الجمعة , 19 أبريل 2024

من هم أولياء الله الصالحين ؟ الشيخ على جمعة يجيب

من شروح الدكتور علي جمعة عن السادة الأولياء :

يقول ربنا سبحانه و تعالى : {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} يتكلم سبحانه و تعالى عن هذه الطائفة التي هي من أوليائه.

و أولياء جمع : ولي ، و الولي هو هذا المطر القريب من الوسميِّ ، فأول دفعات المطر تأتي يسمونها بالوسميِّ ، ثم بعد ذلك القريب منه جدًّا -من هذه الدفعة الأولى- يسمونها بالوليِّ.

فالوليُّ فيه معنى القرب ، فأولياء الله سبحانه و تعالى مقرّبون إلى الله ، و في القرب تحدث الرحمة ، و في القرب يحدث الحب ، و في القرب تحدث الإستجابة ، و في القرب تحدث السكينة ، و في القرب تحدث النورانية ؛ و لذلك فأولياء الله سبحانه و تعالى هم في القرب بأصل الكلمة “أَوْلِيَاءَ اللهِ” أي : أولئك المقرّبون إلى الله سبحانه و تعالى.

و بدون شك : إذا كان هناك قرب و بعد فإن الأمر يختلف ، فهناك مَنْ هو قريب ، و هناك مَنْ هو أقرب ، وةهناك مَنْ هو قريب ، و هناك مَنْ هو أقلّ قربًا من هذا القريب ؛ و لذلك القرب كله درجات ، و حاول أهل الله أن يقفوا عند تلك الآية ، و أن يتأملوا و أن يتدبروا الحال الكوني لأولئك العابدين المقربين إلى الله سبحانه و تعالى مِمَّنْ أخلصوا دينهم ،
و قد تكلم أهل الله على أن هؤلاء الأولياء على ثلاثة أنحاء :

الأول : أسموه بالعوام ؛ لأنهم كثر

و الثاني : أسموه بالخواص

و الثالث : أسموه بخواص الخواص.

و هذه الثلاثة في الحقيقة : هي إجمالية ، عندما أَلَّف “نجم الدين كبرى” كتبه عن الطريق ، قال -وهذا يأخذه من روزبهان البقليِّ ، و هو يتلقى عليه العلوم في مصر- فيقول :

عدد الطرائق -إلى الله- على أنفاس الخلائق.

يعني : و كأن كل واحدٍ منا له درجة عند الله سبحانه و تعالى ، لدرجة أن الطريق إلى الله عددها : عدد أنفاس الخلائق الموجودة العابدة لله سبحانه و تعالى.

و في هذا الطريق إلى الله تعالى منا مَنْ هو قريب ، و منا مَنْ هو في الوسط ، و منا مَنْ هو بعيد.

و في هذا القرب : منا مَنْ هو في العوام ، و منا مَنْ هو في الخواص ، و منا مَنْ هو في خواص الخواص.

هذه أمور إجمالية ، فعدد الطرائق على أنفاس الخلائق هذه : تُبَيِّن لك أن التفصيل و كأنه شخصي مع كل شخصٍ منا طريقٌ إلى الله سبحانه و تعالى ؛ إنما هناك مشارب و مناهج ، و طرق عامة ، تجعل الإنسان له طريقٌ معين إلى الله سبحانه و تعالى.

يقول : {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} و هنا نراه قد أطلق ، و إذا قَلَّت القيود زاد الموجود. {لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} في الدنيا ، أو في الآخرة؟ لم يذكر!! إذًا ، ففي الدنيا و الآخرة.

و كلما قَلَّت القيود كثر الموجود. ما دام لم يقيدها بالدنيا ، و لم يقيدها بالآخرة ، فهي تشمل الإثنين معًا ، فهي في الدنيا و الآخرة.

{أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} مطلقًا ، يعني : في جميع الأحوال ، مع جميع الأشخاص ، في كل الأزمان ، في الدنيا و الآخرة ، و في كل مكان ، أحياءً و أمواتًا.

{لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} كلمةٌ بليغة مطلقة ، تُنزل أولياء الله سبحانه و تعالى في مكانة عالية ، في الدنيا و في الآخرة.

بعض الناس ينكر هذا التقسيم الثلاثي الذي قاله أهل الله ، و يقولون :

كل المسلمين من أولياء الله ، و هذا لا مشاهد ، و لا هو واقع ، و لا هو صحيح.

أولياء الله هم الذين ساروا في طريق الله ، و طريق الله مقيدٌ أولًا بالكتاب وَ السُّنَّة ، و مقيدٌ ثانيًا بالذكر و الفكر.

فشخص بمجرد إسلامه ، أو هو مسلم و لا يقيم فروضه ، يكون وليًّا من أولياء الله!! هذا أمرٌ غير صحيح ، بل لابد من الذكر و الفكر ، على حد قوله تعالى : {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} أشخاص قلوبهم معلقةٌ بمواطن السجود ينتظرون الصلاة في قلوبهم بعد الصلاة ، «و رجلٌ قلبه معلقٌ بالمساجد». و “المساجد” جمع “مسجد” ، و هو مصدر ميمي يصلح للدلالة على الزمان و المكان و الحدث.

و لذلك فليست هذه المساجد بمعنى الجوامع ؛ و إنما هي بأوقات الصلاة و مواطن السجود ؛ حيث يتعلق قلب الإنسان أَلَّا يفوته لقاء الله سبحانه و تعالى.

{أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} إذًا ، فلا خوف في قلوبهم ، و لا في عقولهم ، و لا في أرواحهم ، و لا في أنفسهم ، و سبب ذلك : هو التوكّل ، فالتوكل عند أولياء الله الصالحين يؤدي بهم إلى التسليم ، و إلى الرضا ؛ و لذلك لا يخافون ، فهم يتوكلون على الله ، مِمَّنْ و ممّا يخافون؟!! وَ مَنْ هذا الذي يستطيع أن يُحَرِّك الخوف في قلوبهم؟!! هذا حالهم ، أما مقامهم : فهم لا يحزنون.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *