ومن هنا فأحكام دين الإسلام جاءت في مجملها مُيسرة لا مَشقة فيها ولا تكلف ولا تعسير، حتى تتماشى مع الطبيعة البشرية ، التي تبغض الصعوبات والتعقيدات ، بسبب الضعف الفطري والتركيب الفيسيولوجي للإنسان ، فالإنسان مخلوق ضعيف ، والله تبارك وتعالى قد شرع له ما يناسب هذا الضعف البشري ..
العنصر الأول : ىالأدلة من القرآن والسنة على سماحة و يسر شريعة الإسلام .
والأدلة على يُسرِ الشريعة الإسلامية وسماحتها كثيرة في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة منها ما يلي: أولا : الأدلة في القرآن الكريم : والأدلة في القرآن الكريم على يسر الإسلامِ وسماحته كثيرة منها : ١-قال تعالى: ﴿ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: 185]. ٢-وقوله جل شأنه: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [البقرة: 286]. ٣-وقال جل وعلا : ﴿ مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾[المائدة: 6]. ٤-وقال سبحانه: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ، وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا ، يُرِيدُ اللهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا ﴾. النساء:٢٨/٢٦. ٥- وقوله تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا) [الطلاق: 7] …
ثانيا : الأدلة من السنة النبوية . أما السنة النبوية الشريفة فهي فياضة بالكثير من الشواهد والوقائع ، منها على سبيل المثال : ١-عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ-رضي الله عنه-، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-قَالَ﴿يَسِّرُوا وَلاَ تُعَسِّرُوا، وَبَشِّرُوا، وَلاَ تُنَفِّرُوا). (متفق عليه). ٢-عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” : ﴿إنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، ولَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أحَدٌ إلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وقَارِبُوا، وأَبْشِرُوا.. ﴾. أخرجه الإمام البخاري . “إنَّ الدِّينَ يُسْرٌ “فهو مُيسَّرٌ مُسهَّلٌ في عَقائدِه وأخلاقِه، وفي أفعالِه وتُروكِه. ثمَّ وصَّى بالتَّسديدِ والمقارَبةِ، وتَقويةِ النُّفوسِ بالبِشارةِ بالخيرِ، وعدَمِ اليأسِ، والتَّسديدُ: هو العملُ بالقصدِ، والتَّوسُّطُ في العِبادةِ، فلا يُقصِّرُ فيما أُمِرَ به، ولا يَتحمَّلُ منها ما لا يُطِيقُه، مِن غيرِ إفراطٍ ولا تَفريطٍ .. (موسوعة الأخلاق) .
٣-عن عبدالله بن عباس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى وسلم : ” إنَّ اللَّهَ يحبُّ أن تؤتَى رُخصُهُ ، كما يحبُّ أن تؤتَى عزائمُهُ” أخرجه الحافظ المنذري بصيغة التصحيح . ﴿الدِّينُ يُسرٌ لا عُسرٌ، وقدْ أقَرَّ اللهُ سُبحانه وتعالى أحكامًا مُؤكَّدةً، وأحَبَّ مِن عِبادِه أنْ يَفعلُوها، كما أنَّه سُبحانه خفَّفَ عنهم، ورفَعَ الحرَجَ في أوقاتِ الضِّيقِ والضَّرورةِ، واللهُ سُبحانَه يُـحِبُّ مِن عِبادِه المؤمنينَ أنْ يأْخُذوا بالرخص كما يحب أن يأخذوا بالعزائم .. وفي هذا تَطييبٌ لِقُلوبِ الضُّعفاءِ الذين يأْخُذون بِالرُّخَصِ لِعِلَّةٍ عِندَهم؛ حتى لا يَنتهيَ بهم ضَعفُهم إلى اليأْسِ والقُنوطِ مِن القُدرةِ على فِعْلِ العزائمِ﴾ السابق ص 272 .
٤- قوله عليه الصلاة والسلام عن السيدة عائشة رضي الله عنه عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الرِّفْقَ لا يَكونُ في شَيءٍ إلَّا زانَهُ، ولا يُنْزَعُ مِن شَيءٍ إلَّا شانَهُ). أخرجه الإمام مسلم . والرِّفقُ في الأُمورِ، والرِّفقُ بالنَّاسِ، واللِّينُ، والتَّيسيرُ، مِن جَواهرِ عُقودِ الأَخلاقِ الإِسلاميَّةِ، وهيَ مِن صِفاتِ الكَمالِ، واللهُ سُبحانَه وتَعالَى رَفيقٌ، يُحِبُّ مِن عِبادِه الرِّفقَ. سبب ورود هذا الحديث ومما جاء في الصحيح في سبب ورود هذا الحديث ما رَوَتْه عائشةُ رَضيَ اللهُ عنها أنَّها كانت راكبةً على جَملٍ «فيه صُعوبةٌ» يعني أنَّه غيرُ مُطيعٍ لِصاحبهِ «فجَعَلَتْ تُرَدِّدُه» أي: تَمنَعُه وتَدفَعُه بشِدَّةٍ وعُنفٍ ، فبَيَّن لها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ الرِّفقَ لا يَكونُ في شَيءٍ أي: لا يُقصَدُ استعمالُه في أيِّ أمرٍ- إلَّا «زانَه»، أي: إلَّا أَكمَلَه وزيَّنه..«ولا يُنزَعُ مِن شَيءٍ»، أي: ولا يَبتعِدُ عن أمرٍ، إلَّا «شانَه»، أي: عابَه وجَعَلَه قَبيحًا. والرِّفقُ هو لِينُ الجانِبِ بالقَولِ والفِعلِ، والأخْذُ بالأسهَلِ، وهو ضِدُّ العُنفِ. وفي الأثر «إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ، فَأَوْغِلْ فِيهِ بِرِفْقٍ» أخرجه الإمام البيهقي وفي سنده مقال لكن الحديث يدعو إلى ما دعا إليه الدين الحنيف من الرفق ، وعدم التَّكَلُّف و التَّنَطُّع
العنصر الثاني : معالم التيسير في الإسلام وتظهر معالم التيسير للشريعة الإسلامية في مجالات كثيرة منها: 1- تيسير القرآن الكريم: فقد جعل الله عز وجل القرآن ميسرًا ؛ حتى يسهل استظهاره وقراءته وحفظه ، وفهمه وتدبره . قال تعالى: {فإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا} . [مريم: 97] . وقال عز وجل: {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } [الدخان: 58] وقال تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ }[القمر: 17] . ومعنى تيسير القرآن: تيسير اللفظ وخلوه من التعقيد ؛حتى يسهل تلاوته وحفظه وفهمه ، وتدبره وكتاب الله ميسورَ الفهمِ، سهلَ الأحكامِ، بيِّنَ الألفاظ واضح المعاني ..
٢- تيسير السنة النبوية الشريفة . قال تعالى: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾. إن سنة النبي عليه الصلاة والسلام هي البيان العملي لأحكام الإسلام ، التي يسرها النبي -صلى الله عليه وسلم- بأقواله ، وأفعاله ، وأعماله ، وأخلاقه ، وصفاته ، وسلوكه . وسنة النبي بيِّنَة المعاني، تفصل مجمل القرآن الكريم، و توضح مبهمه ، كما أنها عظيمَة المقاصدِ، واضحَة المعالمِ والدلالاتِ . و أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين وسلف الأمة تلقوا منه الدين بيسر وقبول ، فكانوا خير جيل وأسسوا دولة الإسلام التي لم يعرف في التاريخ مثلها ..
من أدلة يسر وسهولة العقيدة حديث أبي هريرة-رضي الله عنه-: جاء رجلٌ إلي رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ بجاريةٍ أعجميةٍ فقال يا رسولَ اللهِ إنَّ عليَّ رقبةً مؤمنةً فأعتِقْ هذه ؟ فقال لها : أين اللهُ ؟ فأشارت إلي السماءِ . قال : فمن أنا ؟ فأشارت إلي رسولِ اللهِ ثم إلي السماءِ . قال : أعتِقْها فإنها مؤمنةٌ . أخرجه الإمام أبو داود وسنده حسن ..
ليس معنى التيسير الإقبال على البرامج و المسلسلات التي تصدنا عن ذكر الله تعالى وعن الصلاة، وتزين لنا السوء ، فتقسو بها قلوبنا ، ونتثاقل عن الطاعات، وربما كان في بعض مشاهدها سخرية بدين الله تعالى ، أو بحملته من العلماء والمحتسبين وعباد الله الصالحين، ولا يحل لمسلم يؤمن بالله تعالى أن يضيع وقته في ذلك ، ولا أن يستمتع بتلك المشاهد ، وإلا كان شريكًا لهؤلاء المجرمين الساخرين في سخريتهم بدين الله تعالى أو بعباده الصالحين: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللهَ جَامِعُ المُنَافِقِينَ وَالكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا) [النساء:140]..
