خُطْبَةُ الجُمُعَةِ القَادِمَةِ ( إعلاء قيمة السعى والعمل ) للشيخ ياسر عبدالبديع

خُطْبَةُ الجُمُعَةِ القَادِمَةِ ( إعلاء قيمة السعى والعمل )
للشيخ : ياسر عبدالبديع

بتاريخ / 21 من صفر 1447 هجرية
15 من أغسطس 2025 م

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ مِلْءَ السَّمَوَاتِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ وَمَلْءَ مَابَيْنَهُمَا وَمُلْءَ مَاشِئْتَ يَارِبُ مِنْ شَئٍّ بَعْدَ أَهْلِ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ أَحَقُّ مَاقَالَ الْعَبْدُ وَكُلُّنَا لَكَ عَبْدٌ اللَّهُمَّ لَامُعْطَى لِمَا مَنَعْتَ وَلَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ وَنَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ
سَبْحَانُكَ اللَّهُمَّ خَيْرَ مُعَلِّمٍ عَلَّمْتَ بِالْقَلَمِ الْقُرُونَ الْأُولَى أَخْرَجْتَ هَذَا الْعَقْلَ مِنْ ظُلُمَاتِهِ وَهَدَيَتَهُ النُّورَ الْمُبِينَ سَبِيلًا وَأَرْسَلْتَ بِالتَّوْرَاةِ مُوسَى مُرْشِدًا وَابْنَ الْبَتُولِ فَعَلَّمَ الْإِنْجِيلَا وَفَجَرَتْ يَنْبُوعَ الْبَيَانِ مُحَمَّدًا فَسَقَى الْحَدِيثَ وَنَاوَلَ التَّنْزِيلَا
وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا وَمُصْطَفَانَا سَيِّدَنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيًّا وَرَسُولًا أُوصِيكُمْ وَنَفْسَى بِتَقْوَى اللَّهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُو اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحُ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرُ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا أُحَدِّثُكُمْ الْيَوْمَ عَنْ مَوْضُوعٍ تَحْتَ عُنْوَانِ

إعلاء قيمة السعى والعمل

الْعُنْصُرُ الْأَوَّلُ: فَضْلُ الْكَسْبِ الْحَلَالِ

اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ لِعِبَادَتِهِ وَلَمْ يَخْلُقْهُمْ عَبَثًا وَلَا تَسْلِيَةً، وَإِنَّمَا خَلَقَهُمْ لِاخْتِبَارِهِمْ وَابْتِلَائِهِمْ؛ لِيَتَبَيَّنَ الْمُطِيعُ مِنْ الْعَاصِي، وَلِيَتَبَيَّنَ الْمُؤْمِنُ مِنْ الْكَافِرِ، وَالْخَبِيثُ مِنْ الطَّيِّبِ، وَاللَّهُ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَجْسَامِكُمْ وَإِنَّمَا يَنْظُرُ إِلَى أَعْمَالِكُمْ، قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ﴾ [الذاريات: ٥٦-٥٧].

فَأَخْلِصُوا أَعْمَالَكُمْ لِخَالِقِكُمْ، وَرَاقِبُوهُ فِي حَرَكَاتِكُمْ وَسَكَنَاتِكُمْ، وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَدًا وَاقِفُونَ أَمَامَهُ، وَسَيَسْأَلُكُمْ عَنْ جَمِيعِ مَا فَعَلْتُمْ إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ، وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ. وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَمَرَنَا أَنْ نَسِيرَ فِي الْأَرْضِ، وَأَنْ نَضْرِبَ فِي نَوَاحِيهَا بَاحِثِينَ عَنْ مَخْبَأَتِهَا وَكُنُوزِهَا، وَأَنْ نَتَعَلَّمَ الْعُلُومَ النَّافِعَةَ، ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الزمر: ٩]، وَأَمَرَنَا أَنْ نَكْدَ وَنَكْدَحَ فِي طَلَبِ الرِّزْقِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾ [الملك: ١٥].

فَاللَّهُ ذَلَّلَ لَنَا الْأَرْضَ بِمَا فِيهَا، وَأَمَرَنَا أَنْ نَسِيرَ فِي أَرْجَائِهَا وَأَنْ نَبْحَثَ عَمَّا أَوْدَعَ فِيهَا مِنْ الْخَيْرَاتِ الَّتِي جَعَلَهَا الْخَالِقُ مُتَنَوِّعَةً بِحَسَبِ تَنَوُّعِ الْعُصُورِ وَالْأَزْمَانِ، وَبِمِقْدَارِ تَنَوُّعِ حَاجَاتِ الْإِنْسَانِ وَمَطَالِبِهِ، فَمَنْ يَرْغَبُ فِي زِيَادَةِ رِبْحِهِ وَكَثْرَةِ فَائِدَتِهِ فَعَلَيْهِ بِالسَّعْيِ وَالِاجْتِهَادِ فِي اجْتِنَاءِ الْخَيْرَاتِ، وَأَنْ يَسْتَشْعِرَ الْجِدَّ وَالنَّشَاطَ، وَأَنْ يَطْرَحَ الْعَجْزَ وَالْكَسَلَ وَالتَّوَاني، وَهِيَ سُنَّةُ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ، وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا.

إِنَّ الْعَاقِلَ لَا يَرْضَى لِنَفْسِهِ أَنْ يَكُونَ كَلًّا عَلَى غَيْرِهِ، أَوْ أَنْ يَكُونَ إِمْعَةً يَسْتَجْدِي الرِّزْقَ مِنْ فُلَانٍ أَوْ عَلَانٍ، وَهُوَ يَعْلَمُ وَيَسْمَعُ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى﴾ [النجم: ٣٩-٤١]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ﴾ [الجمعة: ١٠]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ [التوبة: ١٠٥].

وَيُرْوَى أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ فِي التَّوْرَاةِ: «يَا عَبْدِي حَرِّكْ يَدَكَ أَنْزِلْ عَلَيْكَ الرِّزْقَ». وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ أَنَّ الرَّسُولَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ قَالَ: «اطْلُبُوا الرِّزْقَ فِي خَبَايَا الْأَرْضِ». وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ».

وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «لَا يَقْعُدَنَّ أَحَدُكُمْ عَنْ طَلَبِ الرِّزْقِ وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ السَّمَاءَ لَا تُمْطِرُ ذَهَبًا وَلَا فِضَّةً». وَاللَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا يَرْزُقُ النَّاسَ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ، فَاللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى جَعَلَ طَلَبَ الرِّزْقِ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ، فَبَعْضُهُمْ يُحْسِنُ فِي طَلَبِهِ فَيُعَامِلُ النَّاسَ وَيَتَحَرَّزُ مِنْ الْحَرَامِ، وَيَجِدُّ وَيَجْتَهِدُ فِي طَلَبِ الرِّزْقِ بِالطُّرُقِ الْمَشْرُوعَةِ الَّتِي أَبَاحَهَا اللَّهُ.

وَالْبَعْضُ الْآخَرُ إِمَّا أَنْ يَتَكَاسَلَ وَيَنَامَ وَيَقُولَ: حَظُوظٌ، أَوْ يُنَافِقَ وَيُخَادِعَ وَيَغُشَّ وَيُرَابِيَ. وَخُلَاصَةُ الْقَوْلِ: أَنَّ الْحَيَاةَ جِهَادٌ وَكِفَاحٌ. لَيْسَ الْحَيَاةُ بِأَنْفَاسٍ تُكَرِّرُهَا، إِنَّ الْحَيَاةَ حَيَاةُ الْجِدِّ وَالْعَمَلِ. قِيمَةُ الْإِنْسَانِ مَا يُحْسِنُهُ، أَكْثَرَ الْإِنْسَانُ مِنْهُ أَوْ أَقَلَّ. فَلَيْسَ طَلَبُ الْمَعِيشَةِ بِالتمَنِّي وَلَكِنْ بِالْعَمَلِ، وَعَجْزُ الْمَرْءِ وَكَسْلُهُ سَبَبُ الْبَلَاءِ وَالتَّأْخِيرِ. وَمَنْ أَرَادَ الْعُلاَ عَفْوًا بِلَا تَعَبٍ قَضَى وَلَمْ يَقْضِ مِنْ إِدْرَاكِهَا وَطَرًا أَعَاذَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْ الْكَسَلِ، وَقَدْ تَعَوَّذَ مِنْهُ النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَقَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْكَسَلِ وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ، وَمِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ وَقَهْرِ الرِّجَالِ». وَقَدْ قَالَ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَلَا تَكْسَلْ». فَسُبْحَانَ مَنْ أَخْرَجَ النَّاسَ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِهِمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَهُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ، وَأَمَرَهُمْ بِاسْتِعْمَالِهَا، وَهَدَاهُمْ إِلَى أَسْبَابِ الرِّزْقِ، وَيَسَّرَهَا لِمَنْ طَلَبَهَا.

