بعض من المحدثات المحمودة للامام أحمد بن حنبل

أَوَّلاً: اسْتِحْبَابُ جَمْع الْأَهْلِ لِلْدُّعَاءِ عِنْدَ خَتْمِ الْقُرْآن؟!…وَخَتْم الْقُرْآن لَيْلَة 27 مِنْ رَمَضَان فِي صَلاَةِ الْتَّرَاوِيح؟!…مَعَ اسْتِحْبَاب الاِتْيَانِ بِدُعَاءِ خَتْمِ الْقُرْآنِ دَاخِلَ صَلاَةِ الْتَّرَاوِيحِ بِكَيْفِيَّةٍ مُحْدَثَةٍ لَـمْ تَرِد فِي دَلِيلٍ خَاصٍّ؟!…

جَاءَ فِي مَسَائِلِ الْإِمَامِ أَحْمَد بْن حَنْبَل رِوَايَة أَبِي دَاود الْسِّجِسْتَانِي (ت:275هـ): ((رَأَيْتُ أَحْمَدَ يَسْجُدُ فِي ﴿ص﴾ خَلْفَ إِمَامِهِ فِي الْتَّرَاوِيحِ، وَفِي: ﴿إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ﴾ عِنْدَ: ﴿لاَ يَسْجُدُونَ﴾[الانْشِقَاق:21]، وَفِي: ﴿اقْرَأْ﴾، وَخَتَمَ بِهِ لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾ رَفَعَ الْإِمَامُ يَدَيْهِ فِي الصَّلَاةِ وَرَفَعَ الْنَّاسُ وَأَحْمَدُ مَعَنَا فَقَامَ سَاعَةً يَدْعُو ثُمَّ رَكَعَ، وَكَانَ ذَلِكَ عَنْ رَأْيِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، فِيمَا أُخْبَرْتُ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِذَلِكَ، وَشَهَدْتُّهُ يَأْمُرُهُ بِذَلِكَ، وَيُخَاوِضُهُ فِيهِ.
سَمِعْتُ أَحْمَدَ قِيلَ لَهُ: زَعَمَ الزُّبَيْرِيُّ أَنَّهُمْ إِذَا خَتَمُوا الْقُرْآنَ رَفَعُوا أَيْدِيَهُمْ وَدَعَوْا فِي الْصَّلَاةِ؟ فَقَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُهُمْ بِمَكَّةَ يَفْعَلُونَهُ وَسُفْيَانُ ابْنُ عُيَيْنَةَ يَوْمَئِذٍ حَيٌّ -يَعْنِي فِي قِيَامِ رَمَضَانَ-))(1)…

وَقَالَ عَبْدُ الله بْنُ الإِمَام أَحْمَد بْن حَنْبَل (ت:290هـ): ((سَأَلْتُ أَبِي عَنِ الْدُّعَاءِ عِنْدَ خَتْمِ الْقُرْآن قَائِمًا أَوْ قَاعِداً؟، فَقَالَ: يُقَالُ: إِنَّ أَنَسًا كَانَ يَجْمَعُ عِيَالَهُ عِنْدَ الْـخَتْمِ. قَالَ أَبِي: وَكَانَ الْـمعْتَمر بْن سُلَيْمَان إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْتِمَ اجْتَمَعَ إِلَيْهِ جَمَاعَة، أَرَاهُ قَالَ: يَدْعُو أَوْ يَدْعُونَ، يَعْنِي إِذَا خَتَمَ.
قُلْتُ لِأَبِي: يَدْعُو إِذَا قَرَأَ: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾[سُورَة الْنَّاس] أَوْ يَبْتَدِئ مِنْ الْبَقَرَةِ، فَقَالَ: إِذَا خَتَمَ الْقُرْآنَ دَعَا))(2)…

وَقَالَ فَقِيهُ الْحَنَابِلَة مُوَفَّق الْدِّين ابْن قُدَامَة الْـمَقْدِسِي: ((“فَصْلٌ: فِي خَتْمِ الْقُرْآنِ”: قَالَ الْفَضْلُ بْنُ زِيَادٍ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، فَقُلْتُ: أَخْتِمُ الْقُرْآنَ، أَجْعَلُهُ فِي الْوِتْرِ أَوْ فِي الْتَّرَاوِيحِ؟ قَالَ: اجْعَلْهُ فِي الْتَّرَاوِيحِ، حَتَّى يَكُونَ لَنَا دُعَاءً بَيْنَ اثْنَيْنِ. قُلْت كَيْفَ أَصْنَعُ؟ قَالَ: إذَا فَرَغْتَ مِنْ آخِرِ الْقُرْآنِ فَارْفَعْ يَدَيْكَ قَبْلَ أَنْ تَرْكَعَ، وَادْعُ بِنَا وَنَحْنُ فِي الْصَّلَاةِ، وَأَطِلْ الْقِيَامَ. قُلْتُ: بِمَ أَدْعُو؟ قَالَ: بِمَا شِئْتَ. قَالَ: فَفَعَلْت كَمَا أَمَرَنِي، وَهُوَ خَلْفِي يَدْعُو قَائِمًا، وَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَقَالَ حَنْبَلٌ: سَمِعْت أَحْمَدَ يَقُولُ فِي خَتْمِ الْقُرْآنِ: إذَا فَرَغْت مِنْ قِرَاءَةِ: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [سُورَة الْنَّاس] فَارْفَعْ يَدَيْكَ فِي الْدُّعَاءِ قَبْلَ الرُّكُوعِ. قُلْتُ: إلَى أَيِّ شَيْءٍ تَذْهَبُ فِي هَذَا؟ قَالَ: رَأَيْتُ أَهْلَ مَكَّةَ يَفْعَلُونَهُ، وَكَانَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ يَفْعَلُهُ مَعَهُمْ بِمَكَّةَ.
قَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ: وَكَذَلِكَ أَدْرَكْتُ الْنَّاسَ بِالْبَصْرَةِ وَبِمَكَّةَ. وَيَرْوِي أَهْلُ الْمَدِينَةِ فِي هَذَا شَيْئًا، وَذُكِرَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ))(3)…

ثَانِيًا: تَخْصِيصُ وَقْتٍ لِخَتْمِ الْقُرْآنِ فِي الْصَّيْف وآخَر فِي الْشِّتَاءِ؟!…

جَاءَ فِي مَسَائِلِ الْإِمَامِ أَحْمَد بْن حَنْبَل رِوَايَة أَبِي دَاود الْسِّجِسْتَانِي: ((“بَابُ: مَتَى يَخْتِمُ الْقُرْآنَ”. قُلْتُ لِأَحْمَدَ: قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: “إِذَا كَانَ الْشِّتَاءُ فَاخْتِمْ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ، وَإِذَا كَانَ الْصَّيْفُ فَاخْتِمْهُ فِي أَوَّلِ الْنَّهَارِ”، فَرَأَيْتُ كَأَنَّهُ: أَعْجَبَهُ”))(4)…

ثَالِثًا: تَخْصِيصُ دُعَاءٍ مُحْدَثٍ عِنْدَ الْشُّرُوع لِلْسَّفَر؟!…

جَاءَ فِي “مَنَاقِبِ الْإِمَامِ أَحْمَد بْن حَنْبَل لِلْحَافِظ ابْن الْجُوزِي: ((عَنِ الْقَاسِم بْن الْحُسَيْن الْوَرَّاق قَالَ: أَرَاد رَجُلٌ الْخُرُوجَ إِلَى طَرْسُوسٍ، فَقَالَ لِأَحْمَد: زَوِّدْنِي دَعْوَةً فَإِنِّي أُرِيدُ الْخُرُوج، فَقَالَ لَهُ: قُلْ: “يَا دَلِيلَ الْحَيَارَى، دُلَّنِي عَلَى طَرِيْقِ الْصَّادِقِيْنَ، وَاجْعَلْنِي مِنْ عِبَادِكَ الْصَّالِحِيْنَ”. قَالَ: فَخَرَجَ الْرَّجُل، فَأَصَابَتْهُ شِدَّة وَانْقَطَعَ عَنْ أَصْحَابِهِ، فَدَعَا بِهَذَا الْدُّعَاء فَلَحِقَ أَصْحَابَهُ، فَجَاءَ إِلىَ أَحْمَد فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ أَحْمَد: اُكْتُمْهَا عَلَيَّ))(5)…

