألم الحاد : يحدث بصورة سريعة وهو محدد بمكان حدوث سبب الألم مثل الحرق أو شكة الدبوس .. ومكان الأنسجة المتأثرة بالتلف وشدته تعتمد على المؤثر المحدث للألم، وهو يعتبر فى مقام الإنذار كما أوضحنا من قبل.

والألم المقيم أو المزمن : مثل آلام الظهر والآلام الناجمة عن الأورام وصداع الشقيقة، وعموما فإن الألم المزمن هو الألم الذى يمكث ويدوم على الأقل لمدة ستة أشهر.

حلقات من الألم تتواصل :

 ليس الإحساس بالألم مجرد حالة بسيطة برغم الزمن الضئيل جداً الذي يحس فيه بهذا الألم . لقد تمكن العلماء من معرفة مسارات الألم ومكوناته التي تدخل في إطار الحلقات المتكاملة …

ـ المكون الأول هو الحس :

أو المكون الحسى الذى يبدأ من المستقبلات في الجلد ثم ينطلق الإحساس بالألم خلال ألياف عصبية تعرف بالألياف الصادرة والتي تحمل الإشارات العصبية إلى الجهاز العصبي المركزي لتنبئه عن مكان الإصابة أو العامل الذى أحدث الألم ثم عن حالة وقوعه وشدته ونهايته .. ثم هناك المكون المتأثر بالألم .

ـ المكون اللا إرادي :

وفي هذه الحالة يحدث أثر جانبي للألم ويتدخل فيه الجهاز العصبي اللا إرادي محدثاً بعض الأعراض المصاحبة للألم وهذا ما نراه تماماً في حالة غمس اليد في ماء ساخن جداً فأول شيء نشعر بألم الحرارة التي تؤثر على المستقبلات الموجودة بالجلد، ثم نجد ردود فعل نتيجة انفعال العصب اللاإرادي مثل تمدد واتساع الأوعية الدموية بالجلد. ويحدث إرتفاع ضغط الدم وتسارع فى ضربات القلب واتساع فى حدقة العين ويحدث تغير في معدل التنفس وفى حالة الألم الحشوي يكون مصحوباً بأعراض كثيرة مثل الغثيان وازدياد العرق ثم هبوط في الدورة الدموية .

 الأثر الميكانيكي أو الحركي للألم :

وهو يعرف برد فعل الحماية من المؤثر المحدث للألم .. ونرى مثاله واضحاً إذا قمنا بشك يد أحد الزملاء بدبوس فإنه يحرك يده مبتعداً دون أي تردد . والحقيقة أن رد الفعل الحركي يعتبر خط دفاع مهما جداً لوقف القوة المؤثرة من الخارج فى إحداث مزيد من تدمير الأنسجة الحية، وتبدأ من هنا فكرة الفائدة العظيمة من وراء الألم الذى بدونه لهلك الإنسان تماماً.

وأمام هذه الصورة المتكاملة نجد أن الألم ليس مجرد عملية بسيطة تحدث على مستوى جهاز منفرد لأن هذه المكونات تعمل جميعها في شكل متكامل ومتناسق حتى يحس الإنسان بالألم وكل أبعاده وما يجب أن يحدث من رد فعل مناسب تجاه الألم .. والهروب من المزيد من آثاره السلبية.

إن الألم النعمة الكبيرة والنقمة الكبيرة ينفتح أمامنا بالجديد حول مكوناته وصوره وإرادة الله خالق الكون هي التي تمكننا من تتبع أحداثه لأنه آية على عظمة الخالق جل وعلا.

مخدر ذاتي للألم :

من نعمة الله على الإنسان في الحياة الدنيا أن جعله يشعر بالألم ولكن لم يتركه يتعذب به فخلق له من نفسه أدوات تخدير تعمل لا إرادية بطريقة تفوقت على كل عمليات التخدير التي يقوم بها البشر لإجراء جراحة أو غيره. إن خالق الألم خلق معه دواءه من داخل الإنسان فكيف يعمل هذا المخدر الطبيعي ومتى ؟

إن نظام التحكم في الألم .. داخليا في أجهزة جسم الإنسان يعمل من خلال وجود مستقبلات تُعرف بمستقبلات المورفين ومعها يفرز الجسم مواد وسيطة تشبه المورفين فى التركيب وهى :

الأندروفين

والإنكافلين

والداينورفين.

 بالإضافة إلى اكتشاف منطقة تعرف بمنطقة فوق الشوكية والتي بمجرد حسها بعامل كهربي تنتج منها عملية التخدير والتسكين وهذان العاملان يقومان بوظيفتين تكمل إحداهما الأخرى.

وستعجب عندما نرى كيف تعمل المادة شبه الأفيونية المنطلقة ذاتياً من الجسم .. حيث أنها تعمل بتثبيط الألم عن طريق تثبيط مستقبلات الألم فقط .

بل أن لها مستقبلات معينة تعمل عليها على الأقل تقوم بالتأثير على أربعة أنواع من هذه المستقبلات منها ما يعرف بـ:

 ـ دلتا  

ـ وكايا

ـ وسيجما

 وتختلف حساسية هذه المستقبلات للمورفينات الداخلية عن تلك التي تعطى من الخارج .

وبنظرة شاملة سنجد أن عملية تسكين الألم تتم ذاتياً ومن رحمة الله بالبشر أن هذه المركبات تتكون داخل الجسم بشكل مطرد شأنها شأن جميع المركبات اللازمة للحياة وإنتاج الطاقة.

  • أما الطريق الآخر:

فهو يتم بالحث الكهربي لمناطق معينة بالمخ لها أكثر من نواة … ومن هذه المناطق تتجه حزمة عصبية حاملة إشارة التخدير في الحبل الشوكي الذى يثبط بدوره أي إشارات عصبية عن الألم قادمة من المستقبلات إلى الحبل الشوكي …

وقد وجد العلماء أن الألياف العصبية الهابطة من مراكز التخدير في المخ تطلق مواد وسيطة منها:

ـ السيروتونين

ـ والنورأدرينالين

ـ والدوبامين.

والتي تقوم بدور مهم في تهيئة مواد الحبل الشوكي لتثبيط المحطات التي تتمحور فيها الإشارات العصبية القادمة من مستقبلات الألم هذه العملية تحدث جميعها تحت تأثير انطلاق مادة إنكافلين المخدرة من الجسم.

إذن فنحن أمام عالم بديع .. تتعانق فيه الحقائق العملية مع الثوابت الإيمانية، يتعانق العقل والقلب ليقترب من رحمات الله في السماء الذي أذهب عنا الحزن .. والألم .. بعد أن ابتلى به الإنسان .. لتكون آيته في خلق النقيضين .. والعقبى هنا لمن صبر على الألم أياً كان مصدره.