أَيُهَا الْمُسْلِمُونَ: لَمْ تَتَقَدَّمْ الْأُمَمُ فِي مَيْدَانِ الصِّنَاعَةِ وَالْحَضَارَةِ إِلَّا لِأَنَّهَا طَرَحَتْ الْكَسَلَ جَانِبًا، وَأَعْمَلَتْ فِكْرَهَا وَيَدَهَا فِي اسْتِخْرَاجِ كُنُوزِ الْأَرْضِ وَفِي تَعَلُّمِ الْعُلُومِ وَالْفُنُونِ وَالْوَسَائِلِ اللَّازِمَةِ لِلْحَضَارَةِ وَلِعَصْرِ الذَّرَّةِ. فَيَجِبُ أَيُهَا الْمُسْلِمُونَ أَنْ نَأْخُذَ نَصِيبَنَا مِنْ الْفُنُونِ وَالْعُلُومِ، وَأَنْ نَتَسَابَقَ عَلَى مَا فِيهِ صَلَاحُ الْبَشَرِيَّةِ، وَأَنْ لَا نُهْمِلَ أَمْرَ اللَّهِ؛ بَلْ نَجْعَلَهُ فِي الْمُقَدِّمَةِ وَنَعْمَلُ لِلدُّنْيَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ [القصص: ٧٧]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ﴾ [الشرح: ٧-٨].

وَاعْلَمُوا أَنَّ الرَّسُولَ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يَقُولُ: «الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍ خَيْرٌ». وَاعْلَمُوا أَنَّ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا صِرَاطٌ وَطَرِيقٌ يَتَوَصَّلُ

بِهَا إِلَى الْآخِرَةِ، فَلَابُدَّ مِنْ إِعْطَاءِ الطَّرِيقِ حَقَّهُ، وَلَا بُدَّ مِنْ الْعَمَلِ، كَمَا قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ لِرَجُلٍ سَبَّ الدُّنْيَا عِنْدَهُ فَقَالَ: «الدُّنْيَا دَارُ صِدْقٍ لِمَنْ صَدَقَهَا، وَدَارُ نَجَاةٍ لِمَنْ فَهِمَ عَنْهَا، وَدَارُ غِنًى لِمَنْ تَزَوَّدَ مِنْهَا».

هكذا ينبغي أن ننظر إلى الدنيا، دار صدق لمن صدقها بالعمل الصالح، ودار نجاة لمن فهم عنها أنها دار ممر وليست بدار مقر، ودار غنى لمن تزود منها

فَالْكَسَلُ وَالْبَطَالَةُ مَذْمُومَانِ شَرْعًا، وَالسَّعْيُ لِلْكَسْبِ الْحَلَالِ مَطْلُوبٌ مِنْ الْعَبْدِ، قَالَ -تَعَالَى-: هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ {الملك: 15}. قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ -رَحِمَهُ اللَهُ- فِي تَفْسِيرِهِ: فَسَافِرُوا حَيْثُ شِئْتُمْ مِنْ أَقْطَارِهَا، وَتَرَدَّدُوا فِي أَقَالِيمِهَا وَأَرْجَائِهَا فِي أَنْوَاعِ الْمَكَاسِبِ وَالتِّجَارَاتِ.

وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَهُ عَنْهُ-: أَنَّ رَسُولَ اللَهِ -صَلَّى اللَهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَحْتَطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ رَجُلًا فَيَسْأَلَهُ أَعْطَاهُ أَوْ مَنَعَهُ. قَالَ الْعَيْنِيُّ -رَحِمَهُ اللَهُ- فِي عُمْدَةِ الْقَارِي: وَفِيهِ الْحَثُّ عَلَى الْأَكْلِ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ وَالِاكْتِسَابِ مِنْ الْمُبَاحَاتِ.

وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ الْمِقْدَامِ -رَضِيَ اللَهُ عَنْهُ- عَنْ رَسُولِ اللَهِ -صَلَّى اللَهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ وَإِنَّ نَبِيَّ اللَهِ دَاوُدَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ.

وَفِي الْمُعْجَمِ الْكَبِيرِ لِلطَبَرَانِيِّ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَالَ: مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلٌ فَرَأَى أَصْحَابُ رَسُولِ اللَهِ -صَلَّى اللَهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ جِلْدِهِ وَنَشَاطِهِ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَهِ لَوْ كَانَ هَذَا فِي سَبِيلِ اللَهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَهِ -صَلَّى اللَهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى وَلَدِهِ صِغَارًا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَهِ وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى أَبَوَيْنِ شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَهِ وَإِنْ كَانَ يَسْعَى عَلَى نَفْسِهِ يُعِفُّهَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَهِ وَإِنْ كَانَ خَرَجَ رِيَاءً وَمُفَاخَرَةً فَهُوَ فِي سَبِيلِ الشَّيْطَانِ.

وَلَا شَكَّ فِي كَوْنِ الصَّلَاةِ عَمُودَ الْإِسْلَامِ وَهِيَ أَعْظَمُ الْعِبَادَاتِ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَلَكِنَّ الْمُحَافَظَةَ عَلَيْهَا لَا يَسْتَلْزِمُ الْكَسَلَ وَالْبَطَالَةَ قَالَ -تَعَالَى-: فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {الجمعة: 10}. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ -رَحِمَهُ اللَهُ- فِي تَفْسِيرِهِ: إِذَا فَرَغْتُمْ مِنْ الصَّلَاةِ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ لِلتِّجَارَةِ وَالتَّصَرُّفِ فِي حَوَائِجِكُمْ.

وَلَا يَجُوزُ التَهَاوُنُ فِي الصَّلَاةِ وَتَأْخِيرِهَا عَنْ وَقْتِهَا بِسَبَبِ الِانْشِغَالِ بِالْكَسْبِ أَوْ غَيْرِهِ قَالَ -تَعَالَى-: رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ {النور: 37}.

وَبِطَرِيقَةٍ أُخْرَى وَبِأُسْلُوبٍ بَدِيعٍ يَرْغَبُ فِي الْعَمَلِ وَعِمَارَةِ الْأَرْضِ فَيَقُولُ صَلَّى اللَهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا تَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَغْرِسْهَا” رَوَاهُ أَحْمَدُ.

قَالَ الْمُنَاوِيُّ رَحِمَهُ اللَهُ: (هَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ الْحَثُّ عَلَى غَرْسِ الْأَشْجَارِ وَحَفْرِ الْأَنْهَارِ لِتَبْقَى هَذِهِ الدَّارُ عَامِرَةً إِلَى آخِرِ أَمَدِهَا الْمَحْدُودِ الْمَعْدُودِ الْمَعْلُومِ عِنْدَ خَالِقِهَا فَكَمَا غَرَسَ لَكَ غَيْرُكَ فَانْتَفَعْتَ بِهِ فَاغْرِسْ أَنْتَ لِمَنْ يَجِيءُ بَعْدَكَ لِيَنْتَفِعَ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ مِنْ الدُّنْيَا إِلَّا وَقْتٌ قَلِيلٌ).

وَمِنْ هَذَا الْبَابِ مَا كَانَ مِنْ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَهُ عَنْهُ حِينَ أَخَذَ فِي إِحْيَاءِ أَرْضٍ وَغَرْسِ نَخْلٍ فِي آخِرِ عُمُرِهِ فَقِيلَ لَهُ فِيهِ فَقَالَ: مَا غَرَسْتُهُ طَمَعًا فِي إِدْرَاكِهِ بَلْ حَمَلَنِي عَلَيْهِ قَوْلُ الْأَسَدِيِّ: لَيْسَ الْفَتَى بِفَتَى لَا يَسْتَضَاءُ بِهِ… وَلَا يَكُونُ لَهُ فِي الْأَرْضِ آثَارٌ.

