المقال السادس : من سلسلة (الدين والسياسة السماء الصافية والبحر العميق )
بقلم الدكتور حاتم عبد المنعم أستاذ علم الاجتماع البيئى بجامعة عين شمس
فترة الخلافة إلى بداية الدولة الأموية الفتنة الكبرى
نستطيع القول إن الحياة السياسية الإسلامية مرت في دعةٍ وأمن وسلام طوال فترة خليفتي الرسول صلى الله عليه وسلم – أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب-رضي الله عنهما، حتى آل الأمر إلى عثمان بن عفانٍ رضي الله عنه، وهنا بدأت الأمور تتزعزع قليلًا. لقد اشرأبت رأس الفتنة بين المؤمنين، مدفوعة بغلمان اليهود الذين ادعوا الإسلام كذبًا وزورًا، وطَالَب صاحبُ البصيرة والفطنة والفراسة عمر بن الخطاب بإخراجهم من المدينة، فأبى أهلها لما يجيده أولئك الفتيان من تقديم الخدمات لأصحابهم، وكان من أولئك الفتيان أبو لؤلؤة المجوسي قاتل عمر، وحمران بن أبان صاحب اليد الأولى في مقتل عثمان بن عفان. أخذت الخطط الظلامية تحاك في ليلٍ دامس، وقودها أطماعٌ شخصيةٌ مرةً ودينيةٌ مرات، كما حدث مع أبي ذرٍ الغفاري رضي الله عنه وأرضاه، الذي لم يرضَ لحظة عن أفعال رحال السياسة في عهد عثمان رضي الله عنه، فسار بينهم يحذرهم من عذاب الله ووعيد الله، فمات منفيًا رضي الله عنه. زاد على ما مضى ظلم وجور وقع على رؤوس العباد، وخلافات بين رجال الدين ورجال السياسة، فبدأ خط المعركة بين الأحقين بالولاية من ناحية القرابة، أو الزعامة، أو من كان لهم من مكانة سياسية فيما مضى، وبين من كفروا الخليفة لتوليته أقاربه ممن لم يتحقق إسلامهم، بل منهم من ارتد عقد انتقال النبي صلى الله عليه وسلم، ورأوا أنه لا يحق له أن يظل على رأس الدولة الإسلامية، فطالت أعناقهم وجُرِّدت سيوفهم وسط خلافات إسلامية ضاربة بين الجميع، فكانت الفتنة الكبرى الأولى في تاريخ الأمة الإسلامية التي أنتجت ما أنتجت فيما لحق من فرق وشيعٍ وخلافات وصراعات وحروبٍ وكوارث ما تزال تعاني الأمة الإسلامية من نتائجها إلى يومنا الحالي.
قُتِل عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه، وتولى الخلافة علي بن أبي طالب كرَّم الله وجهه، فوجد أمامه المطالبين بدم عثمان، وكانوا على فريقين:
1- فريق تقوده أم المؤمنين عائشة، والزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله.
2- فريق يقوده معاوية بن أبي سفيان، وكان يعتبر نفسه ولي دم عثمان.
كان الإمام علي يرى تأجيل القصاص، والفريقين يريان التعجيل، واضطربت بين الجميع النار، وأثار أهل الفتنة ، فوقعت معركة الجمل.
امتنع معاوية بن أبي سفيان وأهل الشام عن مبايعة الإمام علي بن أبي طالبٍ بالخلافة حتى يقتص لدم عثمان بن عفان، فأرسل الإمام علي إلى معاوية جرير بن عبدالله يدعوه للمبايعة، فخرج معاوية على رأس جيشه متوجها إلى الكوفة دار خلافة الإمام علي.
وخرج إليه علي بن أبي طالب بجيشه، والتقى الفريقان، ووقعت معركة صفين، وراح ضحيتها جمع من الصحابة الكرام، منهم عمار بن ياسر الذي قتله جيش معاوية، ولما كاد معاوية أن يُهزم في المعركة، رفع جيشه المصاحف، وطلب التحكيم. قتل في هذه المعركة من الطرفين من جيوش المسلمين قرابة 70 ألفًا، في معركة دارت بين المسلمين.
وقع التحكيم بين علي كرم الله وجهه ومعاوية بن أبي سفيان، وعاد كل جيش إلى موقعه، إلا أن قرابة 12 ألفا من جيش علي، ممن طالبوه بقبول التحكيم، رفضوا التحكيم، وخرجوا عليه، وهنا كانت بداية نشأة فرقة الخوارج.
دخل الخوارج في معركة عسكرية مع الإمام علي بن أبي طالب عام 38 للهجرة فهزمهم وقتل منهم جمع كبير، وولوا مهزومين، إلا أنهم قرروا الانتقام، فقاموا بخطة لاغتيال الإمام علي، ومعاوية، وعمرو بن العاص، فنجحوا في اغتيال الإمام علي بن أبي طالب كرَّم الله وجهه عام 40 للهجرة.
