خطبة بعنوان ( أما الجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ ) لفضيلة الشيخ محمد سيد

خطبة بعنوان ( أما الجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ )
لفضيلة الشيخ: مُحَمَّدِ سَيِّدِ حُسَيْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ 

لتحميل الخطبة pdf اضغط على الرابط  أدناه
famaa alyatim fala taqhar mohamed saed

اَلْعَنَاصِرُ الْأَسَاسِيَّةُ :
الْعُنْصُرُ الْأَوَّلُ : أَبْوَابُ الْخَيْرِ لَمْ تَزَلْ مُفَتَّحَةً بَعْدَ رَمَضَانَ .
الْعُنْصُرُ الثَّانِي : الْقِيَامُ بِحَقِّ الْيَتِيمِ .
الْعُنْصُرُ الثَّالِثُ : أَعْجَبُ مَا وَرَدَ مِنْ قَصَصِ الْإِحْسَانِ إِلَى الْيَتَامَى .
الْعُنْصُرُ الرَّابِعُ : بِشَارَاتُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لِلْمُحْسِنِ إِلَى الْيَتِيمِ .

الْمَوْضُوعُ :
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَامُ : بَعْدَ أَنْ انْقَضَى رَمَضَانُ أَوَدُّ أَنْ أَقُولَ :

إِنَّ أَبْوَابَ الْخَيْرِ الَّتِي فُتِحَتْ فِي رَمَضَانَ لَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ بَعْدَ رَمَضَانَ وَلَنْ يُغْلَقَ مِنْهَا بَابٌ بَعْدَ رَمَضَانَ ، سَتَبْقَى أَبْوَابُ الْعَمَلِ الصَّالِحِ تُفْتَحُ لِكُلِّ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْدَ رَمَضَانَ ، وَرُبَّمَا . . رُبَّمَا كَانَ الثَّوَابُ بَعْدَ رَمَضَانَ أَكْثَرَ . . تَقُولُونَ كَيْفَ ذَلِكَ ؟ !

أَقُولُ : لِأَنَّكُمْ تَجِدُونَ فِي رَمَضَانَ عَلَى الْخَيْرِ أَعْوَانًا ، وَبَعْدَ رَمَضَانَ رُبَّمَا لَا تَجِدُونَ عَلَى الْخَيْرِ أَعْوَانًا . .

أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ الشَّعْبَانِيِّ ، قَالَ : أَتَيْتُ أَبَا ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيَّ فَقُلْتُ لَهُ : كَيْفَ تَصْنَعُ بِهَذِهِ الْآيَةِ ؟ قَالَ : أَيَّةُ آيَةٍ ؟ قُلْتُ : قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ }

قَالَ : أَمَا وَاَللَّهِ لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْهَا خَبِيرًا ، سَأَلْتُ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ :” بَلِ ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ، وَتَنَاهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ، حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا، وَهَوًى مُتَّبَعًا، وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً، وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ، فَعَلَيْكَ بِخَاصَّةِ نَفْسِكَ، وَدَعِ الْعَوَامَّ ؛ فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامًا الصَّبْرُ فِيهِنَّ مِثْلُ الْقَبْضِ عَلَى الْجَمْرِ، لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلًا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِكُمْ “.

فِي رِوَايَةٍ .. قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَجْرُ خَمْسِينَ مِنَّا أَوْ مِنْهُمْ ؟ قَالَ : ” لَا، بَلْ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ “.

فِي رِوَايَةٍ . . قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلِمَ ؟ قَالَ لِأَنَّكُمْ تَجِدُونَ عَلَى الْخَيْرِ أَعْوَانًا وَلَا يَجِدُونَ عَلَى الْخَيْرِ أَعْوَانًا . .

وَلَعَلَّ مِنْ أَنْفَعِ أَبْوَابِ الْخَيْرِ الَّتِي تَنْفَعُ صَاحِبَهَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ بَابُ الْإِحْسَانِ إِلَى الْيَتَامَى . .

وَحَدِيثُ الْيَوْمِ عَنْ الْيَتِيمِ حَدِيثُ تَرْغِيبٍ فَقَطْ فِي الْإِحْسَانِ وَالْإِكْرَامِ لِلْأَيْتَامِ وَالْيَتِيمَاتِ . .