وليس معنى الرفق والتيسير التساهل والتفريط ؛ فكثيرا ما نسمع على لسان بعض المتحررين من الفنانين و الفنانات ، والمغنيين و الراقصات قولهم إن الدين يسر ، ليس لإظهار سمات الإسلام وقيمه النبيلة بكلمة حق قد يراد بها باطل ، وإنما الهدف التفريط في أحكام الدين وهدي النبي عليه الصلاة والسلام ، ومن هنا فلا يجوز تمييع أمور الدين بحجة التيسير ؛ لأن هذا مما لا يُقبلُ في الإسلام ، فاتباع الشرع والالتزام به هو سبيل التيسير، وعلى هذا سار سلفنا الصالح رحمة الله عليهم .. وليس معنى التيسير ترك الفروض والآوامر التي أمر بها القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة والسعي وراء الملذات واتباع الشهوات ؟! . يجب أن يكون التيسير له مستند شرعي صحيح ، وضابط محكم نعتمد عليه ؛ خشية الزيف والضلال..
معنى التيسير المنضبط . التيسيرُ استبدالُ الحكمِ بحكمٍ أخفَّ يتناسبُ معَ قدرةِ المكلف واستطاعته .(زادالواعظين).. قال الشعبيُّ -رحمَهُ اللهُ-: “إذا اختلفَ عليكَ أمرانِ فإنَّ أيسرَهُما أقربُهُما إلى اللهِ”. قال النووي: يستحب الأخذ بالأيسر والأرفق ما لم يكن حرامًا أو مكروهًا . وهذا عملا بقول السيدة عائشة رضي الله عنها : “مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا، مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ” فَمَا أَجْمَلَ أَنْ يَكُونَ التَّدَيُّنُ دَيْمُومَةَ الذِّكْرِ، وَإِدْمَانَ الفِكْرِ، وَالحِفَاظَ عَلَى الفَرَائِضِ، والتَّجَمُّلَ بِالنَّوَافِلِ، وإِخْلَاصَ النَّوَايَا، وَإِدَامَةَ العَطَايَا، مَقْرُونًا ذَلِكَ كُلُّهُ بِحَالِ الانْكِسَارِ وَالتَّذَلُّلِ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، فَهَذَا هُوَ مِعْيَارُ القُرْبِ، وَمَدَارُ الأُنْسِ، وَمِفْتَاحُ الوُصُولِ، وَسِرُّ القَبُولِ.. (من خطبة الوزارة).
العنصر الثالث : تيسير الشريعة الإسلامية .. إن شريعة الإسلام الغراء شريعة سهلة ميسرة ، أبواب الحلال فيها كثيرة ، وجوانب الخير فيها أكثر ، فالأصل في الأشياء كالمطعومات ونحوها الإباحة، والتحريم استثناء وأما باب المحرمات فإن الشارع الحكيم برحمته ضيَّقَ باب التحريم وجعله قليل جدًا يعد على الأصابع ، فكل شيء محرم يقابله ، أشياء من البدائل والمعاملات الحلال ، قل ما شئت، و اشرب ما شئت وألبس ما شئت ، فكل أنواع الشراب حلال إلا الخمر ، والكلام مباح إلا ما كان فيه غيبة أو نميمة أو شهادة زور ، أو تهييج الغرائز ، وجميع الألبسة حلال ، إلا ما كان فيه تشبه النساء بالرجال، أو العكس، أو الملابس العارية ، (الشفافة) والضيقة ، أو التشبه باليهود والنصارى وتعمد ذلك ، وكل المطعومات حلال إلا ما ذكره القرآن الكريم ، على سبيل الحصر والقصر، كما في قوله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[البقرة: 173]..
التسيير في العبادات : وفي تيسير العبادة تخفيف على الناس حتى يسهل أداءها بلا مشقة، ومن مظاهر تيسير العبادة في الإسلام ..
١- التيسير في الصلاة : الصلاة المفروضة لا تسغرق ساعة زمن في اليوم الواحد تقريبا ، ولا تحتاج إلي وقت طويل ولا تعيق الإنسان عن أداء أعماله اليومية، ومن التيسير في الصلاة، الجمع بين الصلوات وقصر الصلاة الرباعية ركعتين في السفر، والجو الماطر، وتخفيفها في حالة المرض والعجز..
دَخَلَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَإِذَا حَبْلٌ مَمْدُودٌ بيْنَ السَّارِيَتَيْنِ، فَقالَ: ما هذا الحَبْلُ؟ قالوا: هذا حَبْلٌ لِزَيْنَبَ، فَإِذَا فَتَرَتْ تَعَلَّقَتْ، فَقالَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: لا، حُلُّوهُ، لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ، فَإِذَا فَتَرَ فَلْيَقْعُدْ. !.. أخرجه الإمام البخاري..
كما يجوز أداء الصلاة للمريض على وضع يتيسر له ، ففي السُنَّةِ لمَّا عادَ النبيُّ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- عمرانَ بنَ الحصينِ وكانَ مريضاً، فقالَ لهُ: “صَلِّ قائماً فإنْ لم تستطعْ فقاعِداً، فإنْ لم تستطعْ فعلى جنب ..
٢-التيسير في الصيام: فقد رخص الإسلام الإفطار للحامل والمرضع إن خافت على نفسها وولدها، وكذلك رخص في الإفطار للمسافر والشيخ الكبير العاجز . قال تعالى ﴿وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ﴾ البقرة /١٨٥. حديث حمزة بن عمرو الأسلمي(قال:يا رَسولَ اللهِ، أَجِدُ بي قُوَّةً علَى الصِّيَامِ في السَّفَرِ، فَهلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ؟ فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: هي رُخْصَةٌ مِنَ اللهِ، فمَن أَخَذَ بهَا، فَحَسَنٌ وَمَن أَحَبَّ أَنْ يَصُومَ فلا جُنَاحَ عليه..). أخرجه الإمام مسلم . حديثِ سيدنا عبد الله بنِ عباسٍ -رضي اللهُ عنهُما- أنهُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ رأى رجُلاً قائماً في الشمسِ، فقالَ: “ما هذا؟” فقالوا: أبو إسرائيلَ نذرَ أنْ يقومَ ويصومَ ولا يستظلَّ ولا يتكلمَ، فقالَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ: “مُرُوهُ فليتكلمْ وليستظلْ وليقعدْ وليتمْ صومَهُ” . أخرجه الإمام البخاري . وفي صحيح الإمام البخاري أيضاً: قالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: (إذَا مَرِضَ العَبْدُ، أوْ سَافَرَ، كُتِبَ له مِثْلُ ما كانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا)..
وَمن يسر الشريعة الإسلامية أنه مَنْ دَخَلَ عَلَيهِ شَعْبَانُ، وَبَقِيَ عَلَيهِ قَضَاء رَمَضَان؛ فَلْيُبَادِرْ إلى قَضَائِهِ قَبْلَ رَمَضَان! قالتْ السيدة عائشةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: “كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ؛ فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَهُ إِلَّا فِي شَعْبَانَ”(متفق عليه)..
وَلا يُشْرَعُ تَقَدُّمُ رَمَضَان بَصَوْمِ يَومٍ أو يَوْمَينِ. مَا لَمْ يَكُنْ صَوْمًا وَاجِبًا؛ مِثْل قَضَاءِ رَمَضَان، أَوْ وَافَقَ صَوْمًا مُعْتَادًا؛ كَصِيَامِ الإِثْنَينِ والخَمِيس، قالَ -عليه الصلاة والسلام-: “لا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلا يَوْمَيْنِ، إِلا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ”(متفق عليه).. نصيحة النبي ﷺ لسيدنا عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه..
العنصر الرابع : الشدة والرفق بالنفس البشرية.. إن التعامل مع النفس البشرية مرة بالشدة وأخرى بالرفق .. فالتعامل معها بالشدة ؛ لصرفها عن المعاصي والمحرمات والتعامل معها بالرفق لمراعاة حال النفس البشرية إذا حرنت على صاحبها..
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله: في النَفْس : كِبرُ إبليس ، وحسدُ قابيل ، وعُتُوّ عَاد ، وطغيانُ ثمود ، وجرأة النمرود ، واستطالة فرعون ، وبغي قارون ، ولؤم هامان ، وهوى وحِيَلُ أصحاب السبت ، وتمرّد الوليد ، وجهلُ أبي جهل ..