وَفِي عَمَلِ الْإمَام أَحْمَد بْن حَنْبَل جُمْلَة مِنَ “الْبِدَعِ!” الْـمَحْظُورَةِ وفْق مَنظُور أَدْعِيَاءِ الْسَّلَفِيَّةِ:
(أ‌) تَخْصِيصُ دُعَاءٍ مُحْدَثٍ بِـمَوْطِنٍ “الْشُّرُوع لِلْسَّفَر” لَـمْ يَرِد فِي تَخْصِيصِهِ بِهَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ مِنْ دَلِيلٍ خَاصٍّ!: ((…فَإِنِّي أُرِيدُ الْخُرُوج، فَقَالَ لَهُ: قُلْ: “يَا دَلِيلَ الحَيَارَى…”))…
(ب‌) لاَ حَرَجَ فِي تَبْلِيغ هَذَا الْإِحْدَاث!: ((زَوِّدْنِي دَعْوَةً))…

رَابِعًا: لاَ بَأْسَ بِاجْتِمَاع الْنَّاس فِي الْـمَسَاجِد لِلْذِّكْرِ وَالْدُّعَاءِ عَشْيَّة يَوْمِ عَرَفَة؟!…

قَالَ فَقِيهُ الْحَنَابِلَة مُوَفَّق الْدِّين ابْن قُدَامَة الْـمَقْدِسِي: ((فَصْلٌ: قَالَ الْقَاضِي: وَلَا بَأْسَ بِالتَّعْرِيفِ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ بِالْأَمْصَارِ. وَقَالَ الْأَثْرَمُ: سَأَلْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ التَّعْرِيفِ فِي الْأَمْصَارِ، يَجْتَمِعُونَ فِي الْمَسَاجِدِ يَوْمَ عَرَفَةَ، قَالَ: أَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ، قَدْ فَعَلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ. وَرَوَى الْأَثْرَمُ، عَنْ الْحَسَنِ، قَالَ: أَوَّلُ مَنْ عَرَّفَ بِالْبَصْرَةِ ابْنُ عَبَّاسٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ. وَقَالَ أَحْمَدُ: أَوَّلُ مَنْ فَعَلَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ. وَقَالَ الْحَسَنُ، وَبَكْرٌ، وَمُحَمَّدُ بْنُ وَاسِعٍ: كَانُوا يَشْهَدُونَ الْمَسْجِدَ يَوْمَ عَرَفَةَ. قَالَ أَحْمَدُ: لَا بَأْسَ بِهِ، إنَّمَا هُوَ دُعَاءٌ وَذِكْرٌ لِلَّهِ. فَقِيلَ لَهُ: تَفْعَلُهُ أَنْتَ؟ قَالَ: أَمَّا أَنَا فَلَا. وَرُوِيَ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ حَضَرَ مَعَ الْنَّاسِ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ))(6)…

حَبْر الْأُمَّة الْصَّحَابِي سَيِّدنَا عَبْد الله بْن عَبَّاس رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا يَسْتَحْسِنُ إِحْدَاث كَيْفِيَّة -لاَ تُصَادِم الأُصُول- فِي الْتَّعَبُّدِ بِالْأَمْصَارِ وَيُوقِّتُ لَهَا بِعَشِيَّةِ عَرَفَة، مَعَ أَنَّ هَذَا الْتَّعَبُّد الْقَائِمِ عَلَى تَخْصِيصِ مِثْل هَذَا الاِجْتَمَاع بِهَذَا الْتَّوْقِيت لَـمْ يَرِد فِي دَلِيلٍ خَاصٍّ!. والإِمَام أَحْمَد بْن حَنْبَل لاَ يَجِدُ غَضَاَضَة فِي الْتِزَام هَذَا الْأَمْر؟!…

