ثلاثية قاصمة الظهور، وفاقرة الفواقر، تقصم ظهر أي مجتمع وتُفقد الثقة في جميع المنتسبين إلى التدين، وتشيع الفوضى والنفاق بين أفراده فيصبح مجتمعًا لا يعرف قيمة ولا يتعامل بمبدأ واضح، ولا يحكم بقسطاسٍ مستقيمٍ.
إنك حينما تتكلم في هذا الموضوع فإنك تضع يدك على جسدٍ مثخن بالجراح، وجرحٍ غائرٍ مندمل على قيحٍ وصديدٍ، يحتاج إلى جراحٍ ماهر يعمل بمضعه في هذا الجسد لينزع تلك المادة التي تمده بالقيح والصديد.
ولقد ترددتُ كثيرًا في الاقدام على الحديث حول هذا الموضوع، ولكني توكلتُ على الله مستعينًا به على التوفيق؛ لعلي أجد من يصحح لي أي خطأ وقعتُ فيه أثناء الحديث.
مقدمة ماالدين؟ وما معنى التدين؟
ومتى يكون هذا التدين مغشوشًا؟
وما هي صور هذا التدين المغشوش في واقعنا المعاصر؟
وما أسباب هذا التدين المغشوش، وما أنواعه، وما أراره؟
حول هذه الأسئلة، وتلك المعاني، سوف يكون لقاؤنا اليوم -في هذه السلسلة إن شاء الله-، وبداية نقول وبالله التوفيق:
الدين في اللغة بمعنى: الطاعة والانقياد. والدين في الاصطلاح العام: ما يعتنقه الإنسان ويعتقده ويدين به من أمور الغيب والشهادة وفي الاصطلاح: الدين هو التسليم والطاعة والتذلل والخضوع والعبودية لله تعالى والانقياد له.
والدين هو ملة الإسلام وعقيدة التوحيد والتي هي دين جميع المرسلين من لدن آدم ونوح إلى خاتم النبيين محمد ﷺ. قال الله تعالى: (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ) [آل عمران: ١٩]
إن الله عز وجل قد خلق الخلق لعبادته، وأوجدهم لإظهار شريعته، وطلب منهم ذلك وتكفل برزقهم فقال ولم يزل قائلًا عليمًا: “وما خلقتُ الجن والإنس إلا ليعبدون . ما أُريد منهم من رزقٍ وما أريد أن يطعمون . إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين” الذاريات
وفي حقيقة الأمر حينما هممت بالحديث في هذا الموضوع كنت أقدم رِجْلاً وأأخر أخرى، حتى إني وأنا أعد له وأقرأ عزمت ألا أتحدث عن هذا الموضوع، ليس تقليلاً من شأنه وأهميته، لكن شعورًا بأنه ينبغي ألاَّ يتحدث عن الورع إلاَّ أهل الورع، وينبغي ألاَّ يتحدث عن الصدق إلا الصادقون الخائفون المخبتون، والمتشبّع بما لم يعط كلابس ثوبي زور، لكن عزائي أن أقول لكم اسمعوا مقالي وإياكم وحالي، فالقضية أقوال وشذرات من سير سلف الأمة نسعى إلى ربطها بواقعنا، ونقولها لإخواننا ونحن جميعًا نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من الورعين المتقين الصالحين، وإن لم ترق أنفسنا إلى منازلهم فلنتشبه بهم؛ فإن من تشبه بقوم فهو منهم، والتشبه بالكرام فلاح.
فالله -تعالى- قد أنعم على عباده بنعم لا تُحصى ولا تعد، وجعل تلك النعم فتنة وابتلاءً؛ ليميز الخبيث من الطيب، وجعل من تلك النعم: نعمة الأموال، التي هي فتنة في تحصيلها، وفي تصريفها.
ثم إنه -سبحانه- شرع لعباده طرقًا لتحصيلها مبنية على العدل والقصد؛ فلا ظلم، ولا هضم، ولا إفراط ولا تفريط، وشرع أيضًا سبلاً؛ لتصريفها على الوجه النافع للعبد في دينه ودنياه؛ فانقسم الناس في ذلك أشتاتا، وأسعد الناس بها من اكتسبها من طرقها المشروعة، ثم بذلها فيما ينفعه في دينه ودنيا وأشقى الناس بها من اكتسبها على غير الوجه الشرعي، ثم أمسك عن بذلها فيما هو جائز، والأسوأ من بذلها فيما لا يجوز.
وبين هاتين المنزلتين منازل، ويتفاوت الناس في ذلك حسب ما فيهم الخوف من الله، وتورعهم عن الحرام، وحرصهم على الحلال
وسوف نعالج هذا الموضوع من خلال بعض النقاط فى المقال التالى باذن الله تعالى