غير أنّ الترويض والمجاهدة تُذهب ذلك ..الفوائد لابن القيم .. وفي هذه الأيام بين الحين والآخر يحتاج كل إنسان إلى أن يقف وقفة جادة مع نفسه لمحاسبتها ومراجعتها وتصويب تصرفاتها ومعرفة هدفها . حري بنا أن يجلس الإنسان مع نفسه بمعزل عن الآخرين ، ويقيم حياته السابقة محاولا تصويب أخطائه ، والبدء بحياة جديدة مختلفة ، قناعة منه بأن الحياة قصيرة ولابد من استغلالها أفضل وأمثل استغلال ، جددوا إيمانكم، وراجعوا نفوسكم ، إن لم تتحرك نفوسنا في هذه الأيام فمتى تتحرك ؟ وان لم تتغير فمتى تتغير ؟ . ففي هذه الأيام المباركة فرصة ذهبية لمراجعة النفس والمسارعة في الخيرات ، فرب لحظة صادقة مع الله تطهر بها نفوسنا ، وتغفر بها ذنوبنا ، وتشرح بها صدورنا ..
روى الإمام الترمذي بسند صحيح عن شداد بن اوس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (الكَيِّسُ مَن دان نفسَه وعمِل لما بعدَ الموتِ والعاجِزُ مَن أتبَع نفسَه هَواها وتمنَّى على اللهِ الأمانِيَّ ) ..
يا إخوة الإسلام إن أعمارنا تمضي بنا سراعًا إلى قبورنا ونحن لا نشعر، ومواسم الخير تمر بنا كل عام ونحن كما نحن لم نزدد إيمانًا ولا عملاً صالحًا، وهذا من إطباق الغفلة، وتسويف النفس، وتزيين الشيطان؛ فلنحذر ذلك يا عباد الله، ولننتبه من غفلتنا، ولنستيقظ من رقدتنا، ولندحر شياطيننا، ولنستعد للقاء الله ، ولنُرِ الله تعالى من أنفسنا خيرًا؛ فعسى أن نحظى بنفحة من نفحاته المباركة نسعد بها فلا نشقى أبدًا…
♦وختاما : ما أحوجنَا إلى الوعيِ بعظمةِ الإسلامِ، وقيمه النبيلة ،فهو دينُ الوسطية و الرفق والسماحةِ واليسرِ، فهو دين لا التواءَ فيه، ولا تعقيدَ، ولا تقعُرَ، ومن قواعد شريعته الغراء المشقة تجلب التيسير.
والمتدبرُ في حياةِ نبيِّنَا (صلَّى اللهُ عليه وسلم) يدركُ يقينًا أنَّه (صلَّى اللهُ عليه وسلم) كان نعمَ القدوةُ لأمتهِ وللإنسانيةِ جمعاء في السماحةِ والتيسيرِ، يقولُ نبيُّنَا (صلَّى اللهُ عليه وسلم): (إنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّتًا، وَلَا مُتَعَنِّتًا، وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا) ..
سِيرُوا فِي هَذَا الدِّينِ بِرِفْقٍ وَلِينٍ مِنْ غَيْرِ عَنَتٍ وَلَا تَكَلُّفٍ وَلَا تَشَدُّدٍ، وَلَا تُحَمِّلُوا أَنْفُسَكُم مَا لا تُطِيقُونَ، وقد حذر النبي عليه الصلاة والسلام من الغلو أو التنطع في الدين ، ونهى عن ذلك مرارا وتكرارا ، فقال صلى الله عليه وسلم :”إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ، فَإِنَّما أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ”. وعن عبدالله بن مسعود : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (هَلَكَ المُتَنَطِّعُونَ. قالَها ثَلاثًا)أخرجه الإمام مسلم . والمتنطعون المتشددون المتكلفون . وَهَذَا نِدَاءٌ إِلَى كُلِّ مُغَالٍ فِي تَعَبُّدِهِ: لَا تَتَشَدَّدْ فَيُشَدَّد عَلَيْكَ، لَا تُضَيِّقْ فَيُضَيَّق عَلَيْكَ، وتأدب بالآداب النبوية في الرفق والسماحة ، ورفع الحرج والتيسير .. اللَّهُمَّ إنا عوذ بك من شر نفوسنا ومن شر الشيطان وشركه ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها.. واللهم أَعِنِّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ واللهم اغنِنا بحلالك عن حرامك ، وبفضلك عمن سواك ، وارزقنا وانت خير الرازقين ، وجنبنا الفواحش ما ظهر منها و ما بطن ، واحقن دماء المستضعفين في كل مكان ، واحفظ بلدنا مصر من كل سوء وسائر بلاد المسلمين .