وَيَقُولُ صَلَّى اللَهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بِهَيمَةٌ إِلَّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ” رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

قَالَ النَّوَوِيُّ -رَحِمَهُ اللَهُ-: (هَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ فَضِيلَةُ الْغَرْسِ وَفَضِيلَةُ الزَّرْعِ وَأَنَّ أَجْرَ فَاعِلِي ذَلِكَ مُسْتَمِرٌّ مَا دَامَ الْغِرَاسُ وَالزَّرْعُ وَمَاتَوَلَّدَ مِنْهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ). وَيَقُولُ صَلَّى اللَهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَلَهُ بِهَا أَجْرٌ وَمَا أَكَلَهُ الْعَوَافِي مِنْهَا فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ”. فَحَثَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى الْعَمَلِ وَعِمَارَةِ الْأَرْضِ بِالزَّرْعِ وَالْبِنَاءِ وَنَحْوِهِمَا وَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ أَحَدٌ مِنْ الْخَلْقِ بِأَثَرِ هَذَا الْعَمَلِ إِلَّا كَانَ لِلْعَامِلِ أَجْرٌ وَصَدَقَةٌ.

وَقَالَ صَلَّى اللَهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “السَّاعِي عَلَى الْأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ الْقَائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ النَّهَارَ” مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَدْ ذَكَرَ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّاعِي: الْكَاسِبُ لَهُمَا الْعَامِلُ لِمُؤْنَتِهِمَا.

وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ”. قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: “فَيَعْمَلُ بِيَدَيْهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ” مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

الْأَنْبِيَاءُ وَالْعَمَلُ وَالتَّكَسُّبُ: لَقَدْ كَانَ أَنْبِيَاءُ اللَّهِ وَرُسُلُهُ قُدْوَةً فِي هَذَا الْبَابِ فَكَانُوا يَعْمَلُونَ بِأَيْدِيهِمْ وَيَتَكَسَّبُونَ وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ لَنَا ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ وَذَكَرَهُ النَّبِيُّ فِي سُنَّتِهِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ عَبْدِهِ وَنَبِيِّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ * أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (سَبَأ: 10، 11).

وَالسَّابِغَاتُ هِيَ الدُّرُوعُ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ} (الْأَنْبِيَاء: 80).

أَمَّا نَبِيُّ اللَّهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَإِنَّهُ قَدْ رَعَى عِدَّةَ سَنَوَاتٍ لِلرَّجُلِ الصَّالِحِ حَتَّى يَنْكِحَ ابْنَتَهُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مُبَيِّنًا مَا كَانَ بَيْنَهُمَا مِنْ حِوَارٍ وَاتِّفَاقٍ: {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُق عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ * قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ} (الْقَصَص: 27 – 28).

وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ مُوسَى قَضَى أَتَمَّ وَأَكْمَلَ الْأَجَلَيْنِ فَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ قَالَ: سَأَلَنِي يَهُودِيٌّ مِنْ أَهْلِ الْحِيرَةِ: أَيُّ الْأَجَلَيْنِ قَضَى مُوسَى؟ فَقُلْتُ: لَا أَدْرِي حَتَّى أَقْدَمَ عَلَى حَبْرِ الْعَرَبِ فَأَسْأَلَهُ. فَقَدِمْتُ فَسَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – فَقَالَ: قَضَى أَكْثَرَهُمَا وَأَطْيَبَهُمَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ إِذَا قَالَ فَعَلَ.

وَنَبِيُّ اللَّهِ زَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ نَجَّارًا فَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “كَانَ زَكَرِيَّاءُ نَجَّارًا”. قَالَ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ – رَحِمَهُ اللَّهُ -: (هَذَا الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النِّجَارَةَ صَنْعَةٌ فَاضِلَةٌ وَفِيهِ فَضِيلَةٌ لِزَكَرِيَّاءَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ كَانَ صَانِعًا يَأْكُلُ مِنْ كَسْبِهِ).

أَمَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ عَمِلَ قَبْلَ بَعْثَتِهِ بِالتِّجَارَةِ كَمَا عَمِلَ بِرَعْيِ الْغَنَمِ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا رَعَى الْغَنَمَ” فَقَالَ أَصْحَابُهُ: وَأَنْتَ؟ فَقَالَ: “نَعَمْ كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ (نُقُود) لِأَهْلِ مَكَّةَ” رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

العُنْصُرُ الثَّانِي: فَوَائِدُ العَمَلِ وَالكَسْبِ الحَلَالِ

هَلَا سَأَلْتَ نَفْسَكَ: مَا هِيَ الفَوَائِدُ الَّتِي تَعُودُ عَلَيَّ وَعَلَى مَنْ حَوْلِي مِنْ عَمَلِي وَكَسْبِي؟

سَأُحَاوِلُ فِي هَذَا اللِّقَاءِ أَنْ أَضَعَ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ عَشَرَ ثِمَارٍ لِلْعَمَلِ وَالكَسْبِ، فَأَعِيرُونِي القُلُوبَ وَالأَسْمَاعَ…

أَوَّلًا: امتِثَالًا لِأَمْرِ اللهِ تَعَالَى:

اِعْلَمُوا عِبَادَ اللهِ: أَنَّ أَوَّلَ ثِمَارِ العَمَلِ وَالكَسْبِ الحَلَالِ أَنْ يَمْتَثِلَ العَامِلُ أَمْرَ اللهِ تَعَالَى؛ حَيْثُ أَمَرَنَا رَبُّنَا بِالعَمَلِ وَحَثَّنَا عَلَى ذَلِكَ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:
﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾ [المُلْك: 15].

يَقُولُ ابْنُ كَثِيرٍ – رَحِمَهُ اللهُ –: (أَيْ: فَسَافِرُوا حَيْثُ شِئْتُمْ مِنْ أَقْطَارِهَا، وَتَرَدَّدُوا فِي أَقَالِيمِهَا وَأَرْجَائِهَا فِي أَنْوَاعِ المَكَاسِبِ وَالتِّجَارَاتِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ سَعْيَكُمْ لَا يُجْدِي عَلَيْكُمْ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يُيَسِّرَهُ اللهُ لَكُمْ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ ﴾، فَالسَّعْيُ فِي السَّبَبِ لَا يُنَافِي التَّوَكُّلَ، كَمَا قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ يَقُولُ: إِنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَوْ أَنَّكُمْ تَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ، لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ، تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا»).

وَأَبَاحَ سُبْحَانَهُ السَّعْيَ فِي الأَرْضِ طَلَبًا لِلْحَلَالِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ:
﴿ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الجُمُعَة: 10].

ثَانِيًا: أَنْ تَنَالَ أَجْرَ المُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللهِ:

مَعَاشِرَ المُوَحِّدِينَ: وَمِنْ ثِمَارِ العَمَلِ وَالكَسْبِ أَنْ يَنَالَ العَامِلُ الجَادُّ أَجْرَ الجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللهِ تَعَالَى؛ يَقُولُ سُبْحَانَهُ:
﴿ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ ﴾ [المُزَّمِّل: 20].

يَقُولُ القُرْطُبِيُّ – رَحِمَهُ اللهُ –: (سَوَّى اللهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الآيَةِ بَيْنَ دَرَجَةِ المُجَاهِدِينَ وَالمُكْتَسِبِينَ المَالَ الحَلَالَ لِلنَّفَقَةِ عَلَى نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ إِحْسَانًا وَإِفْضَالًا، فَكَانَ هَذَا دَلِيلًا عَلَى أَنَّ كَسْبَ المَالِ بِمَنْزِلَةِ الجِهَادِ، لأَنَّهُ جَمَعَهُ مَعَ الجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللهِ…).

وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ – رَضِيَ اللهُ عَنْهُ –: (أَيُّمَا رَجُلٍ جَلَبَ شَيْئًا إِلَى مَدِينَةٍ مِنْ مَدَائِنِ المُسْلِمِينَ صَابِرًا مُحْتَسِبًا، فَبَاعَهُ بِسِعْرِ يَوْمِهِ، كَانَ لَهُ عِنْدَ اللهِ مَنْزِلَةُ الشُّهَدَاءِ)، وَقَرَأَ: ﴿ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ ﴾.

وَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّعْيَ عَلَى النَّفْسِ أَوِ الأَبْنَاءِ أَوِ الآبَاءِ يَعْدِلُ الجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللهِ.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رَضِيَ اللهُ عَنْهُ – قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا طَلَعَ شَابٌّ مِنَ الثَّنِيَّةِ، فَلَمَّا رَأَيْنَاهُ رَمَيْنَاهُ بِأَبْصَارِنَا، فَقُلْنَا: لَوْ أَنَّ هَذَا الشَّابَّ جَعَلَ شَبَابَهُ وَنَشَاطَهُ وَقُوَّتَهُ فِي سَبِيلِ اللهِ، فَسَمِعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «وَمَا سَبِيلُ اللهِ إِلَّا مَنْ قُتِلَ؟! مَنْ سَعَى عَلَى وَالِدَيْهِ فَفِي سَبِيلِ اللهِ، وَمَنْ سَعَى عَلَى عِيَالِهِ فَفِي سَبِيلِ اللهِ، وَمَنْ سَعَى مُكَاثِرًا فَفِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ» – وَفِي رِوَايَةٍ: «سَبِيلِ الشَّيْطَانِ».

وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ – رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا –: (مَا خَلَقَ اللهُ مَوْتَةً أَمْنَاهَا بَعْدَ المَوْتِ فِي سَبِيلِ اللهِ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنَ المَوْتِ بَيْنَ شُعْبَتَي رَحْلِي أَبْتَغِي مِنْ فَضْلِ اللهِ ضَارِبًا فِي الأَرْضِ).

وَقَالَ طَاوُوسٌ: (السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالمِسْكِينِ كَالمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ الله

ثالثًا: أَنْ تَتَشَبَّهَ بِالْأَنْبِيَاءِ:

وَلَقَدْ أَمَرَنَا اللهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ بِالِاقْتِدَاءِ وَالتَّشَبُّهِ بِهِمْ، فَقَالَ جَلَّ جَلَالُهُ:
﴿ أُو۟لَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ فَبِهُدَىٰهُمُ ٱقْتَدِهْ ۗ قُل لَّآ أَسْـَٔلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًۭا ۖ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْعَـٰلَمِينَ ﴾ [الأنعام: 90].

فَالْعَمَلُ – أَيُّهَا الْأَحِبَّةُ – شَرَفٌ وَاقْتِدَاءٌ بِصَفْوَةِ الْخَلْقِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ.
وَأَخْرَجَ الحَاكِمُ فِي “المُسْتَدْرَكِ” عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ – رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا – بِسَنَدٍ وَاهٍ: كَانَ دَاوُدُ زَرَّادًا، وَكَانَ آدَمُ حَرَّاثًا، وَكَانَ نُوحٌ نَجَّارًا، وَكَانَ إِدْرِيسُ خَيَّاطًا، وَكَانَ مُوسَى رَاعِيًا.

وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ – رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا – قَالَ: إِنَّ دَاوُدَ كَانَ زَرَّادًا يَصْنَعُ الزَّرْدَ وَالدُّرُوعَ، وَكَانَ آدَمُ حَرَّاثًا، وَكَانَ نُوحٌ نَجَّارًا، وَكَانَ إِدْرِيسُ خَيَّاطًا.

وَهَا هُوَ نَبِيُّ اللهِ مُوسَى – عَلَيْهِ السَّلَامُ – يَعْمَلُ بِالْأُجْرَةِ عِنْدَ العَبْدِ الصَّالِحِ شُعَيْبٍ، يَقُولُ سُبْحَانَهُ تَعَالَى:
﴿ قَالَتْ إِحْدَىٰهُمَا يَـٰٓأَبَتِ ٱسْتَـْٔجِرْهُ ۖ إِنَّ خَيْرَ مَنِ ٱسْتَـْٔجَرْتَ ٱلْقَوِىُّ ٱلْأَمِينُ * قَالَ إِنِّىٓ أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ٱبْنَتَىَّ هَـٰتَيْنِ عَلَىٰٓ أَن تَأْجُرَنِى ثَمَـٰنِىَ حِجَجٍۢ ۖ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًۭا فَمِنْ عِندِكَ ۖ وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ ۚ سَتَجِدُنِىٓ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ * قَالَ ذَٰلِكَ بَيْنِى وَبَيْنَكَ ۖ أَيَّمَا ٱلْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَٰنَ عَلَىَّ ۖ وَٱللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌۭ ﴾ [القصص: 26 – 28].

وَهَا هُوَ يُوسُفُ – عَلَيْهِ السَّلَامُ – يَعْمَلُ عَلَىٰ خَزَائِنِ مِصْرَ، يَقُولُ سُبْحَانُهُ تَعَالَى:
﴿ قَالَ ٱجْعَلْنِى عَلَىٰ خَزَآئِنِ ٱلْأَرْضِ إِنِّى حَفِيظٌ عَلِيمٌۭ * وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِى ٱلْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَآءُ ۚ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَآءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ ﴾ [يوسف: 55، 56].

وَهٰذَا سَيِّدُ الْأَنْبِيَاءِ وَإِمَامُ الأَتْقِيَاءِ وَخَاتَمُ الْمُرْسَلِينَ يَعْمَلُ وَيَكِدُّ، لِأَنَّ الْعَمَلَ مِنْ سُنَنِ هٰذِهِ الحَيَاةِ، وَهُوَ – مَعَ ذٰلِكَ – يَقْتَدِي بِغَيْرِهِ مِنَ الأَنْبِيَاءِ – عَلَيْهِمُ السَّلَامُ.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رَضِيَ اللهُ عَنْهُ – قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَقَدْ رَعَى الغَنَمَ». قَالُوا: وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «نَعَمْ، كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَىٰ قَرَارِيطَ لأَهْلِ مَكَّةَ».

رابعًا: أَنْ يَعِفَّ نَفْسَهُ عَنْ مَسْأَلَةِ النَّاسِ:

مَعَاشِرَ الْمُوَحِّدِينَ، وَمِنْ ثِمَارِ الْعَمَلِ وَالْكَسْبِ أَنْ يَعِفَّ الْعَامِلُ نَفْسَهُ عَنْ مَسْأَلَةِ النَّاسِ وَالْوُقُوفِ عَلَىٰ أَبْوَابِهِمْ، فَالمَسْأَلَةُ مَذَلَّةٌ لِلسَّائِلِ تُرِيقُ مَاءَ وَجْهِهِ.

عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ – رَضِيَ اللهُ عَنْهُ – قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ، فَيَأْتِيَ بِحُزْمَةِ حَطَبٍ عَلَىٰ ظَهْرِهِ فَيَبِيعَهَا، فَيَكُفَّ اللهُ بِهَا وَجْهَهُ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ».

وَصَحَّ عَنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ – مَعَ مَا اشْتُهِرَ مِنْ زُهْدِهِ وَوَرَعِهِ – أَنَّهُ قَالَ لِمَنْ سَأَلَهُ عَنْ ذٰلِكَ: «اِلْزَمِ السُّوقَ».

وَقَالَ لِآخَرَ: «اسْتَغْنِ عَنِ النَّاسِ، فَلَمْ أَرَ مِثْلَ الغِنَى عَنْهُمْ».

عَنْ عَفَّانَ قَالَ: لَقِيَ رَجُلٌ الحَسَنَ بْنَ يَحْيَى بِأَرْضِ الحَبَشَةِ مَعَهُ تِجَارَةٌ، فَقَالَ لَهُ: مَا الَّذِي بَلَغَ بِكَ هَاهُنَا؟ فَعَزَلَهُ الرَّجُلُ، فَقَالَ: أَكُلُّ هٰذَا طَلَبًا لِلدُّنْيَا وَحِرْصًا عَلَيْهَا؟! فَقَالَ الحَسَنُ: يَا هٰذَا، إِنَّ الَّذِي حَمَلَنِي عَلَىٰ هٰذَا كَرَاهَةُ الحَاجَةِ إِلَىٰ مِثْلِكَ.

