استحباب السفر لزيارة قبر النبى صلى الله عليه وسلم

الدليل على مشروعية السفر لزيارة قبر النبى من الكتاب والسنة :

قال تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُـمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً) ([1])

 وإن المجئ إليه صلى الله عليه وسلم وسلم معناه الحضور أو الزيارة سواء أكانت الزيارة الطلب الاستغفار أو التسليم فى حياته أو بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى فقد فهم العلماء من الآية العموم لحالتى الموت والحياة واستحبوا لمن أتى روضة النبى أن يتلوها .

وقد قالصلى الله عليه وسلم: ” من زار قبرى حلت له شفاعتى ” ([2]) , ” من جاءنى زائراً لا تحمله حاجة إلى زيارتى كان حقا على أن أكون له شفيعا يوم القيامة ” ([3]) , “من زار قبرى بعد موتى فكأنما زارنى فى حياتى ومن لم يزرنى فقد جفانى([4]) ” وقال أيضا : ” من زار قبرى بعد موتى فكأنما زارنى فى حياتى ” ([5])

وهناك الكثير من الأحاديث الأخرى التى تدل على الزيارة والتى لا حاجة لنا إلى ذكرها وقد احتج البعض بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: ” لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجد الرسول والمسجد الأقصى” وقد فهم البعض من هذا الحديث منع شد الرحال للسفر إلى زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم أو قبور الصالحين وهذا مفهوم خاطئ للحديث

وقد قال صلى الله عليه وسلم : ” أنا خاتم الأنبياء ومسجدى خاتم مساجد الأنبياء أحق المساجد أن يزار وتشد إليه الرواحل المسجد الحرام ومسجدى صلاة فى مسجدى أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام ([6])”.

وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة يذهبون كل سبت إلى مسجد قباء للصلاة فيه ركبانا ومشاة ، فقد روى البخارى فى صحيحه أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يأتى مسجد قباء كل سبت ماشيا وراكبا وان ابن عمر كان يفعل ذلك وهذا إن دل فإنما يدل على مشروعية شد الرحال والسفر إلى أى مسجد من المساجد وقد قال صلى الله عليه وسلم: ” من خرج حتى يأتى هذا المسجد مسجد قباء فصلى فيه كان له عدل عمرة ” ([7])

فان شددت الرحال إلى مسجد قباء للصلاة فيه جاز ذلك للحديث السابق وهذا ينفى منع شد الرحال . وان كان كما يزعم البعض أنه لا يشد الرحال إلا إلى المساجد الثلاثة لاقتضى منع شد الرحال إلى التجارة أو العلم أو الجهاد فى سبيل الله أو زيارة الوالدين إن كانا يعيشان فى غير موطن الابن وغير ذلك من الأمور التى هى من الخيرات والأعمال الصالحة .

قال ابن حجر في شرحه على البخاري عند قوله : ” لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد” . قوله : إلا إلى ثلاثة مساجد المستثنى منه محذوف ، فإما أن يقدر عاماً فيصير : لا تشد الرحال إلى مكان في أي أمر كان إلا لثلاثة . أو أخص من ذلك ، لا سبيل إلى الأول لإفضائه إلى سد باب السفر للتجارة وصلة الرحم وطلب العلم وغيرها ، فتعين الثاني ، والأولى أن يقدر ما هو أكثر مناسبة وهو : لا تشد الرحال إلى مسجد للصلاة فيه إلا إلى الثلاثة ، فيبطل بذلك قول من منع شد الرحال إلى زيارة القبر الشريف وغيره من قبور الصالحين ، والله أعلم .

وقال السبكي الكبير : وقد التبس ذلك على بعضهم فزعم أن شد الرحال إلى الزيارة لمن في غير الثلاثة داخل في المنع ، وهو خطأ ، لأن الاستثناء إنما يكون من جنس المستثنى منه ، فمعنى الحديث : لا تشد الرحال إلى مسجد من المساجد أو إلى مكان من الأمكنة لأجل ذلك المكان إلا إلى الثلاثة المذكورة ، وشد الرحال إلى زيارة أو طلب علم ليس إلى المكـان بل إلى من في ذلك المكان ، والله أعلم([8])

