إعداد الأستاذ : محمد عويس
إنّ حُسْن الخُلقِ من أجمل الصفات التى تحلى بها النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقد كان أكمل النّاس خُلُقاً وخَلْقاً إذ بُعِث متمِّماً للأخلاق الحسنة، والمكارم الفاضلة، وما أعظمَ حُسن الخلق فبه ترتفع منزلة العبد عند ربّه تعالى ويورثُه محبّته وجلاله، ولنا أن نتخيّل قدر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بأخلاقِه التي ضربَ بها أروع وأنقى العبر والأمثال مع البشريّة جمعاء من البعيد والقريب، والعدوّ والحبيب، ومع أصدقائه وحتّى مع ألدّ أعدائِه.
وقد كان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم الأسوة الحسنة التي ينبغي على المؤمنين جميعاً أن يتأسّوا ويقتدوا بها، فباتّباعه صلّى الله عليه وسلّم والتخلّق بأخلاقه الكريمة يرتقي المرء عند الله تعالى فيجازِيه بحُسن خلقِه الرضوان، ويفوزَ بالجِنان
كان الرسول صلى الله عليه وسلم بخلقه العظيم وحلمه الرفيع يقابل أذى الكفار والمشركين واليهود بالصفح والعفو كما أدبه ربه وأمره. قال تعالى ﴿فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾[ الزخرف: 89]، فكان لا يقابل السيئة بالسيئة ولكنه يعفو ويصفح، كما قالت عائشة رضي الله عنها
تحدث القرآن الكريم عن أخلاق الرسول محمد صلى الله عليه وسلم العليا، وصفاته الحسنة، وسلوكه القويم، وفي ذلك دعوة إلى اتخاذه قدوة وأسوة. فالله تعالى أمر باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم في شريعته كما أوجب الاقتداء به في أخلاقه وسلوكه. قال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ اُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ [الأحزاب: 21].
وهذا قول عائشة رضي الله عنها لما سئلت عن خلق النبي ﷺ قالت: كان خلقه القرآن والله يقول جل وعلا: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4] كان خلقه ﷺ العمل بما دل عليه القرآن، والاجتهاد فيما دل عليه القرآن، ودعا إليه من فعل الأوامر وترك النواهي، والإكثار من ذكر الله واستغفاره والتوبة إليه، هذا هو خلقه ﷺ؛ لأن القرآن يدعو إلى هذا يدعو إلى فعل ما أمر الله وإلى ترك ما نهى الله، وإلى كثرة الذكر والاستغفار والتوبة والاعتبار بالماضين .
فهكذا كان ﷺ يكثر من ذكر الله ومن الاستغفار، ويأتي الأوامر ويدع النواهي ويعتبر بقصص الماضين الذين قال فيهم جل وعلا: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ [يوسف:3]
لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ [يوسف: 111]
هكذا ينبغي للمؤمن أن يعتني بالقرآن ويعمل بمقتضاه ويكون خلقه القرآن كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [ص:29]
ويقول جل علا: وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الأنعام:155].
فالمؤمن يجب أن يكون خلقه القرآن في فعل الأوامر وترك النواهي والعناية بما فيه من ذكر الله التوبة إليه والاستغفار والاعتبار بقصص الماضين والاتعاظ بما أصابهم.
وفي معاملته صلى الله عليه وسلم لأصحابه من حسن الخُلق ما لا يخفي ، ومن ذلك أنه كان يقضي حوائجهم ، ويتواضع معهم ، ويجيب دعوتهم ، ويزور مرضاهم ، ويشهد جنائزهم ، ويدعو لهم ولأبنائهم ، ويشفق عليهم ، ويشعر بآلامهم
كانت محبّة النبيّ صلى الله عليه وسلم لأصحابه عظيمة، فالأحاديث النبويّة تبيّن لطفه معهم، وتلك البشاشة التي كانت تملأ وجهه نوراً وسروراً وهو يسأل عن حالهم ويُطيّب خاطرهم؛ وفيما يأتي ذكرٌ لبعض هذه الأحاديث التي تصوّر عِظم أخلاق النبيّ -عليه الصلاة والسلام- في تعامله مع من حوله من الصحابة:
قال أبو هريرة رضي الله عنه “كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَجْلِسُ بينَ ظهرَيْ أصحابِه، فيجيءُ الغريبُ، فلا يدري أيُّهم هو، حتى يسألَ “
قال عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه: “أنَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ يُكْثرُ الذِّكرَ، ويُقلُّ اللَّغوَ، ويطيلُ الصَّلاةَ، ويقصِّرُ الخطبةَ، ولا يأنَفُ أن يمشيَ معَ الأرمَلةِ والمسكينِ، فيَقضيَ لَه الحاجه “
ومن أخلاقيات الرسول عليه الصلاة والسلام الرائعة مع فعله مع قريش بعد الفتح ، بعد أعوام من الإيذاء والقتل والإهانة، ، ظن البعض أن يوم فتح مكة هو يوم القصاص ، وإراقة الدماء ، حتى قال قائلهم :” اليوم يوم الملحمة “ فرد على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلا :” لا بل اليوم يوم المرحمة “ ثم خاطب قريشا قائلا :
” يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم؟ “ قالوا: خيراً أخ كريم وابن أخ كريم قال: “اذهبوا فأنتم الطلقاء “
فعفا عنهم بعد أن أمكنه الله تعالى منهم، فضرب بذلك المثل في تعامله – صلى الله عليه وسلم – في العفو والصفح على الجناة بعد القدرة عليهم والتمكن منهم. ممتثلا في ذلك كله بقول الله تعالى :” خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ “
وتتجلى معاني الإنسانية مع أعدائه في أروع صورها عندما اعتدى عليه أهل الطائف وأغروا به سفاءهم ، فآذوه وأدموه ، و وأتى جبريل برسالة من الله جلّ ذكره، وقال: إن الله أمرني أن أطيعك في قومك لما صنعوه معك فقال عليه الصلاة والسلام “اللهمّ اهد قومي فإنهم لا يعلمون “ فقال جبريل: صدق من سمّاك الرؤوف الرحيم “
ومن أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم
كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خُلقاً وأكرمهم وأتقاهم ، عن أنس رضي الله عنه قال” كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقًا” – الحديث رواه الشيخان وأبو داود والترمذي.
وعن صفية بنت حيي رضي الله عنها قالت “ما رأيت أحسن خلقًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم” – رواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن.
عن عطاء رضي الله عنه قال: قلت لعبد الله بن عمرو أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة، قال: أجل والله إنه لموصوف في التوراة بصفته في القرآن “يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وحرزًا للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، لا فظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ولا يدفع بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء، بأن يقولوا لا إله إلا الله، ويفتح بها أعينًا عميًا وآذانًا صمًا وقلوبًا غلفًا – رواه البخاري
أما حسن الخلق مع الناس فقد سبق أنه : كف الأذى والصبر على الأذى، وطلاقة الوجه وغيره.
على الرغم من حُسن خلقه حيث كان يدعو الله بأن يحسّن أخلاقه ويتعوذ من سوء الأخلاق عليه الصلاة والسلام .
عن عائشة رضي الله عنها قالت “كان صلى الله عليه وسلم يقول اللهم كما أحسنت خلقي فأحسن خلقي” – رواه أحمد ورواته ثقات.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال كان صلى الله عليه وسلم يدعو فيقول “اللهم إني أعوذ بك من الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق” – رواه أبو داود والنسائي