بقلم الأستاذة : رانيا محمد
الإنسان هو بدعة الخالق سبحانه وتعالى وهو محط نعمه وهباته وإصطفاءه من مخلوقاته العظيمة فقد ميزه خالقه وحباه بنعم لا تعد ولا تحصى فكمله فى هيئته وترتيبه وبنيانه فقال جل فى علاه { لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ }
فقومه وأعده لتلقى وتحمل الأمانة التى إختار حملها {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا }
ولما كان حمل الأمانة ليس بالأمر الهين وحتى لايفشل الإنسان في مهمته ويقع فى براثن الظلم والجهل قد أعطاه ربه عوامل عديدة لتسهل عليه هذه المهمة الصعبة فقد ميزه بقلب تواق إلى كل ماهو جميل وحباه بالعقل الذى لو أحسن إستخدامه لهداه إلى الحقيقة وإلى معالي الأمور وأرقاها وأحسنها وحتى لا يقع الإنسان في ضواحل الأموروسفاسفها فيتوجب عليه أن يحسن إستخدام عقله وأن يتعلم كيف يفكر ليحكم على كل ما يطرأ عليه من الأمور .
فكلما ابتعد الإنسان عن فكرة تقديس من هم دون الله، وتوقف عن الدفاع الأعمى عن من هم دون الانبياء، كان ذو حظ وافر وعلى إستعداد تام للنمو والمعرفة.
فصاحب العقل الفطن يحترم العلم ولكن لا يجعله محل عواطفه، اي لا يأخذ منه ما يؤيد هوى نفسه ويعرض عن ما هو ضد اهوائه بل على العكس تماماً يستطيع بالتفكير النقدي أن يأخذ من المادة العلمية المطروحة النافع منها ويلقي الضوء عليه، ويلقي ما لا يصلح منه لذلك يقول الله تعالى :
{… فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ }
اذاً فكيف للإنسان أن يعلم أحسنه؟ أو كيف يفرق بين الصحيح وبين ما يوافق هواه إن لم يكن عنده فكر نقدي ؟!
إذ يعتمد التفكير النقدي على عدم التحيز وتبنى فكرة ما إلا بعد أن يقفف على المعلومة ويقوم بتحليلها بمنطق سليم دون أي إعتبارات شخصية.
فقد كانت الأمم السابقة ترفض العلم الإلهي بسبب تلك المعايير الشخصية، يجيبون على الرسل بقول بور وهو (هذا ما وجدنا عليه آبائنا هذا دين الأولين).
فكانت عقولهم في سبات طويل، فلو أعملوا عقولهم وتحروا عن الحقيقة لوجدوها أمامهم ظاهرة جلية لا حجاب عليها ولكانوا من المؤمنين .
وقد وصفهم الله تعالى ومن على شاكلتهم في ضحالة عقولهم وترديها بقوله { أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها }
ولنا فى سيدنا إبراهيم عليه السلام خير دليل فقد كان فرداً واحدا وقد وصفه الله بأنه “امة”.
لأنه لم يخضع لحكم العادة من اعتياد عبادة قومه الأصنام بل تفكر في خلق السموات والأرض. فتفكيره النقدي أوصله إلى أن هناك إله واحد أعظم من هذا الكون الواسع وهذا الإله هو خالق كل شيء قال تعالى: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيۡهِ ٱلَّيۡلُ رَءَا كَوۡكَبٗاۖ قَالَ هَٰذَا رَبِّيۖ فَلَمَّآ أَفَلَ قَالَ لَآ أُحِبُّ ٱلۡأٓفِلِينَ * فَلَمَّا رَءَا ٱلۡقَمَرَ بَازِغٗا قَالَ هَٰذَا رَبِّيۖ فَلَمَّآ أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمۡ يَهۡدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلضَّآلِّينَ * فَلَمَّا رَءَا ٱلشَّمۡسَ بَازِغَةٗ قَالَ هَٰذَا رَبِّي هَٰذَآ أَكۡبَرُۖ فَلَمَّآ أَفَلَتۡ قَالَ يَٰقَوۡمِ إِنِّي بَرِيٓءٞ مِّمَّا تُشۡرِكُونَ }
وقد كان كبارعلماءالمسلمين يتخذون هذا المسلك الفكري قى إستنباطهم للأمور وقد ظهر هذا جلياً في مؤلفاتهم مثل الامام ابو حامد الغزالي في كتابه تهافت الفلاسفة وكتاب الشكوك على بطليموس لابن الهيثم، الشكوك على جالينوس للرازي.. وغيرهم من العلماء الكبار الذين لم يأخذوا العلوم مسلمة بها بل أخذوها موضع دراسة وبحث لا نقل.
يقول الحسن بن الهيثم: (والواجب على الناظر في كتب العلوم ، إذا كان غرضه معرفة الحقائق ، أن يجعل نفسه خصما لكل ما ينظر فيه ، ويجيل فكره في متنه وفي جميع حواشيه ويخصمه من جميع جهاته ونواحيه ، و يتهم أيضا نفسه عند خصامه فلا يتحامل عليه ولا يتسمح فيه ).
لذا إن كنت طالباً للعلم أو باحثاً عن الحقيقة ابتعد كل البعد عن تقديس الاسماء فلا يغرنك شهرة فلان الواسعة أو كثرة طلاب فلان، عليك أن تحترم عقلك وأن تؤدي شكر نعمة الله عليك إذ ميزك بالعقل و امرك بالتفكر والتدبر بأن تكون متعلماً لا ناقلاً دون دراسة وتحقيق.
يقول الإمام علي بن ابي طالب رضي الله عنه {تَعَلَّم دينَك، لا تَرِثهُ}