إِذَا الْمَرْءُ لَمْ يَطْلُبْ مَعَاشًا وَلَمْ يَنْحَاشْ
مِنْ طُولِ الجُلُوسِ جَفَاهُ الأَقْرَبُونَ
وَصَارَ كَلًّا عَلَى الإِخْوَانِ كَالثَّوْبِ اللَّبِيسِ
وَمَا الأَرْزَاقُ عَنْ جَلَدٍ وَلَكِنْ بِمَا قَدَّرَ المُقْتَدِرُ لِلنُّفُوسِ

خامسًا: أَنْ تَنالَ أَجْرَ الصَّدَقَةِ:

إِخْوَةَ الإِسْلَامِ: وَمِنْ ثَمَارِ العَمَلِ أَنْ يَعْمَلَ فَيَأْكُلَ هُوَ وَأَهْلُهُ وَيَتَصَدَّقَ، فَيَكُونَ ذَلِكَ كُلُّهُ فِي مَوَازِينِ حَسَنَاتِهِ صَدَقَاتٍ.
حَدِيثُ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ»، قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: «يَعْمَلُ بِيَدَيْهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ». قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ؟ قَالَ: «يُعِينُ ذَا الحَاجَةِ المَلْهُوفَ». قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ؟ قَالَ: «يَأْمُرُ بِالمَعْرُوفِ أَوِ الخَيْرِ». قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قَالَ: «يُمْسِكْ عَنِ الشَّرِّ، فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ».

عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: جَاءَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ، وَهُوَ بِمَكَّةَ، وَهُوَ يَكْرَهُ أَنْ يَمُوتَ بِالأَرْضِ الَّتِي هَاجَرَ مِنْهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَرْحَمُ اللهُ سَعْدَ ابْنَ عَفْرَاءَ». وَلَمْ يَكُنْ لَهُ إِلَّا ابْنَةٌ وَاحِدَةٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أُوصِي بِمَالِي كُلِّهِ؟ قَالَ: «لَا». قَالَ: فَالنِّصْفُ؟ قَالَ: «لَا». قَالَ: فَالثُّلُثُ؟ قَالَ: «الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، إِنَّكَ إِنْ تَدَعْ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ فِي أَيْدِيهِمْ، وَإِنَّكَ مَهْمَا تُنْفِقْ مِنْ نَفَقَةٍ فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ، حَتَّى اللُّقْمَةَ الَّتِي تَرْفَعُهَا فِي فِي امْرَأَتِكَ، وَلَعَلَّ اللهَ أَنْ يَرْزُقَكَ، فَيَنْتَفِعَ بِكَ أُنَاسٌ، وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ».

سادسًا: أَنْ يَأْخُذَ بِالأَسْبَابِ:

وَاعْلَمُوا أَنَّ مِنْ ثَمَارِ العَمَلِ وَالكَسْبِ أَنْ يَأْخُذَ بِالأَسْبَابِ الَّتِي شَرَعَهَا اللهُ تَعَالَى، وَحَثَّنَا عَلَى الأَخْذِ بِهَا، فَيَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ وَلَا يَتَوَاكَلَ، وَلَا يَتْرُكَ العَمَلَ.
عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، يَقُولُ: إِنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَوْ أَنَّكُمْ تَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ، لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ، تَغْدُو خِمَاصًا، وَتَرُوحُ بِطَانًا».

سَابِعًا: أَنْ يَكُونَ مَطْعَمُهُ حَلَالًا فَيَقْبَلَ اللهُ عَمَلَهُ:

وَاعْلَمُوا عِبَادَ اللهِ؛ أَنَّ مِنْ شُرُوطِ قَبُولِ الأَعْمَالِ: المَطْعَمُ الحَلَالُ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ! يَا رَبِّ! وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟».

وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَعِيدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: «أَطِبْ مَطْعَمَكَ تَكُنْ مُسْتَجَابَ الدَّعْوَةِ».

وَعَنْ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ رَحِمَهُ اللهُ قَالَ: أَصَابَ بَنِي إِسْرَائِيلَ بَلَاءٌ وَقَحْطٌ، فَخَرَجُوا يُضِجُّونَ، فَأَوْحَى اللهُ إِلَى نَبِيٍّ مِنْ أَنْبِيَائِهِ أَنْ أَخْبِرْهُمْ: تَخْرُجُونَ إِلَى الصَّعِيدِ بِأَبْدَانٍ نَجِسَةٍ، وَأَيْدٍ قَدْ سَفَكْتُمْ بِهَا الدِّمَاءَ، وَمَلَأْتُمْ بُطُونَكُمْ مِنَ الحَرَامِ؟ الآنَ حِينَ اشْتَدَّ غَضَبِي عَلَيْكُمْ، وَلَنْ تَزْدَادُوا مِنِّي إِلَّا بُعْدًا.

وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: «لَا تَسْتَبْطِئِ الإِجَابَةَ وَقَدْ سَدَدْتَ طُرُقَهَا بِالمَعَاصِي».

وَعَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ رَحِمَهُ اللهُ قَالَ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَسْتَجِيبَ اللهُ دَعْوَتَهُ، فَلْيُطَيِّبْ طُعْمَتَهُ».

ثَامِنًا: أَنْ تَنَالَ مَغْفِرَةَ اللهِ تَعَالَى:

وَحَثَّتِ الشَّرِيعَةُ الإِسْلَامِيَّةُ عَلَى العَمَلِ وَالإِنْتَاجِ وَالكَسْبِ الحَلَالِ، وَرَتَّبَتْ عَلَى ذَلِكَ الأَجْرَ وَالثَّوَابَ مِنَ الكَرِيمِ الوَهَّابِ جَلَّ جَلَالُهُ، فَجَاءَ فِي الحَدِيثِ – وَإِنْ كَانَ فِيهِ ضَعْفٌ –: «أَنَّ مَنْ بَاتَ آكِلًا مِنْ عَمَلِ يَدِهِ غَفَرَ اللهُ تَعَالَى لَهُ».

وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ بَاتَ كَالًّا مِنْ طَلَبِ الحَلَالِ، بَاتَ مَغْفُورًا لَهُ»

تاسِعًا: أَنْ تَعْمَلَ لِتَنْهَضَ الأُمَّةُ

أَيُّهَا الإِخْوَةُ المُؤْمِنُونَ؛ إِنَّ ارْتِفَاعَ الأُمَمِ وَهُبُوطَهَا، وَبَقَاءَهَا وَانْدِثَارَهَا،
يَرْتَبِطُ ارْتِبَاطًا كَبِيرًا بِعَمَلِ أَبْنَائِهَا وَتَطَلُّعَاتِهِمْ وَاهْتِمَامَاتِهِمْ.

فَلَنْ تَرْتَقِيَ أُمَّةٌ يَمِيلُ أَبْنَاؤُهَا إِلَى الدَّعَةِ وَالرَّاحَةِ وَالسُّكُونِ، وَيُؤْثِرُونَ عَلَى العَمَلِ الجَادِّ – الَّذِي يُسْهِمُ فِي بِنَاءِ الأُمَّةِ – كُلَّ عَمَلٍ يُحَقِّقُ نَصِيبًا أَكْبَرَ مِنَ الكَسَلِ وَالخُمُولِ، مَعَ السَّعْيِ فِي تَحْصِيلِ عَائِدٍ مَالِيٍّ جَيِّدٍ يُوَفِّرُ مُتَطَلَّبَاتِ الرَّفَاهِيَةِ وَالتَّرَفِ.

وَإِذَا كَانَ أَفْرَادُ الأُمَّةِ بِتِلْكَ الصُّورَةِ، فَإِنَّ الدُّنْيَا وَمُتَعَلِّقَاتِهَا تَنْقَلِبُ فِي مَفْهُومِهِمْ إِلَى غَايَةٍ تُقْصَدُ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ وَسِيلَةً تُسْتَثْمَرُ، لَا يُهِمُّ مَعَهَا النَّظَرُ فِي مُتَطَلَّبَاتِ الأُمَّةِ وَحَاجَاتِهَا؛ فَتَبْقَى الأُمَّةُ فِي تَخَلُّفِهَا، بَلْ يَزْدَادُ تَخَلُّفُهَا بِقَدْرِ ازْدِيَادِ تَرَفِ أَبْنَائِهَا؛ حَتَّى تَكُونَ عُرْضَةً لِلانْهِيارِ وَالسُّقُوطِ.