خَامِسًا: كِتَابَةُ الْتَّعَاوِيذ وَتَخْصِيصهَا بِكَيْفِيَّة لَـمْ تَرِد وَالْتَّبَرُّك بِذَلِكَ؟!…

قَالَ عَبْدُ الله بْنُ الإِمَام أَحْمَد بْن حَنْبَل (ت:290هـ): ((رَأَيْتُ أَبِي يكْتُبُ الْتَّعَوِيذَ لِلَّذِي يَفْزَعُ وَالْـحُمَّى لِأَهْلِهِ وَقَرَبَاتِهِ، وَيَكْتُبُ لِلْمَرْأَةِ إِذَا عَسُرَ عَلَيْهَا الْوِلاَدَة فِي جَامٍ أَوْ شَيْءٍ لَطِيفٍ، وَيَكْتُبُ حَدِيثَ ابْن عَبَّاسٍ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ عِنْدَ وُقُوعِ الْبلَاءِ، وَلَمْ أَرَهُ يَفْعَلُ هَذَا قَبْلَ وُقُوعِ الْبَلَاءِ، وَرَأَيْتُهُ يُعَوِّذُ فِي الْمَاءِ وَيُشْرِبْهُ الْمَرِيْضَ، وَيَصُبُّ عَلَى رَأْسِهِ مِنْهُ…وَرَأَيْتُهُ غَيْر مَرَّةٍ يَشْرَبُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ يَسْتَشفِي بِهِ وَيَمْسَحُ بِهِ يَدَيْهِ وَوَجهَهُ))(7)…

وَكُلُّ هَذَا لَـمْ يَرِد فِي دَلِيلٍ خَاصٍّ عَنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّـم…

سَادِسًا: قَالَ الْحَافِظُ الْذَّهَبِي: ((قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: كَانَ أَبِي يُصَلِّي فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ثَلاَثَ مَئَةِ رَكْعَةٍ. فَلَمَّا مَرِضَ مِن تِلْكَ الأَسْوَاطِ، أَضْعَفَتْهُ، فَكَانَ يُصَلِّي كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مَائَةً وَخَمْسِيْنَ رَكْعَةً))(8)…

وَهَذَا فِيهِ تَخْصِيص صَلاَة اللَّيْل بِعَدَدٍ لَـمْ يُخَصِّصهُ الْشَّارِع الْحَكِيم…

سَابِعًا: تَخْصِيص ذِكْرٍ بِإِقَامَةِ الْصَّلاَة مَعَ رَفْع الْأَيْدِي حِينَهَا لِلْدُّعَاءِ؟!…وَاسْتِحْبَاب الْدُّعَاء لِلْمُؤَذِّن فِي مَوْطِنٍ لَـمْ يَرِد بِهِ تَخْصِيصٌ؟!…

قَالَ الْحَسَنْ الْأَنْمَاطِي: ((رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّه إِذَا أُقِيمَتِ الْصَّلاَةُ رَفَعَ يَدَيْهِ وَقَدْ قَالَ الْـمُؤَذِّنُ: “لاَ إِلَه إِلاَّ اللَّه” فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: “لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ الْحَقُّ الْـمُبِينُ”))(9)…

وَقَالَ الْحَافِظُ ابْنُ رَجَب الْحَنْبَلِي: ((وَقَدْ نَقَلَ الْـمَرُّوذِيُّ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَد أَنَّهُ كَانَ: إِذَا أَخَذَ الْـمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ رَفَعَ يَدَيْهِ وَدَعَا))(10)…

وَقَالَ الْحَافِظُ ابْنُ رَجَب الْحَنْبَلِي أَيْضًا: ((وَاسْتَحَبَّ أَحْمَدُ لِلْمُؤَذِّنِ أَنْ يَبْسُطَ يَدَيْهِ وَيَدْعُو عِنْدَ قَوْلِهِ: “حَيَّ عَلَى الْصَّلاَةِ”، وَقَالَ: رَأَيْتُ يَزِيدَ بْن هَارُونَ يَفْعَلُهُ وَهُوَ: حَسَنٌ. يَعْنِي لِـمَا وَرَدَ مِنْ اسْتِحْبَابِهِ الْدُّعَاءَ عِنْدَ الْأَذَان، وَفِيهِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مَرْفُوعَةٌ وَمَوْقُوفَةٌ))(11)…

وَهَذَا تَخْصِيصٌ لَـمْ يَرِد فِي دَلِيلٍ خَاصٍّ…

ثَامِنًا: تَحْدِيدُ صُورَةٍ مُحْدَثَةٍ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآن عَلَى الْأَمْوَاتِ؟!…

قَالَ الْمَرُّوذِيُّ: ((سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُولُ: “إذَا دَخَلْتُمْ الْمَقَابِرَ فَاقْرَءُوا آيَةَ الْكُرْسِيِّ وَثَلَاثَ مَرَّاتٍ ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ [سُورَةُ الْإِخْلاَص] ثُمَّ قُولُوا: اللَّهُمَّ إنَّ فَضْلَهُ [يَعْنِي ثَوَابَهُ] لِأَهْلِ الْمَقَابِرِ”))(12)…

وَقَالَ الْمَرُّوذِيُّ أَيْضًا: ((سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُولُ: “إذَا دَخَلْتُمْ الْمَقَابِرَ فَاقْرَءُوا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَالْـمُعَوِّذَتَيْنِ وَ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ [سُورَةُ الْإِخْلاَص]، وَاجْعَلُوا ثَوَابَ ذَلِكَ لِأَهْلِ الْـمَقَابِرِ فَإِنَّهُ يَصِلُ إِلَيْهِمْ))(13)…

وَكُلُّ هَذَا تَخْصِيصٌ بِكَيْفِيَّةٍ وَتَحْدِيدُ عَدَدٍ بِلاَ دَلِيلٍ خَاصٍّ…

تَاسِعًا:…الخ؟!

وخِتَامًا، فَمَنْهَج الْإِمَام أَحْمَد وَاضِحٌ فِي أَنَّهُ لاَ يَعْتَبِرُ كُلّ مُحْدَثٍ بِدْعَة ضَلاَلَة؟!…فَالْبِدْعَة مَا عَارَضَ الْأُصُول لاَ مَا لَـمْ تُعْهَد صُورَتهُ فِي الْعَصْر الْنَّبَوِي….

قَالَ حَافِظُ الْدُّنِيَا ابْن حَجَر الْعَسْقَلاَنِي: ((وَالْبِدْعَةُ أَصْلُهَا مَا أُحْدِثَ عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ سَابِقٍ، وَتُطْلَقُ فِي الشَّرْعِ فِي مُقَابِلِ السُّنَّةِ فَتَكُونُ: مَذْمُومَةً، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهَا إِنْ كَانَتْ مِمَّا تَنْدَرِجُ تَحْتَ مُسْتَحْسِنٍ فِي الشَّرْعِ فَهِيَ: حَسَنَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا تَنْدَرِجُ تَحْتَ مُسْتَقْبَحٍ فِي الشَّرْعِ فَهِيَ: مُسْتَقْبَحَةٌ، وَإِلَّا فَهِيَ مِنْ قِسْمِ الْمُبَاحِ، وَقَدْ تَنْقَسِمُ إِلَى الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ))(14)…