حَدِيثُ الْيَوْمِ : لِي وَلَكُمْ ، وَلِكُلِّ مَنْ كَانَ تَحْتَهُ يَتِيمٌ أَوْ يَتِيمَةٌ..

مَاتَ أَبُوكَ وَتَرَكَ لِكُلِّ أَخًا صَغِيرًا هَذَا الصَّغِيرُ يَتِيمٌ لَهُ مِنْ مِيرَاثِ أبِيهِ مِثْلُ مَا لَكَ لَا تَزِيدُ عَلَيْهِ وَلَا يَزِيدُ عَلَيْكَ ، أَوْ مَاتَ الْوَالِدُ وَتَرَكَ لَكَ أُخْتًا صَغِيرَةً هَذِهِ الصَّغِيرَةُ يَتِيمَةٌ ، لَهَا مِنْ مِيرَاثِ ابِيهَا نَصِيبُهَا الَّذِي فَرَضَهُ اللَّهُ لَهَا ، وَعَنْ هَؤُلَاءِ الْيَتَامَى سَتُسْأَلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ . .

وَقَدْ يَكُونُ الْيَتِيمُ ابْنَ أَخٍ أَوْ ابْنَ أُخْتٍ ، أَوْ ابْنَ عَمٍّ أَوْ ابْنَ خَالٍ ، وَلَكَ الْوِصَايَةُ عَلَيْهِ ، وَمَالُهُ بَيْنَ يَدَيْكَ ، وَحَالُهُ تَحْتَ نَاظِرَيْكَ . .

فَاتَّقِ اللَّهَ تَعَالَى فِيهِ وَأَحْسِنْ إِلَيْهِ قَالَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ:
{وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ ۖ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَن تَقُومُوا لِلْيَتَامَىٰ بِالْقِسْطِ ۚ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا} سورة النساء.

قَدْ يَكُونُ الْيَتِيمُ فَقِيرًا مُعْدَمًا ، وَقَدْ يَكُونُ الْيَتِيمُ غَنِيًّا مُوسِرًا . .

الْيَتِيمُ الْمُعْدِمُ بِحَاجِهِ إِلَى مَنْ يُحْسِنُ إِلَيْهِ ، وَالْيَتِيمُ الْمُوسِرُ أَيْضًا بِحَاجِهِ إِلَى مَنْ يُحْسِنُ إِلَيْهِ . .

وَلَيْسَتْ كُلُّ الْحَوَائِجِ طَعَامٌ وَشَرَابٌ ، هُنَاكَ حَاجَةٌ لِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ ، هُنَاكَ حَاجَةٌ لِنَصِيحَةٍ مُخْلِصَةٍ ، هُنَاكَ حَاجَةٌ لِيَدٍ حَانِيَةٍ تُعَوِّضُ الْيَتِيمَ وَتُسْعِدُ قَلْبَهُ وَتُجْبِرُ خَاطِرَهُ . .

وَرَدَ الْحَدِيثُ عَنْ الْيَتَامَى فِي إِحْدَى عَشْرَةَ سُورَةً مِنْ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ فِي ( الْبَقَرَةِ وَالنِّسَاءِ وَالْأَنْعَامِ وَالْأَنْفَالِ وَالْكَهْفِ وَالْحَشْرِ وَالْإِنْسَانِ وَالْفَجْرِ وَالْبَلَدِ وَالضُّحَى وَالْمَاعُونِ )

الْحَدِيثُ الْأَطْوَلُ وَالْمُفَصَّلُ عَنْ الْيَتَامَى فِي سُورَةِ النِّسَاءِ ، أَمَّا الْحَدِيثُ الْأَعْجَبُ عَنْ الْيَتَامَى فَفِي سُورَةِ الْكَهْفِ . .

فِي سُورَةِ الْكَهْفِ حَدِيثٌ عَنْ يَتِيمَيْنِ اثْنَيْنِ كَانَا يَعِيشَانِ قُرْبَ مُجَمَّعِ الْبَحْرَيْنِ عَلَى أَرْضِ سَيْنَاءَ . .

مِنْ بَيْنِ الْمَوَاقِفِ الْعَجِيبَةِ الَّتِي مَرَّتْ عَلَى سَيِّدِنَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَعَلَى الْعَبْدِ الصَّالِحِ وَالَّتِي أَوْرَدَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْكَهْفِ مَوْقِفُ الْجِدَارِ الْمَائِلِ فِي قَرْيَةِ الْبُخَلَاءِ . . قَالَ اللَّهُ {فَانطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ ۖ}

دَهِشَ مُوسِي عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ تَصَرُّفِ الْخَضِرِ وَمِنْ بَذْلِ الْمَعْرُوفَ لِقَوْمٍ لِئَامِ أَبُو قَبْلَ سَاعَةٍ أَنْ يُضِيفُوهُمَا قَالَ { لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتُ عَلَيْهِ أَجْرًا } سُورَةِ الْكَهْفِ .

يُتِيمَيْنِ اثْنَيْنِ تَوَلَّيَ الْإِحْسَانَ إِلَيْهِمَا وَتَوَلِّي الْإِكْرَامِ لَهُمَا وَرِعَايَةِ أَمْوَالِهِمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِنَفْسِهِ . .

حِينَ وَكَلَ اللَّهُ تَعَالَى رَسُولًا كَرِيمًا مِنْ أُولِي الْعَزْمِ مِنْ الرُّسُلِ وَهُوَ سَيِّدُنَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَوَكَّلَ مَعَهُ عَبْدًا صَالِحًا وَهُوَ الْخَضِرُ وَكَانَ ذَلِكَ الْخَضِرُ وَلِيًّا وَلَمْ يَكُنْ نَبِيًّا ، أَمَرَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَمْرًا أَنْ يُقِيمَا ذَلِكَ الْجِدَارَ الْمُتَهَالِكَ الْمَائِلَ قَبْلَ أَنْ يَسْقُطَ لِأَنَّهُ لَوْ سَقَطَ لَانْكَشَفَ الضَّاعُ مَا تَحْتَهُ مِنْ مَالِ الْيَتَامَى . .

كَادَ الْجِدَارُ الْمُتَهَالِكُ أَنْ يَسْقُطَ فَأَدْرَكَهُ الْخَضِرُ ، وَادْرَكَهُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ تَبَعًا لِلْخُضْرِ وَأَصْلَحَاهُ بِدُونِ مُقَابِلٍ حِفَاظًا عَلَى مَالٍ مَدْفُونٍ تَحْتَ ذَلِكَ الْجِدَارِ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ كَانَ أَبُوهُمَا رَجُلًا صَالِحًا .

دَهِشَ مُوسِي عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ صَنِيعِ الْخَضِرِ وَمِنْ كَرَمِ أَخْلَاقِهِ مَعَ أُولَئِكَ اللِّئَامِ قَالَ : { لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتُ عَلَيْهِ أَجْرًا } سُورَةِ الْكَهْفِ .

فَأَعْلَنَ الْخَضِرُ الْفِرَاقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ { هذا فِرَاقٌ بَيْنِي وَبَيْنَكَ ۚ } لَكِنَّهُ وَفَّى بِوَعْدِهِ وَقَالَ { سَأُنَبِئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا } سُورَةِ الْكَهْفِ .

أَنْبَأَهُ أولا بِنَبَأِ السَّفِينَةِ فَقَالَ : { أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا }

ثُمَّ أَنْبَأَهُ بِنَبَأِ الْغُلَامِ فَقَالَ : { وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا ، فَأَرَدْنَا أَنْ يُبَدِّلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رَحِمًا } سُورَةِ الْكَهْفِ .

وَمِنْ بَيْنِ مَا أَنْبَأَهُ بِهِ نَبَأُ الْجِدَارِ . . قَالَ: {وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا..}

تَابَعَ الْخَضِرُ تَفْسِيرَهُ لِمَوْقِفِ إِقَامَةِ الْجِدَارِ دُونَ مُقَابِلٍ بِقَوْلِهِ : { فَأَرَادَ رَبُّكَ } إِقَامَةُ الْخَضِرِ لِلْجِدَارِ هُوَ تَنْفِيذٌ لِمُرَادِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَوَّلًا وَآخِرًا وَوَصَلَ مُرَادُ اللَّهِ تَعَالَى إِلَى الْخَضِرِ عَنْ طَرِيقِ عِلْمٍ خَاصٍّ يُعْرَفُ بِالْعِلْمِ اللَّدُنِّيِّ وَهُوَ يُغَايِرُ سَائِرَ عُلُومِ الْبَشَرِ ، وَلَا يَعْنِي أَنَّهُ نَبِيٌّ إنَّمَا هُوَ عَبْدٌ عَلَمَهُ اللَّهُ عِلْمًا خَاصًّا . .

قَالَ : { وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ ۚ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ۚ ذلك تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا } سُورَةِ الْكَهْفِ .

هَذَا الْمَوْضِعُ مِنْ كِتَابِ رَبِّنَا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُؤَسِّسُ لِمَاذَا ؟
هَذَا الْمَوْضِعُ تَحْدِيدًا وَغَيْرُهُ كَثِيرٌ فِي كِتَابِ رَبِّنَا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُؤَسِّسُ لِلْإِحْسَانِ إِلَى الْيَتَامَى وَإِنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ وَقَدْ وَرَدَ فِي صَحِيحِ السُّنَّةِ أَنَّ « خَيْرَ بُيُوتِ الْمُسْلِمِينَ بَيْتٌ فِيهِ يَتِيمٌ يُحْسَنُ إِلَيْهِ » ثُمَّ إِنَّ كَافِلَ الْيَتِيمِ النَّاصِحَ لَهُ الْمُحْسِنَ إِلَيْهِ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْجَنَّةِ كَهَاذَيْنِ الْأُصْبُعَيْنِ . .

أيها الإخوة الكرام:
نَحْنُ بِحَاجَةٍ إِلَى أَنْ نَعْلَمَ أَنَّ الْيَتِيمَ لَيْسَ بِحَاجَةٍ فَقَطْ إِلَى مَنْ يُطْعِمُهُ وَيَسْقِيهِ وَإِنَّمَا حَاجَةُ الْيَتِيمِ أَكْثَرُ إِلَى مَنْ يُشْبِعُهُ . . يَشْبُغُهُ حُبًّا وَوُدًّا وَرَحْمَةً وَعَطْفًا ، حَاجَةُ الْفَقِيرِ أَكْبَرُ إِلَى مَنْ يُشْبِعُهُ اهْتِمَامًا وَنُصْحًا وَتَوْجِيهًا ، حَاجَةُ الْيَتِيمِ أَكْثَرُ إِلَى مَنْ يَهْتَمُّ لِحَالِهِ وَمَالِهِ . .

{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَىٰ ۖ قُلْ إِصْلَاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ ۖ وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} سورة البقرة..

أَخْرَجَ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَغَيْرُهُمْ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ « وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ »

وَلَمَّا نَزَلَتْ : « إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلُونَ سَعِيرًا »

انْطَلَقَ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ يَتِيمٌ فَعَزَلَ طَعَامَهُ عَنْ طَعَامِ الْيَتِيمِ . وَعَزَلَ شَرَابَهُ عَنْ شَرَابِ الْيَتِيمِ..

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : فَجَعَلَ يَفَضِلُ الشَّيْءَ مِنْ طَعَامِ الْيَتِيمِ وَمِنْ شَرَابِ الْيَتِيمِ ، فَيَحْبِسُ الْوَصِيُّ لِلْيَتِيمِ مَا بَقِيَ مِنْ طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ حَتَّى يَأْكُلَ الْيَتِيمُ طَعَامَهُ بِنَفْسِهِ أَوْ يُفْسِدَ ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَذَكَرُوهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلَتْ الْآيَةُ :
« وَيَسْئِلُونَكَ عَنْ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ » فَخَلَطُوا طَعَامَهُمْ وَشَرَابَهُمْ بِطَعَامِهِمْ وَشَرَابِهِمْ . .

نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ أَنْ يَرْزُقَنَا الْخَيْرَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إِنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ وَمَوْلَاهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
بَقِيَ لَنَا فِي خِتَامِ الْحَدِيثِ عَنْ الْإِحْسَانِ إِلَى الْيَتَامَى سَوَاءٌ كَانُوا مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ أَوْ لَمْ يَكُونُوا مِنْهُمْ بَقِيَ لَنَا أَنْ نَقُولَ :
إِنَّ احَدَ الْابْوَابِ الْوَاسِعَةِ لِكَسْبِ الْحَسَنَاتِ ( الْإِحْسَانُ إِلَى الْيَتِيمِ ) وَلَوْ كَانَ الْيَتِيمُ أَخُوكَ لِأُمِّكَ وَأَبِيكَ . .

قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ « مَنْ مَسَحَ رَأْسَ يَتِيمٍ ، لَمْ يَمْسَحْهُ إِلَّا لِلَّهِ ، كَانَ لَهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ تَمَسُّ عَلَيْهَا يَدُهُ حَسَنَاتٌ ، وَمَنْ أَحْسَنَ إِلَى يَتِيمَةٍ أَوْ يَتِيمٍ عِنْدَهُ ، كُنْتُ أَنَا وَهُوَ فِي الْجَنَّةِ كَهَاتِينَ ، وَقَرَنَ بَيْنَ إصْبَعَيْهِ » ٠

وَمِنْ الْمُبَشِّرَاتِ:
الَّتِي تُسَاقُ لِلْمَرْأَةِ الَّتِي تَرَمَّلَتْ عَلَى ايْتَامٍ لَهَا وَلَمْ تَتَزَوَّجْ بِرَجُلٍ آخَرَ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا وَالِدِ أَيْتَامِهَا مَا قَالَهُ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ

{ أنا أوَّلُ مَن يُفْتَحُ له بابُ الجنَّةِ، إلَّا أنِّي أرى امرأةً تُبادِرني، فأقولُ لها: ما لكِ؟ ومَن أنتِ؟ فتقولُ: أنا امرأةٌ قعَدْتُ على أيتامٍ لي}

أَحَدُ اسْبَابِ فَكِّ الْكَرْبِ وَتَفْرِيجِ الْهَمِّ وَقَضَاءِ الْحَوَائِجِ أَنْ تَعْطِفَ عَلَى يَتِيمٍ غَنِيًّا كَانَ ذَلِكَ الْيَتِيمُ أَوْ فَقِيرًا . .

أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَشْكُو إِلَيْكَ قَسْوَةَ قَلْبِي . .

فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : « أَتُحِبُّ أَنْ يَلِينَ قَلْبُكَ وَتُدْرِكَ حَاجَتَكَ » ؟ قَالَ نَعَمْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ . .

فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ « ارْحَمْ الْيَتِيمَ وَامْسَحْ رَأْسَهُ وَأَطْعِمْهُ مِنْ طَعَامِكَ يَلِنَّ قَلْبُكَ وَتُدْرِكْ حَاجَتَكَ » أَخْرَجَهُ أَبُو الدَّرْدَاءِ .

مِنْ اسِّبَابِ النَّجَاةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنْ يَكُونَ تَحْتَكَّ يَتِيمٌ تَتَّقِي اللَّهَ فِيهِ ، فَتُشْبِعُهُ طَعَامًا وَشَرَابًا ، وَتَشْبَعَةُ حُبًّا وَحَنَانًا ، وَتُشْبِعُهُ نُصْحًا وَإِرْشَادًا . .

مِنْ اسْبَابِ النَّعِيمِ الْمُقِيمِ فِي الْجَنَّةِ أَنْ يَكُونَ تَحْتَكَّ يَتِيمَةٌ تُحْسِنُ إِلَيْهَا . .

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ حَالِ الْأَبْرَارِ {إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا، عينا يشرب بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا، يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا، وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا، إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا، إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا، فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَٰلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا، وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا}
سُورَةُ الْإِنْسَانِ .

نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ أَنْ يُجَازِيَنَا بِالْإِحْسَانِ إِحْسَانًا ، وَانْ يُجَازِيَنَا بِالْإِسَاءَةِ عَفْوًا وَغُفْرَانًا إِنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .

لتحميل الخطبة pdf اضغط على الرابط  أدناه
famaa alyatim fala taqhar mohamed saed

اترك تعليقاً