وَاعْلَمُوا عِبَادَ اللهِ أَنَّ العَمَلَ الجَادَّ هُوَ الرَّكِيزَةُ الأَسَاسِيَّةُ لِنَهْضَةِ الأُمَمِ وَالشُّعُوبِ وَمُوَاكَبَةِ التَّطَوُّرِ الشَّامِلِ الَّذِي يَشْهَدُهُ العَالَمُ مِنْ حَوْلِنَا، وَمَا تَخَلَّفَتِ الأُمَّةُ فِي الآوِنَةِ الأَخِيرَةِ إِلَّا بِتَرْكِهَا العَمَلَ الجَادَّ وَرُكُونِ أَبْنَائِهَا إِلَى الدَّعَةِ وَالاعْتِمَادِ عَلَى مَا يُقَدِّمُهُ الغَيْرُ لَهَا مِنْ صِنَاعَاتٍ وَآلَاتٍ، فَأَصْبَحَتِ الأُمَّةُ عَالَةً عَلَى غَيْرِهَا يَتَحَكَّمُ فِيهَا الغَيْرُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ.

 قَالَ اللهُ تَعَالَى:
﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ * وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ ﴾
[الأنفال: 60-61]

عَاشِرًا: نَعْمَلُ حَتَّى نَقْضِيَ عَلَى البِطَالَةِ وَالتَّسَوُّلِ

جَاءَ الإِسْلَامُ وَحَثَّ أَتْبَاعَهُ عَلَى العَمَلِ،
وَتَأَمَّلُوا مَا جَاءَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه:

أَنَّ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ أَتَى النَّبِيَّ ﷺ يَسْأَلُهُ، فَقَالَ:
«أَمَا فِي بَيْتِكَ شَيْءٌ؟»
قَالَ: بَلَى، حِلْسٌ نَلْبَسُ بَعْضَهُ وَنَبْسُطُ بَعْضَهُ، وَقَعْبٌ نَشْرَبُ فِيهِ مِنَ المَاءِ.
قَالَ: «ائْتِنِي بِهِمَا»، فَأَتَاهُ بِهِمَا، فَأَخَذَهُمَا رَسُولُ اللهِ ﷺ بِيَدِهِ، وَقَالَ:
«مَنْ يَشْتَرِي هَذَيْنِ؟»
قَالَ رَجُلٌ: أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمٍ.
قَالَ: «مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا؟»
قَالَ رَجُلٌ: أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمَيْنِ.
فَأَعْطَاهُمَا إِيَّاهُ، وَأَخَذَ الدِّرْهَمَيْنِ وَأَعْطَاهُمَا الأَنْصَارِيَّ، وَقَالَ:
«اشْتَرِ بِأَحَدِهِمَا طَعَامًا فَانْبِذْهُ إِلَى أَهْلِكَ، وَاشْتَرِ بِالآخَرِ قَدُومًا فَأْتِنِي بِهِ»،
فَأَتَاهُ بِهِ، فَشَدَّ فِيهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ عُودًا بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ:
«اذْهَبْ فَاحْتَطِبْ وَبِعْ، وَلَا أَرَيَنَّكَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا»،
فَذَهَبَ الرَّجُلُ يَحْتَطِبُ وَيَبِيعُ، فَجَاءَ وَقَدْ أَصَابَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ،
فَاشْتَرَى بِبَعْضِهَا ثَوْبًا، وَبِبَعْضِهَا طَعَامًا.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ:
«هَذَا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَجِيءَ المَسْأَلَةُ نُكْتَةً فِي وَجْهِكَ يَوْمَ القِيَامَةِ،
إِنَّ المَسْأَلَةَ لَا تَصْلُحُ إِلَّا لِثَلَاثَةٍ: لِذِي فَقْرٍ مُدْقِعٍ، أَوْ لِذِي غُرْمٍ مُفْظِعٍ، أَوْ لِذِي دَمٍ مُوجِعٍ»

 وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ:
«وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَحْتَطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ رَجُلًا قَدْ أَعْطَاهُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَيَسْأَلَهُ أَعْطَاهُ أَوْ مَنَعَهُ»

وَكَذَلِكَ اعْتَبَرَ الإِسْلَامُ البِطَالَةَ ظَاهِرَةً سَلْبِيَّةً،
فَقَدْ قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه:
«إِنِّي لَأَكْرَهُ أَنْ أَجِدَ الرَّجُلَ فَارِغًا؛ لَا فِي أَمْرِ دُنْيَاهُ، وَلَا فِي أَمْرِ آخِرَتِهِ»

وَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه:
«إِنِّي لَأَرَى الرَّجُلَ يُعْجِبُنِي، فَأَقُولُ: هَلْ لَهُ حِرْفَةٌ؟ فَإِنْ قَالُوا: لَا، سَقَطَ مِنْ عَيْنِي»

وَقَالَ الرَّاغِبُ الأَصْفَهَانِيُّ:
«مَنْ تَعَطَّلَ وَتَبَطَّلَ، انْسَلَخَ مِنَ الإِنسَانِيَّةِ، بَلْ مِنَ الحَيَوَانِيَّةِ، وَصَارَ مِنْ جِنْسِ المَوْتَى،
وَمَنْ تَعَوَّدَ الكَسَلَ وَمَالَ إِلَى الرَّاحَةِ، فَقَدَ الرَّاحَةَ،
وَقَدْ قِيلَ: إِنْ أَرَدْتَ أَلَّا تَتْعَبَ، فَاتْعَبْ؛ لِئَلَّا تَتْعَبَ»

وَقَالَ لُقْمَانُ الحَكِيمُ لاِبْنِهِ:
«يَا بُنَيَّ، اسْتَعِنْ بِالكَسْبِ الحَلَالِ؛ فَإِنَّهُ مَا افْتَقَرَ أَحَدٌ قَطُّ إِلَّا أَصَابَهُ ثَلَاثُ خِصَالٍ:
رِقَّةٌ فِي دِينِهِ، وَضَعْفٌ فِي عَقْلِهِ، وَذَهَابُ مُرُوءَتِهِ، وَأَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ اسْتِخْفَافُ النَّاسِ بِهِ»

ٱلْعُنْصُرُ ٱلثَّالِثُ: ٱلْكَسْبُ ٱلْحَرَامُ وَضَرَرُهُ

ٱهْتَمَّتِ ٱلشَّرِيعَةُ بِٱلْمَالِ وَطُرُقِ كَسْبِهِ ٱهْتِمَامًا كَبِيرًا، ٱهْتَمَّتْ بِتَبْيِينِ حَقِيقَتِهِ وَٱلتَّبْصِيرِ بِهِ، وَحَذَّرَتْ كَثِيرًا مِنْ فِتْنَتِهِ وَٱلْٱنْحِرَافِ بِهِ، وَرَسَمَتِ ٱلْخُطُوطَ ٱلسَّلِيمَةَ لِطُرُقِ كَسْبِهِ، وَٱلْقَنَوَاتِ ٱلصَّحِيحَةِ لِإِنْفَاقِهِ وَصَرْفِهِ، وَخَوَّفَتْ وَأَوْعَدَتْ مَنِ ٱكْتَنَزَهُ وَحَجَبَهُ.

وَكَانَ مِنْ أَعْظَمِ مَا بَيَّنَ ٱللَّهُ لِعِبَادِهِ فِي ٱلْقُرْآنِ، وَبَيَّنَهُ لَهُمْ نَبِيُّهُ فِي سُنَّتِهِ، أَنَّ ٱلْإِنْسَانَ سَيُحَاسَبُ عَلَى مَالِهِ لَا مَحَالَةَ، مِنْ أَيْنَ ٱكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ، كَمَا رَوَى ذَلِكَ ٱلْإِمَامُ ٱلتِّرْمِذِيُّ عَنْ سَيِّدِنَا ٱلنَّبِيِّ صَلَّى ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ… وَذَكَرَ مِنْهَا… وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ ٱكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ) (صحيح الترمذي).

وَلِذَا حَرِصَ ٱلْإِسْلَامُ عَلَى ٱلتَّوْجِيهِ ٱلصَّرِيحِ وَٱلْإِرْشَادِ ٱلْجَلِيِّ حَتَّى يَكُونَ ٱلْمُسْلِمُ حَرِيصًا أَشَدَّ ٱلْحِرْصِ عَلَى تَنْقِيَةِ مَكَاسِبِهِ مِنْ كُلِّ كَسْبٍ خَبِيثٍ أَوْ مَالٍ مُحَرَّمٍ: ﴿يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِٱلْبَاطِلِ﴾ [ٱلنِّسَاء: 29]، وَرَسُولُنَا صَلَّى ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ ٱللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا) (رواه مسلم).

غَيْرَ أَنَّ بَعْضَ ٱلْمُسْلِمِينَ ٱسْتَهْوَاهُ حُبُّ ٱلْمَالِ وَجَمْعُهُ حَتَّى زَلَّتْ بِهِ ٱلْقَدَمُ، وَمَالَتْ بِهِ ٱلنَّفْسُ ٱلْأَمَّارَةُ بِٱلسُّوءِ، فَرَاحَ يَجْمَعُ ٱلدُّنْيَا بِكُلِّ طَرِيقٍ، وَيَسْتَكْثِرُ مِنْهَا بِأَيِّ سَبِيلٍ، فَلَيْسَ لَهُمْ هَمٌّ إِلَّا تَكْدِيسُ ٱلْأَمْوَالِ وَتَضْخِيمُ ٱلثَّرَوَاتِ وَتَكْثِيرُ ٱلْأَصْفَارِ مِنْ أَيِّ وَجْهٍ جَاءَتْ… ٱلْحَلَالُ عِنْدَهُمْ مَا حَلَّ فِي أَيْدِيهِمْ، وَوَصَلَ إِلَيْهِمْ بِأَيِّ وَسِيلَةٍ، وَٱلْحَرَامُ هُوَ مَا حُرِمُوا مِنْهُ وَلَمْ يَسْتَطِيعُوا ٱلْوُصُولَ إِلَيْهِ. حَتَّى صَدَقَ عَلَى ٱلْكَثِيرِينَ إِخْبَارُ ٱلْمُصْطَفَى بِقَوْلِهِ: (لَيَأْتِيَنَّ عَلَى ٱلنَّاسِ زَمَانٌ لَا يُبَالِي ٱلْمَرْءُ مِمَّا أَخَذَ ٱلْمَالَ أَمِنَ ٱلْحَلَالِ أَمْ مِنَ ٱلْحَرَامِ) (رواه البخاري).

وَنَسِيَ كَثِيرٌ مِنْ هَؤُلَاءِ أَنَّ ٱلْمَالَ ٱلْحَرَامَ مُسْتَخْبَثُ ٱلْأُصُولِ، مَمْحُوقُ ٱلْبَرَكَةِ وَٱلْمَحْصُولِ، وَأَنَّهُ وَبَالٌ عَلَى ٱلْفَرْدِ وَعَلَى ٱلْأُمَّةِ، حِينَ يَكْسِبُهُ ٱلْفَرْدُ مِنْ رِبًا أَوْ رِشْوَةٍ أَوْ ظُلْمٍ أَوْ غِشٍّ أَوْ أَكْلٍ لِأَمْوَالِ ٱلنَّاسِ بِٱلْبَاطِلِ… فَعِنْدَ ذَلِكَ يَتَنَزَّلُ سَخَطُ ٱللَّهِ، وَتَنْتَشِرُ ٱلْمُوبِقَاتُ، وَتَكْثُرُ ٱلْمَصَائِبُ، وَيَدْعُو ٱلنَّاسُ فَلَا يُسْتَجَابُ لَهُمْ، كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: (إِنَّ ٱللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا… ثُمَّ ذَكَرَ ٱلرَّجُلَ يُطِيلُ ٱلسَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى ٱلسَّمَاءِ: يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِّيَ بِٱلْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لَهُ) (رواه مسلم).

وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: لَا تَسْتَبْطِئِ الْإِجَابَةَ، وَقَدْ سَدَدْتَ طُرُقَهَا بِالْمَعَاصِي.

اِنْتِشَارُ الحَرَامِ
وَإِنَّ مِمَّا نَشْكُوهُ إِلَى اللهِ فِي زَمَانِنَا: اِنْتِشَارُ المَكَاسِبِ المُحَرَّمَةِ، وَالأَمْوَالِ الخَبِيثَةِ، وَمُجَاهَرَةُ النَّاسِ فِي طَلَبِهَا وَالسَّعْيِ فِي تَحْصِيلِهَا؛ حَتَّى شَاعَ ذَلِكَ وَانْتَشَرَ، وَأَلِفَهُ الكَثِيرُ.

فَمِمَّا شَاعَ مِنَ الحَرَامِ:
أَكْلُ الرِّبَا وَالتَّعَامُلُ بِهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجِدَ الإِنسَانُ غَضَاضَةً فِي ذَلِكَ، مَعَ أَنَّهُ مِنْ أَكْبَرِ المُحَرَّمَاتِ، وَأَخْبَثِ الخَبَائِثِ وَالمَكَاسِبِ، وَهُوَ بِمَثَابَةِ إِعْلَانِ حَرْبٍ عَلَى اللهِ وَرَسُولِهِ، وَمِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ عَلَى أَصْحَابِهِ وَآكِلِيهِ وَالعَامِلِينَ فِيهِ؛ قَالَ سُبْحَانَهُ:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ﴾ [البقرة: 278-279].

أَخْذُ الرِّشْوَةِ: لِتَسْهِيلِ أَمْرٍ مَمْنُوعٍ، أَوْ إِعْطَاءِ حَقٍّ لِغَيْرِ مُسْتَحِقٍّ، أَوْ إِرْسَاءِ مُنَاقَصَةٍ عَلَى غَيْرِ مُكْتَمِلِ الشُّرُوطِ، أَوْ إِعْطَاءِ وَظِيفَةٍ أَوْ عَمَلٍ لِغَيْرِ مُتَأَهِّلٍ. وَفِي هَذَا مِنَ الشَّرِّ عَلَى الأُمَّةِ وَمِنَ الضَّرَرِ عَلَى النَّاسِ مَا لَا يَخْفَى. وَلِذَلِكَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَأَعَانَ عَلَيْهِ فَهُوَ مَلْعُونٌ؛ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَعَنَ اللهُ الرَّاشِيَ وَالمُرْتَشِيَ وَالرَّائِشَ»، وَهُوَ الوَاسِطَةُ بَيْنَهُمَا.

الغِشُّ وَالخِدَاعُ فِي البُيُوعِ وَالمُعَامَلَاتِ: وَإِخْفَاءُ عَيْبِ السِّلْعَةِ، أَوِ التَّطْفِيفُ فِي الكَيْلِ وَالمِيزَانِ، وَالحَلِفُ الكَاذِبُ لِتَرْوِيجِ السِّلْعَةِ، وَغَيْرُهَا مِنْ طُرُقِ الغِشِّ وَالخِدَاعِ؛ قَالَ تَعَالَى:
﴿وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ﴾ [المطففين: 1-3].

وَمِنْهُ بَيْعُ المُحَرَّمَاتِ: كَالخُمُورِ وَالمُخَدِّرَاتِ وَالدُّخَانِ.

وَمِنْهُ أَيْضًا أَكْلُ أَمْوَالِ اليَتَامَى وَالقَاصِرِينَ، وَأَكْلُ أَمْوَالِ الزَّوْجَاتِ وَالبَنَاتِ العَامِلَاتِ بِغَيْرِ حَقٍّ، أَوْ مَنْعُهُنَّ مِنَ الزَّوَاجِ وَتَأْخِيرُهُ لِلانْتِفَاعِ بِأَمْوَالِهِنَّ؛ وَهُوَ ظُلْمٌ وَعَضْلٌ مَعَ كَوْنِهِ خِسَّةً وَدَنَاءَةً وَقِلَّةَ مُرُوءَةٍ.

وَمِنْهَا أَكْلُ أَمْوَالِ العُمَّالِ فِي الشَّرِكَاتِ، أَوِ السَّائِقِينَ وَالخَدَمِ فِي البُيُوتِ، وَتَأْخِيرُ الرَّوَاتِبِ، أَوْ إِنْقَاصُهَا، أَوِ التَّحَايُلُ فِي تَقْلِيلِهَا، أَوْ مَنْعُهَا.

عَوَاقِبُ أَكْلِ الحَرَامِ
لَقَدْ نَسِيَ هَؤُلَاءِ جَمِيعًا أَوْ تَنَاسَوْا أَنَّ المَالَ الحَرَامَ شَرُّ الرِّزْقِ، وَأَخْبَثُ الكَسْبِ، وَأَسْوَأُ العَمَلِ، وَزَادُ صَاحِبِهِ إِلَى النَّارِ، وَأَنَّ المَكَاسِبَ المُحَرَّمَةَ ذَاتُ عَوَاقِبَ وَخِيمَةٍ، وَآثَارٍ سَيِّئَةٍ عَظِيمَةٍ عَلَى الفَرْدِ وَالأُمَّةِ.

سَبِيلٌ إِلَى النَّارِ وَلَعْنَةُ الجَبَّارِ:
قَالَ تَعَالَى: ﴿كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي﴾ [طه: 81]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ اليَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا﴾ [النساء: 10].

وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَعَنَ اللهُ الرَّاشِيَ وَالمُرْتَشِيَ وَالرَّائِشَ»، وَقَالَ أَيْضًا: «لَعَنَ اللهُ آكِلَ الرِّبَا، وَمُوكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ»، وَقَالَ: «هُمْ سَوَاءٌ».

وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا بِقَوْلِهِ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ، فَلَا يَأْخُذْهَا» (رَوَاهُ البُخَارِيُّ).

فَهُوَ نَارٌ فِي الدُّنْيَا تُحْرِقُ البَدَنَ بِالأَمْرَاضِ الخَبِيثَةِ وَالعِلَلِ المُسْتَعْصِيَةِ، وَنَارٌ تُقَلِّبُ المِزَاجَ المُعْتَدِلَ فَتُفْسِدُهُ، وَتَجْلِبُ الهَمَّ وَالغَمَّ وَالضِّيقَ وَالضَّنْك، وَنَارٌ تُؤَجِّجُ الفِتْنَةَ فِي البُيُوتِ، وَتُورِثُ الشَّحْنَاءَ بَيْنَ سَاكِنِيهَا، وَتَسْتَجْلِبُ المَصَائِبَ وَالشَّدَائِدَ.

مَانِعٌ لِقَبُولِ العَمَلِ وَالصَّدَقَةِ:
فَإِنَّ العِبَادَةَ مَعَ أَكْلِ الحَرَامِ كَالبِنَاءِ عَلَى أَمْوَاجِ البَحْرِ.
وَإِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا.
وَآكِلُ الحَرَامِ لَا يُوَفَّقُ لِلْعِبَادَةِ أَصْلًا.
قَالَ سَهْلٌ: مَنْ أَكَلَ الحَلَالَ أَطَاعَ اللهَ شَاءَ أَمْ أَبَى، وَمَنْ أَكَلَ الحَرَامَ عَصَى اللهَ شَاءَ أَمْ أَبَى.
قَالَ ابْنُ عُمَرَ: مَنْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فِيهَا دِرْهَمٌ حَرَامٌ، لَمْ يَقْبَلِ اللهُ لَهُ صَلَاةً مَا دَامَ يُصَلِّي فِيهِ.
وَرُوِيَ أَنَّ العَبْدَ إِذَا تَنَسَّكَ قَالَ إِبْلِيسُ لِأَصْحَابِهِ: انْظُرُوا مَاذَا يَأْكُلُ، فَإِنْ كَانَ يَأْكُلُ الحَرَامَ قَالَ دَعُوهُ، فَإِنَّ عِبَادَتَهُ مَعَ أَكْلِ الحَرَامِ لَا تُغْنِي عَنْهُ شَيْئًا.

سَبَبُ عُقُوقِ الأَوْلَادِ:
فَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ تَزَايُدِ العُقُوقِ وَانْحِرَافِ الأَبْنَاءِ، وَانْعِدَامِ البِرِّ، وَكَثْرَةِ الجُحُودِ، وَلِمَاذَا لَا يَعُقُّ الأَبْنَاءُ مَنْ أَطْعَمَهُمُ الحَرَامَ، وَأَنْبَتَ أَجْسَادَهُمْ مِنَ السُّحْتِ، وَعَرَّضَهُمْ لِعَذَابِ النَّارِ.

سَبَبُ رَدِّ الدُّعَاءِ:
كَمَا سَبَقَ ذِكْرُهُ فِي حَدِيثِ المُسَافِرِ الأَشْعَثِ الأَغْبَرِ آكِلِ الحَرَامِ، فَقَالَ عَنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (… فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لَهُ).
وَرُوِيَ أَنَّ سَعْدًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: (سَلِ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مُسْتَجَابَ الدَّعْوَةِ).
فَقَالَ: (يَا سَعْدُ أَطِبْ مَطْعَمَكَ تَجِبْ دَعْوَتُكَ).

قَالَ يَحْيَى بْنُ مُعَاذٍ: “خَرَجَ قَوْمٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مَخْرَجًا، يَطْلُبُونَ الاسْتِسْقَاءَ، فَأَوْحَى اللهُ إِلَى نَبِيِّهِمْ قُلْ لَهُمْ: إِنَّكُمْ خَرَجْتُمْ إِلَيَّ بِأَجْسَادٍ نَجِسَةٍ، وَبِأَيْدٍ قَدْ سَفَكْتُمْ بِهَا الدِّمَاءَ، وَمَلَأْتُمْ بِهَا بُيُوتَكُمْ مِنَ الحَرَامِ، الآَنَ اشْتَدَّ غَضَبِي عَلَيْكُمْ، وَلَنْ تَزْدَادُوا مِنِّي إِلَّا بُعْدًا”.

المَالُ الحَرَامُ مَمْحُوقُ البَرَكَةِ:
قَالَ تَعَالَى: {يَمْحَقُ اللهُ الرِّبَا}، وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الحَلِفُ مَنْفَقَةٌ لِلسِّلْعَةِ مَمْحَقَةٌ لِلْبَرَكَةِ)، وَقَالَ: (البَيِّعَانِ بِالخِيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا)، وَقَالَ: (مَنْ يَأْخُذْ مَالًا بِحَقِّهِ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ يَأْخُذْهُ بِغَيْرِ حَقِّهِ لَا يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ، وَكَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ).

فَالْمَالُ الحَرَامُ شُؤْمٌ وَوَبَالٌ عَلَى صَاحِبِهِ وَضَرَرٌ عَلَى جَامِعِهِ وَكَاسِبِهِ؛ إِنْ أَنْفَقَهُ صَاحِبُهُ فِي بَرٍّ لَمْ يُقْبَلْ، وَإِنْ بَذَلَهُ فِي نَفْعٍ لَمْ يُشْكَرْ.
فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا يَكْسِبُ عَبْدٌ مَالًا مِنْ حَرَامٍ فَيُنْفِقُ مِنْهُ فَيُبَارَكَ لَهُ فِيهِ، وَلَا يَتَصَدَّقُ بِهِ فَيُقْبَلَ مِنْهُ، وَلَا يَتْرُكُهُ خَلْفَ ظَهْرِهِ إِلَّا كَانَ زَادَهُ إِلَى النَّارِ) [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَحَسَّنَهُ أَحْمَدُ شَاكِرٌ].

المَالُ يَنفَدُ حِلُّهُ وَحَرَامُهُ
يَوْمًا وَيَبْقَى بَعْدَ ذَا آثَامُهُ

لَيْسَ التَّقِيُّ بِمُتَّقٍ لِإِلَهِهِ
حَتَّى يُطِيبَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ

فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، وَلَا يَحْمِلَنَّكُمُ اسْتِبْطَاءُ الرِّزْقِ أَنْ تَطْلُبُوهُ بِمَعْصِيَةِ اللهِ، فَإِنَّ مَا عِنْدَ اللهِ لَا يُنَالُ إِلَّا بِطَاعَتِهِ.
اللَّهُمَّ أَغْنِنَا بِحَلَالِكَ عَنْ حَرَامِكَ، وَبِطَاعَتِكَ عَنْ مَعْصِيَتِكَ، وَأَغْنِنَا بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ.

الدُّعَاءِ

اللَّهُمَّ أَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا وَحَبِّبْنَا فَى بَعْضِنَا وَانْزِعْ الشَّحْنَاءَ وَالْبَغْضَاءَ مِنْ قُلُوبِنَا وَانْشُرْ الْأَمْنَ وَالْأَمَانَ فَى بِلَادِنَا وَسَائِرِ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ وَارْفَعْ الْبَلَاءَ وَالْغَلَاءَ عَنَّا اللَّهُمَّ انْصُرْ إِخْوَانَنَا الْمُسْتَضْعَفِينَ فَى بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِوَالِدَيْنَا كَمَا رَبَّيَانَا صِغَارًا اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُمَا وَارْحَمْهُمَا يَارِبَ الْعَالَمِينَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ وَارْحَمْ مَشَايِخَنَا وَعُلَمَائِنَا وَإِلَى كُلِّ مَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ عَلَيْنَا يَارِبَ الْعَالَمِينَ

وَأَقُمْ الصَّلَاةُ