وَاللهُ الْـمُوَفِّق…
_____________
(1) مَسَائِلُ الْإِمَامِ أَحْمَد رِوَايَة أَبِي دَاوُد سُلَيْمَان بْن الْأَشْعَث الْسِّجِسْتَانِي (ص:29-93) رَقْم: (450-451)، تَحْقِيق: أَبِي مُعَاذ طَارِق بْن عَوَض الله بْن مُحَمَّد، الْنَّاشِر: مَكْتَبَةُ ابْن تَيْمِيَّة، الْطَّبْعَة الْأُوْلَى: 1420هـ-1999م.
(2) كِتَابُ مَسَائِل الْإِمَام أَحْمَد بْن حَنْبَل “ت:241هـ” رِوَايَة ابْنه: عَبْد الله “ت:290هـ” (2/299-300) رَقْم: (423-424-425)، تَحْقِيق وَدِرَاسَة: الْدُّكْتُور عَلِي سُلَيْمَان الْـمهنا، تَوْزِيع: مَكْتَبَة الْدَّار بِالْمَدِينَةِ الْـمُنَوَّرَةِ، الْطَّبْعَة الْأُوْلَى: 1406هـ-1986م.
(3) الْـمُغْنِي لاِبْن قُدَامَة الـحَنْبَلِي (3/608)، دَار عَالَم الكُتُب: الْرِّيَاض، الْطَّبْعَةُ الْثَّالِثَة: 1417هـ-1997م.
(4) مَسَائِلُ الْإِمَامِ أَحْمَد رِوَايَة أَبِي دَاوُد سُلَيْمَان بْن الْأَشْعَث الْسِّجِسْتَانِي (ص:93) بِرَقْم: (455)، تَحْقِيق: أَبِي مُعَاذ طَارِق بْن عَوَض الله بْن مُحَمَّد، الْنَّاشِر: مَكْتَبَةُ ابْن تَيْمِيَّة، الْطَّبْعَة الْأُوْلَى: 1420هـ-1999م.
(5) مَنَاقِب الإِمَام أَحْمَد بْن حَنْبَل لِلْحَافِظ ابْن الْجُوزِي (ص:395-396)، دَار هجْر، الطَّبْعَة الثَّانيَة: 1409هـ.
(6) الْـمُغْنِي لاِبْن قُدَامَة الـحَنْبَلِي (3/295)، دَار عَالَم الكُتُب: الْرِّيَاض، الْطَّبْعَةُ الْثَّالِثَة: 1417هـ-1997م.
(7) كِتَابُ مَسَائِل الْإِمَام أَحْمَد بْن حَنْبَل “ت:241هـ” رِوَايَة ابْنه: عَبْد الله “ت:290هـ” (3/1345-1347)، تَحْقِيق وَدِرَاسَة: الْدُّكْتُور عَلِي سُلَيْمَان الْـمهنا، تَوْزِيع: مَكْتَبَة الْدَّار بِالْمَدِينَةِ الْـمُنَوَّرَةِ، الْطَّبْعَة الْأُوْلَى: 1406هـ-1986م.
(8) سِيَرُ أَعْلاَمِ الْنُّبَلاَءِ لِلْحَافِظ الْذَّهَبِي (11/212)، أَشْرَفَ عَلَى تَحْقِيقِ الْكِتَابِ وَخَرَّجَ أَحَادِيثَهُ: شُعَيْب الْأَرْنَؤُوط، مُؤَسَّسَةُ الْرِّسَالَة، الْطَّبْعَة الْأُوْلَى: 1402هـ-1982م.
(9) طَبَقَاتُ الْحَنَابِلَةِ لِلْقَاضِي أَبِي يَعْلَى الْحَنْبَلِي (1/371)، حَقَّقَهُ وَقَدَّمَ لَهُ وَعَلَّقَ عَلَيْهِ: الْدُّكْتُور عَبْد الْرَّحْمَن الْعُثَيْمِين، الْأَمَانَة الْعَامَّة لِلاِحْتِفَالِ بِمُرُورِ مَائَة عَامٍ عَلَى تَأْسِيسِ الْـمَمْلَكَة الْسُّعُودِيَّة، طَبْعَة: 1419هـ-1999م.
(10) فَتْحُ الْبَارِي شَرْح صَحِيحِ الْبُخَارِي لِلْحَافِظ ابْنِ رَجَب الْحَنْبَلِي (5/259)، الْنَّاشِر: مَكْتَبَةُ الْغُرَبَاءِ الْأَثَرِيَّة – الْـمَدِينَة الْـمُنَوَّرَة، الْطَّبْعَةُ الْأُوْلَى: 1417هـ-1996م.
(11) فَتْحُ الْبَارِي شَرْح صَحِيحِ الْبُخَارِي لِلْحَافِظ ابْنِ رَجَب الْحَنْبَلِي (5/258)، الْنَّاشِر: مَكْتَبَةُ الْغُرَبَاءِ الْأَثَرِيَّة – الْـمَدِينَة الْـمُنَوَّرَة، الْطَّبْعَةُ الْأُوْلَى: 1417هـ-1996م.
(12) طَبَقَاتُ الْحَنَابِلَةِ لِلْقَاضِي أَبِي يَعْلَى الْحَنْبَلِي (2/224)، حَقَّقَهُ وَقَدَّمَ لَهُ وَعَلَّقَ عَلَيْهِ: الْدُّكْتُور عَبْد الْرَّحْمَن الْعُثَيْمِين، الْأَمَانَة الْعَامَّة لِلاِحْتِفَالِ بِمُرُورِ مَائَة عَامٍ عَلَى تَأْسِيسِ الْـمَمْلَكَة الْسُّعُودِيَّة، طَبْعَة: 1419هـ-1999م.
(13) الْـمَصْدَر الْسَّابِق: طَبَقَاتُ الْحَنَابِلَةِ لِلْقَاضِي أَبِي يَعْلَى الْحَنْبَلِي (2/224).
(14) فَتْح البَارِي شَرْح صَحِيح الْبُخَارِي لِحَافِظ الدُّنْيَا ابْن حَجَر العَسْقَلاَنِي (4/253)، الْـمَكْتَبَةُ الْسَّلَفِيَّة.