تولى الخلافة بعد الإمام علي كرم الله وجهه، الإمام الحسن بن علي رضي الله عليه وأرضاه، لكنه ما لبث أن تنازل عنها لمعاوية بن أبي سفيان، لما رأى طلب معاوية للأمر وحرصه عليه، واستعداده لإراقة المزيد من الدماء من أجله، قرر الإمام الحسن التنازل عن الخلافة لمعاوية ولكن بشروط، وكانت تلك الشروط كما يأتي:
هَذَا مَا صَالح عَلَيْهِ الْحسن بن عَليّ رَضِي الله عَنْهُمَا مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان صَالحه على:
1- أَن يسلم إِلَيْهِ ولَايَة الْمُسلمين على أَن يعْمل فيهم بِكِتَاب الله تَعَالَى وَسنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وسيرة الْخُلَفَاء الرَّاشِدين المهديين.
2- لَيْسَ لمعاوية بن أبي سُفْيَان أَن يعْهَد إِلَى أحد من بعده عهدا بل يكون الْأَمر من بعده شُورَى بَين الْمُسلمين.
3- أَن النَّاس آمنون حَيْثُ كَانُوا من أَرض الله تَعَالَى فِي شامهم وعراقهم وحجازهم ويمنهم.
4- أَن أَصْحَاب عَليّ وشيعته آمنون على أنفسهم وَأَمْوَالهمْ وَنِسَائِهِمْ وَأَوْلَادهمْ حَيْثُ كَانُوا. 5- عَلى مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان بذلك عهد الله وميثاقه وَأَن لَا يَبْتَغِي لِلْحسنِ بن عَليّ وَلَا لِأَخِيهِ الْحُسَيْن وَلَا لأحد من أهل بَيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غائلة سرا وَلَا جَهرا وَلَا يخيف أحدا مِنْهُم فِي أفق من الْآفَاق.
أشهد عَلَيْهِ فلَان وَفُلَان بن فلَان وَكفى بِاللَّه شَهِيدًا.
التعليق: 1- لم يكن لكبار الصحابة المتفقهين رأي واحد يتفقون عليه حيال ما حدث من أحداث، فخلال الأحداث التي حدثت طوال هذه الفترة الزمنية، نجد في كل صفين مختلفين فريقين من أكابر الصحابة الفقهاء، الذين بلغت درجتهم في العلم الديني ما يفوق درجة غيرهم بمراحل، بل لجأ كل منهم إلى رأيٍ يراه صوابًا من الناحية الدينية.
2- كانت هذه المرحلة-بداية من حكم عثمان بن عفانٍ رضي الله عنه-مرحلة اشتعال فتيل الأزمات، وتشتت الأمة وتشرذمها إلى فرق وطوائف، بدافع الولاة من غير أهل الديانة والحكمة والرزانة والسياسة، وإنما كانوا ولاةً من ذوي القربى، وبعضهم ممن لم يحسن إسلامه.
3- كان من دوافع الفتن، وجود فريق من اليهود الذين تلبسوا في زي الإسلام، وادعوا اعتناق الإسلام كذبًا وزورًا، ووصولهم إلى أعلى المناصب في الدولة، وقربهم من الخلفاء، كما حدث في أمر حمران بن أبان الذي بلغ عند عثمان مبلغا لم يبلغه كثير من كبار الصحابة، رغم إنه اقترف من الآثام والجرائم ما عاقبه عليها عثمان، إلا أنه أبقاه في قربه بعد جلده ونفيه وتغريمه، أنزله في بيته وجعله من القريبين منه والواصلين إلى خاتمه والناقلين له عن ولاته ورعيته، وقد كان عمر رضي الله عنه وأرضاه طالب بإخراج هؤلاء الفتية من اليهود الذين أظهروا الإسلام من المدينة، لأنهم لن يتركوا الإسلام في سلامٍ أبدا، فصدقت نبوءة عمر، إذ كان استشهاده على يد أحدهم، وهو أبو لؤلؤة المجوسي.
4- كان من أسباب الشقاق في أمة المسلمين، مخالفة معاوية بن أبي سفيان لبنود الصلح التي تمت بينه وبين الحسين بن علي رضي الله عنه وأرضاه، على رأس ذلك أن عهد بالملكِ من بعده لابنه يزيد، وتقديمه على أفاضل الصحابة مثل الحسين بن علي رضي الله عنه وغيره، وهو الأمر الذي جرَّ الويلات على الأمة الإسلامية، وهذا ما نناقشه في المبحث التالي بإذن الله.