من هم أولياء الله الصالحين ؟ الشيخ على جمعة يجيب

من شروح الدكتور علي جمعة عن السادة الأولياء :

يقول ربنا سبحانه و تعالى : {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} يتكلم سبحانه و تعالى عن هذه الطائفة التي هي من أوليائه.

و أولياء جمع : ولي ، و الولي هو هذا المطر القريب من الوسميِّ ، فأول دفعات المطر تأتي يسمونها بالوسميِّ ، ثم بعد ذلك القريب منه جدًّا -من هذه الدفعة الأولى- يسمونها بالوليِّ.

فالوليُّ فيه معنى القرب ، فأولياء الله سبحانه و تعالى مقرّبون إلى الله ، و في القرب تحدث الرحمة ، و في القرب يحدث الحب ، و في القرب تحدث الإستجابة ، و في القرب تحدث السكينة ، و في القرب تحدث النورانية ؛ و لذلك فأولياء الله سبحانه و تعالى هم في القرب بأصل الكلمة “أَوْلِيَاءَ اللهِ” أي : أولئك المقرّبون إلى الله سبحانه و تعالى.

و بدون شك : إذا كان هناك قرب و بعد فإن الأمر يختلف ، فهناك مَنْ هو قريب ، و هناك مَنْ هو أقرب ، وةهناك مَنْ هو قريب ، و هناك مَنْ هو أقلّ قربًا من هذا القريب ؛ و لذلك القرب كله درجات ، و حاول أهل الله أن يقفوا عند تلك الآية ، و أن يتأملوا و أن يتدبروا الحال الكوني لأولئك العابدين المقربين إلى الله سبحانه و تعالى مِمَّنْ أخلصوا دينهم ،
و قد تكلم أهل الله على أن هؤلاء الأولياء على ثلاثة أنحاء :

الأول : أسموه بالعوام ؛ لأنهم كثر

و الثاني : أسموه بالخواص

و الثالث : أسموه بخواص الخواص.

و هذه الثلاثة في الحقيقة : هي إجمالية ، عندما أَلَّف “نجم الدين كبرى” كتبه عن الطريق ، قال -وهذا يأخذه من روزبهان البقليِّ ، و هو يتلقى عليه العلوم في مصر- فيقول :

عدد الطرائق -إلى الله- على أنفاس الخلائق.

يعني : و كأن كل واحدٍ منا له درجة عند الله سبحانه و تعالى ، لدرجة أن الطريق إلى الله عددها : عدد أنفاس الخلائق الموجودة العابدة لله سبحانه و تعالى.

و في هذا الطريق إلى الله تعالى منا مَنْ هو قريب ، و منا مَنْ هو في الوسط ، و منا مَنْ هو بعيد.

و في هذا القرب : منا مَنْ هو في العوام ، و منا مَنْ هو في الخواص ، و منا مَنْ هو في خواص الخواص.

هذه أمور إجمالية ، فعدد الطرائق على أنفاس الخلائق هذه : تُبَيِّن لك أن التفصيل و كأنه شخصي مع كل شخصٍ منا طريقٌ إلى الله سبحانه و تعالى ؛ إنما هناك مشارب و مناهج ، و طرق عامة ، تجعل الإنسان له طريقٌ معين إلى الله سبحانه و تعالى.

يقول : {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} و هنا نراه قد أطلق ، و إذا قَلَّت القيود زاد الموجود. {لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} في الدنيا ، أو في الآخرة؟ لم يذكر!! إذًا ، ففي الدنيا و الآخرة.

و كلما قَلَّت القيود كثر الموجود. ما دام لم يقيدها بالدنيا ، و لم يقيدها بالآخرة ، فهي تشمل الإثنين معًا ، فهي في الدنيا و الآخرة.

{أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} مطلقًا ، يعني : في جميع الأحوال ، مع جميع الأشخاص ، في كل الأزمان ، في الدنيا و الآخرة ، و في كل مكان ، أحياءً و أمواتًا.

{لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} كلمةٌ بليغة مطلقة ، تُنزل أولياء الله سبحانه و تعالى في مكانة عالية ، في الدنيا و في الآخرة.

بعض الناس ينكر هذا التقسيم الثلاثي الذي قاله أهل الله ، و يقولون :

كل المسلمين من أولياء الله ، و هذا لا مشاهد ، و لا هو واقع ، و لا هو صحيح.

أولياء الله هم الذين ساروا في طريق الله ، و طريق الله مقيدٌ أولًا بالكتاب وَ السُّنَّة ، و مقيدٌ ثانيًا بالذكر و الفكر.

فشخص بمجرد إسلامه ، أو هو مسلم و لا يقيم فروضه ، يكون وليًّا من أولياء الله!! هذا أمرٌ غير صحيح ، بل لابد من الذكر و الفكر ، على حد قوله تعالى : {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} أشخاص قلوبهم معلقةٌ بمواطن السجود ينتظرون الصلاة في قلوبهم بعد الصلاة ، «و رجلٌ قلبه معلقٌ بالمساجد». و “المساجد” جمع “مسجد” ، و هو مصدر ميمي يصلح للدلالة على الزمان و المكان و الحدث.

و لذلك فليست هذه المساجد بمعنى الجوامع ؛ و إنما هي بأوقات الصلاة و مواطن السجود ؛ حيث يتعلق قلب الإنسان أَلَّا يفوته لقاء الله سبحانه و تعالى.

{أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} إذًا ، فلا خوف في قلوبهم ، و لا في عقولهم ، و لا في أرواحهم ، و لا في أنفسهم ، و سبب ذلك : هو التوكّل ، فالتوكل عند أولياء الله الصالحين يؤدي بهم إلى التسليم ، و إلى الرضا ؛ و لذلك لا يخافون ، فهم يتوكلون على الله ، مِمَّنْ و ممّا يخافون؟!! وَ مَنْ هذا الذي يستطيع أن يُحَرِّك الخوف في قلوبهم؟!! هذا حالهم ، أما مقامهم : فهم لا يحزنون.

  • rohadmin rohadmin

    Related Posts

    إحتمينا برسول الله

    أ/ أيمن الصاوى يقول الصحابة رضوان الله عليهم كنا إذا إشتد الوطيس إحتمينا برسول الله ﷺ وكان ﷺ إذا إشتد البلاء علي أمته كيوم حنين وقف بجلال قدره علي الأرض…

    أقوال العلماء في التبرك بالاولياء والصالحين

    بقلم الأستاذ : مصطفى المُكن هذا حوار يجب أن نفهم منه ما معني التبرك والوسيله بالأدلة من قول أئمة العلماء ولا ينكر هذا الكلام إلا قلب خالي من الايمان والنور…

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    You Missed

    الإسلام والعلمانيين وإنصاف الإسلام للمرأة

    الإسلام والعلمانيين وإنصاف الإسلام للمرأة

    الدكتورة تيريزا كانت تحاول تنصير زميلها المسلم فنطقت هي الشهادة وأعلنت إسلامها

    الدكتورة تيريزا كانت تحاول تنصير زميلها المسلم فنطقت هي الشهادة وأعلنت إسلامها

    الشيخ محمد الغزالى لايخاف فى الله لومة لائم

    الشيخ محمد الغزالى لايخاف فى الله لومة لائم

    رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم أبو عبيدة بن الجراح رضى الله عنه

    رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم أبو عبيدة بن الجراح رضى الله عنه

    كرامة الشيخ الدردير رضى الله عنه مع الوالى العثمانى الظالم

    كرامة الشيخ الدردير رضى الله عنه مع الوالى العثمانى الظالم

    على منهاج النبوة قطوف من سيرة أبو بكر الصديق رضى الله عنه

    على منهاج النبوة قطوف من سيرة أبو بكر الصديق رضى الله عنه