  • mostafa khater

    Related Posts

    إحتمينا برسول الله

    أ/ أيمن الصاوى يقول الصحابة رضوان الله عليهم كنا إذا إشتد الوطيس إحتمينا برسول الله ﷺ وكان ﷺ إذا إشتد البلاء علي أمته كيوم حنين وقف بجلال قدره علي الأرض…

    أقوال العلماء في التبرك بالاولياء والصالحين

    بقلم الأستاذ : مصطفى المُكن هذا حوار يجب أن نفهم منه ما معني التبرك والوسيله بالأدلة من قول أئمة العلماء ولا ينكر هذا الكلام إلا قلب خالي من الايمان والنور…

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    You Missed

    الإسلام والعلمانيين وإنصاف الإسلام للمرأة

    الإسلام والعلمانيين وإنصاف الإسلام للمرأة

    الدكتورة تيريزا كانت تحاول تنصير زميلها المسلم فنطقت هي الشهادة وأعلنت إسلامها

    الدكتورة تيريزا كانت تحاول تنصير زميلها المسلم فنطقت هي الشهادة وأعلنت إسلامها

    الشيخ محمد الغزالى لايخاف فى الله لومة لائم

    الشيخ محمد الغزالى لايخاف فى الله لومة لائم

    رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم أبو عبيدة بن الجراح رضى الله عنه

    رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم أبو عبيدة بن الجراح رضى الله عنه

    كرامة الشيخ الدردير رضى الله عنه مع الوالى العثمانى الظالم

    كرامة الشيخ الدردير رضى الله عنه مع الوالى العثمانى الظالم

    على منهاج النبوة قطوف من سيرة أبو بكر الصديق رضى الله عنه

    على منهاج النبوة قطوف من سيرة أبو بكر الصديق رضى الله عنه