قال تعالى : ” وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُـمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً ” ولا يقف فى وجهنا دلالة ظاهر الآية على أن المجئ له عليه الصلاة والسلام كان فى الحياة الدنيا فقط فإنه لا فرق بين حياته البرزخية … وكما يؤكد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : ” حياتى خير لكم تحدثون ويحدث لكم فإذا أنا مت كانت وفاتى خير لكم , تعرض على أعمالكم فإن رأيت خيرًا حمدت الله وإن رأيت شرا استغفرت لكم ” ([9])

ويقول شيخ الإسلام تقى الدين أبو الحسن السبكى :  (والعلماء فهموا من الآية العموم لحالتى الموت والحياة واستحبوا لمن أتى روضة النبى صلى الله عليه وسلم أن يتلوها . ([10])

ومما يدل على ذلك حكاية الأعرابى التى نقلها جماعة من الأئمة عن العتبى . وهى مشهورة حكاها المصنفون فى المذاهب ([11])

حكى السمهودى فى وفاء الوفاء عن الحافظ زين الدين الحسينى الدمياطى أن زيارة قبور الأنبياء والصحابة والتابعين والعلماء والأولياء وسائر المؤمنين للبركة آثر معروف . وقد قال حجة الإسلام أبى حامد الغزالى : كل من يتبرك بمشاهدته فى حياته يتبرك بزيارته بعد موته ويجوز شد الرحال لهذا الغرض .

وقال الإمام الغزالى أيضًا باستحباب شد الرحال إلى زيارة مشاهد الأنبياء والصالحين وأنه مأمور بها لقوله صلى الله عليه وسلم كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ولا تقولوا هجرا ” ([12])

أبا محمد بن قدامة المقدسى احتج على جواز السفر لزيارة قبر النبى صلى الله عليه وسلم بأن النبى كان يزور مسجد قباء وأجاب عن حديث ( لا تشد الرحال ) بأن ذلك محمول على نفى الاستحباب .

 الدليل على ذلك من فعل الصحابة رضوان الله عليهم :

ولقد قدم سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه من بيت المقدس أيام خلافته واسلم على يديه كعب وكان من عظماء أحبار اليهود ففرح سيدنا عمر بإسلامه وقال له هل لك أن تسير معى إلى المدينة لزيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وتتمتع بزيارته فقال كعب افعل يا أمير المؤمنين وسار معه. ([13])

وأيضا سيدنا بلال رضى الله عنه جاء من الشام إلى المدينة لزيارة قبر سيدنا  محمد  صلى الله عليه وسلم([14])

وقد ألف الكثير من العلماء للرد على من أنكر شد الرحال للزيارة منهم الشيخ التقى ابن الحسن السبكى فى كتابه شفاء السقام فى زيارة خير الأنام وابن حجر فى الجوهر المنظم وغيرهم الكثير من العلماء .

([1])  النساء 64

([2])  أورده الدارقطنى والسيوطى فى الدر المنثور والهيثمى

([3])  أورده الهيثمى فى مجمع الزوائد والسيوطى فى الدر المنثور

([4])  رواه الطبرانى والهيثمى وابن حجر

([5])  أورده الدارقطنى فى سننه والطبرانى فى المعجم الكبير

([6])  رواه البزار فى مجمع الزوائد ج 4 ص 3

([7])  البخارى وأحمد

([8])  فتح الباري ج3 ص66

([9])  رواه البزار بسند صحيح وأقره الحافظ العراقى وقال اسناده جيد وقال الهيثمى اسناده صحيح واقره القسطلانى فى شرح البخارى وأقره السيوطى وصرح بتوثيقة الإمام أحمد وأبو داود والنسائى

([10])  شفاء السقام لزيارة خير الأنام  فيما حكاه عن السمهودى في وفاء الوفاء جزء 2 ص 411  .

([11])  رواها النووى فى الإيضاح باب 6 ص 498 , تفسير القرطبى ج 5 ص 365 وابن قدامة فى المغنى ج 3 ص 495 وابن عساكر وابن الجوزى وغيرهم .

([12])  رواه مسلم

([13])  إرشاد السارى ص 417 الجزء الثانى

([14])  رواها ابن عساكر فى سيرة سيدنا بلال رضى الله عنه بسند جيد وذكرها الحافظ عبد الغنى المقدسى والحافظ أبو الحجاج يوسف الحنبلى .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *